يواصل الكاتب الكبير والأديب أشرف مصطفى توفيق رحلته عبر صفحات التاريخ المكتوب بقلم روج , حيث صدر حتى الآن ثلاث حلقات من تلك السلسلة وهذه هي الحلقة الرابعة في تلك الرحلة والتي يغوص فيها إلى أعماق ما قبل التاريخ , وتحديدا إلى العصر الروماني
لعبة العروش , أو صراع العروش , game of thrones المسلسل الأجنبي الشهير والتي تبدو حلقة اليوم وكأنها احدى حلقات ذلك المسلسل الخيالي
ولكن ..الخيال هنا ..حقيقة وليس أوهاما .. أنها قصة امبراطورة في مخدع الخيانة , إمبراطورة تحترف البغاء !!
الحلقات السابقة :
وهذه هي الحلقة الرابعة :
امبراطورة تحترف البغاء!!
قالوا إن مخالطتها أشد خطرًا من مخالطة الأفعى! وإن الذي
شاطر الإمبراطورة «ميسالينا» فراشها ليلة كاملة لا شك متهور!
أما لماذا؟!
فذلك لأن
ميسالينا كانت تعتنق المبدأ القائل بأن الموتى وحدهم لا يتكلمون، ومن ثم فالصمت
التام في رأيها هو الضمانة الوحيدة أمامها لكي تنعم بالطمأنينة! لذا ففي أوانها
شهدت روما عددًا لم يسبق لها أن شهدته من الوفيات الناتجة عن عسر الهضم والغرقى
الذين كانوا يتنزهون على ضفاف التيب! فما أصل الحكاية؟
ميسالينا «قدم السعد»:
تزوج «كلاوديوس» ثلاث مرات قبل زواجه من الشابة ذات
الثمانية عشر ربيعًا «فاليريا ميسالينا»، ولم يبن هذا الزواج الرابع على أساس
عاطفي، فلم يكن كلاديوس يتمتع بأي شيء يُمكن أن يجذب قلب فتاة مراهقة، وقد بلغ
الخمسين من عمره.. لا شيء سوى حسبه ونسبه.
وما جرى مع كلاوديولي في أعقاب تلك الزيجة، ربما جعله
يعتقد أن ميسالينا كانت «قدم السعد» بالنسبة له! فما إن اقترن بها حتى وجدهم
يبحثون عنه ليقلدوه إمبراطورًا للبلاد!
فعمه الإمبراطور «كاليغولا» قُتِلَ على أيدي رجال الحرس
الإمبراطوري، وأصبح جلوس كلاوديولي على العرش يُحقق للمُتآمرين غايتين مُهمتين،
فمن ناحية يُمثل تنصيب كلاوديولي إمبراطورًا، امتدادًا لشرعية الحكم، ومن ناحية
أُخرى يصبح بوسعهم – المُتآمرين – إدارة شئون الإمبراطورية من وراء كلاوديولي لما
توسموه فيه من غباء وضعف شخصية، فهل تسنى لهم ذلك؟!
لقد اتضح أن كلاوديولي لم يكن في غفلة أبدًا عما يُحاك
من مؤمرات للإطاحة بعمه «كاليغولا».. ويعلم علم اليقين أن الإغراء الوحيد الذي
يجعل المُتآمرين يتمسكون بالشرعية ويضعونه عن طيب خاطر خليفة لعمه ومن ثم يحفظ
عليه حياته حتى يتم ذلك.
هو إن يبدو في مرآهم غبيًا ضعيف الشخصية بالحد الذي
يُطمئنهم بأنه لن يرقى بأي حال عن صفة ستار شرعي يحكمون من خلفه ويسيرون شئون
البلاد على هواهم.. لذلك فقد تصنع الغباء والحمق وأبدى بالغ ضعف الشخصية.
ولما آل الحكم له وأصبح إمبراطور البلاد مدعومًا من
أطراف المؤامرة ذاتهم كشف عن قبضة حديدية لداهية سياسي لا قبل لهم أو حيلة بصدد
حذقه ومناوراته، فنكل بالخصوم الأقوياء وأبادهم، وأخضع الضعفاء منهم وجعلهم يدورون
في فلكه!
لكنها المرأة!! وصعوبة سبر غورها، خديعة ناعمة لا ترقى
لمستوى تصنعها وتدابيراتها منارات العتاة من الساسة ومكائدهم، فخديعتها لما يصدها
عن الرجل سوى القدر وحده إن أراد، وإن لم يرد القدر انطلت على الرجل حتى تكتمل جوانبها
وتعتمل نتائجها فيه.
فــ «ميسالينا».. تلك المرأة الجميلة الفاتنة – الزوجة –
لم تكن سوى كيان وحيد وضعته الأقدار في سبيل كلاوديولي الرجل الحاذق الذي ابتلع
خصومه من عتاة السياسة والحرب، لتتفوق على حذقه وتجعل من الإمبراطور بجلالة قدره
أضحكوكة، لما تضع فوق عينيه غلالة الحب فتجعله وحده مغمضة العينين عن مباذلها
وسقطاتها وأبحارها الممعن في عالم الرذيلة!
لقد انقضت الأيام الأولى من زواج كلاوديولي وفاليريا ميسالينا في
سعادة غامرة، فكلاوديولي أثبت أنه في مخدع الحب فارس لا يعرف التعب، لكن.. بقدر ما
أسعد ذلك ميسالينا من الناحية الحسية، بقدر ما أصابها منه الملل واستبد بها!
وبعد انقضاء فترة من الزمن، وضعت خلالها طفليها «بريتانيكوس»
و«أوكتافيوس» انصرفت نحو الاستمتاع بالحياة.. استمتاع بكل من يروق لها من الرجال..
في نفس الوقت الذي لم تكف فيه عن مراقبة زوجها كلاوديولي، ومحاولة الإبقاء على
عاطفته مشبوهة ملتهبة نحوها لتكون في أمان تام.
وبعد فترة قصيرة أصبح من المُتعذر إحصاء عدد المتهورين
الذين طارحوا الإمبراطورة ميسالينا الفراش، وبمرور الوقت بدأت الألسن تتناقل
الأخبار بين العاملين في البلاط وبين أفراد الحرس الإمبراطوري.
مع قدوم فصل الصيف الذي تتفاعل فيه المشاعر الحسية مع
طبيعة المناخ بما يزيد من تهافت ميسالينا على مضاجعة الرجال وممارستها الخيانة،
حدث شيء لم يكن في حسبانها، إذا انتشر بالبلاد وباء الكوليرا واتخذ أبعادًا غير
مُتوقعة، الأمر الذي ألزمها تجنب مضاجعة العناصر الشبابية الأكثر عرضة للإصابة
بفيروس المرض، ولم يعد يقع بصر ميسالينا إلا على رجال تقدمت بهم السن، فاستبد بها
القنوط مع إحساس بالحرمان من أجمل مباهج حياتها، حتى أقبل ذلك الصباح مع قدوم
«ميرتالي» وصيفتها الشابة اليونانية، بهيئة تشع بهجة وسرورًا.
ولما استوقفتها ملامح الرضا في وجهها وقسماته راحت
تستفسر منها عما وراء كل ذلك الرضا، فعلمت منها أنها قد أمضت ساعات لا مثيل لها
بصحبة بحار يعمل على نهر التيبر.
ومُنذ ذلك الحين انفتحت أمام ميسالينا آفاق جديدة لمزيد
من الاستمتاع بلذاتها، وذلك بالتوجه إلى حي «سوبور» حيث مدمني الجنس في حي السقوط.
ميسالينا تحترف الجنس
أعدت الإمبراطورة ميسالينا عدتها لخوض غمار المعترك
الجنسي الذي يرضى شطحاتها ويروي ظمأها، تخفت في صورة مغايرة واستخدمت شعرًا
مُستعارًا أشقر اللون، وإمعانًا في التمويه غيرت من اسمها إلى «ليمسكا» وذهبت إلى
ذلك المخدع في حي «سوبور» ذلك الحي السافل والمشبوه في روما.
رافقتها في البداية وصيفتها «ميرتا» وبعد ذلك أصبحت تذهب
بمفردها، وبمرور الوقت أدمنت ميسالينا التوجه إلى ذلك المكان الساقط، حيث تلتقي
برجال من كافة الطبقات والأوضاع الاجتماعية.. وقد زاد من ترددها على هذا المكان
مغادرة «كلاوديولي» روما على رأس جيوشه للقيام بغزو إنجلترا، وخلال تلك الآونة
أصبحت زوجته تغادر القصر كل ليلة للقاء الأفاقين والجلادين والمدمنين للخمر.
أما وصيفتها ميرتالي، فقد استبد بها الذعر لاعتقادها أن
مولاتها قد فقدت عقلها فبدأت تقدم الطقوس للآلهة داعية ألا يكتشف أحد ذلك السر المرعب.
نرسيس يعرف السر
ورغم كل وسائل التخفي التي اتبعتها ميسالينا نفذت إرادة
القدر وانكشف أمرها.. ولكن لمن؟! للرجل الذي يسيسه ويستثمره خير استثمار لصالحه،
إنه «نرسيس» أحد نديمي كلاوديوس والمؤتمن على أسرار الإمبراطور.
فقد سمع نرسيس ذات يوم حديثًا مُثيرًا عن غانية جديدة
ظهرت في حي سوبور تُدعى «ليسيسكا» وأنها قد احتلت مكانة كبيرة في نفوس زبائنها،
فأرسل نرسيس بواحد من معاونيه ليتعرف على ليسيسكا ويعرف حقيقة أمرها، فعلها تكون
يومًا ذات فائدة له، وعقدت الدهشة لسان الرجل، فالشعر الأشقر لم يخدعه، إن ليسيسكا
ما هي إلا ميسالينا.
أدرك نرسيس قيمة هذا النبأ، لذلك قرر التخلص من معاونه كي
يضمن لنفسه الاحتفاظ بهذا السر، فعلاقته بالإمبراطورة ممتازة في الوقت الراهن،
ويتمنى أن تظل كذلك، ولكن إذا ما فكرت ميسالينا يومًا أن تنقلب ضده، فإن قضية
ليسيسكا ستمنحه فرصة الفوز عليها.
وبعد فترة ليست بقليلة من الانغماس في حياة الدعارة بحي
سوبور، حدث ما جعل ميسالينا تقلل تدريجيًا من مرات زيارتها للحي المشبوه، ويسد
جانبًا كبيرًا من نهمها للجنس وحياة الخيانة حسب ما اعتقدت، فقد عاد القنصل «كايوس
سيليوس» على إثر استدعاء من الإمبراطور كلاوديوس.
فمن هو كايوس يسيليوس هذا الذي لجم شحطات ميسالينا
الجنسية وجعلها تتفرغ له راغبة؟!
عشيق الإمبراطورة فاليريا ميسالينا
إن كايوس سيليوس هو الرجل الوحيد الذي أحبته ميسالينا في
حياتها، فلم تكن قد بلغت الرابعة عشر من عمرها عندما التقت به لأول مرة، لقد شغفت
به إلى حد الجنون، ولم تتوان عن الاستسلام له بكليتها، رجل وسيم مجرب وهو أول من
لقنها مبادئ الحب، لكنه اضطر لمغادرة روما والتوجه إلى جرمانيا لمراعاة مصالح
الإمبراطورية هناك.
وبرغم المحاولات المستميتة التي قامت بها ميسالينا ليزعن
إلى دعوتها إياه للرجوع، إلا أن سيليوس رفض الاستجابة لها، وكان مبرره في ذلك أن
الإمبراطور وحده يملك حق إصدار الأمر بالعودة، وفي ذات الوقت لم يكن ينظر
الإمبراطور من هو أجدر منه للقيام بهذه المهمة.
ولكنه أخيرًا قد عاد إلى روما، ولكن معه زوجته التي
يُقال أنها يونانية شديدة الجمال، وما إن وصل حتى استدعته ميسالينا بشكل غير رسمي،
استقبلته على انفراد واقتادته إلى سريرها دون أن تتيح له فرصة التقاط أنفاسه!
ورغم إرهاق العودة إلا أن سيليوس وجد متعة حقيقية في
تجديد علاقته بفتاة اكتشف فيها من جديد عشيقة مذهلة، وقد أيقظت هذه العلاقة في
نفسه الكثير من الآمال والطموحات الفريدة.
وعلى الفور استأجر سيليوس المسكن، حيث يتبادل هو
وميسالينا الحب ويتطارحان الغرام يوميًا بشغف عجيب.
وبعد فترة وجيزة بدأ التوتر يظهر على ميسالينا بسبب
التكتم الذي تفرضه الظروف على هذه العلاقة، وأصبح كل ما ترغب فيه أن تعلن عن هواها
جهرًا وعلى مسمع من الجميع، وتعلم روما أنها مُتيمة بحب كايوس سيليوس.. وشرعت تغدق
على عشيقها الهدايا النفيسة، فهي لا تتوانى عن إفراط البلاط من أثاثه الثمين لكي
تنقله إليه، وبهذا تحولت دار القنصل إلى متحف حقيقي.
تمكن العشق من فؤاد ميسالينا، فما عادت تطيق وجود امرأة
أُخرى في حياة عشيقها، حتى لو كانت زوجته الشرعية، فهكذا يبدأ العشق، أمل في نصيب
من فؤاد العشيق أو العشيقة، ثم يتحول الاحتواء بكامله إلى غاية وعندئذ لا يقبل
العاشق مُشاركة أحد في هواه.
ميسالينا تتخلص من غريمتها زوجة كايوس
تنشط نزعة التملك لتطمس الرؤية الواقعية وتغيب العقل عن
الحقيقة، فقد أضحت ميسالينا تتكوى بنار الغيرة من الزوجة الشرعية لسيليوس، وتتحول
إلى حيوان مفترس كلما تذكرت أن هناك من تشاركها عشيقها، وأخيرًا حسمت أمرها.. لقد
اهتدت لحل تمثل في السموم التي تعدها «لوكوستا» وهي امرأة على درجة عالية من سعة
الأفق وقلة الذمة في آن واحد!
حاكت الخطة.. ثم نفذتها.
خرج سيليوس إلى منطقة أوستيا بصحبة كلاوديوس، حيث كان
الإمبراطور راغبًا في إقامة منارة هناك، كانت زوجة سيليوس في المنزل، حيث تلقت سلة
رائعة من الثمار أرسلت إليها من البلاط مباشرة، ولأنها اعتادت مثل هذه الهدايا،
فلم يكن من المُحال أن تتناول بعض الثمار، وهكذا انتهت ميسالينا من وجود الزوجة
التي طالما ضاقت بوجودها في حياة عشيقها سيليوس.
إن سيليوس يعرف ميسالينا حق المعرفة، ويعلم أنها قادرة
على ارتكاب أي عمل من أجل أن تنعم بالعيش معه، وأحس في قرارة نفسه أن عائقًا
إضافيًا قد أُزيل من طريقه إلى العرش، وبذلك لم يتبق غير العائق الأكبر، ذلك الجالس
حاليًا فوق العرش الإمبراطوري .. «كلاوديوس»
نفسه!
قد تبدو مسألة التخلص من الإمبراطور مسألة سهلة المنال،
مثلما تم مع زوجة سيليوس، ولكن ميسالينا ليست مُتأكدة من البقاء على قيد الحياة
بعد اغتياله، كما أن ثقتها أقل في رؤية التاج الإمبراطوري يكلل هامتها، فأعداؤها
كثيرون.
ورغم كل ذلك، فقد اهتدت إلى حيلة شيطانية، بدت في نظرها
خالية من كل خطورة، لقد قررت أن تتزوج عشيقها مع وجود كلاوديوس على قيد الحياة، بل
وبمباركته أيضًا!
ويُمكن بعد ذلك الخلاص من كلاوديوس بسبب تلبك معوي
مثلًا، فلا يبقى أمام كايوس سيليوس، وقد أصبح زوجًا لها غير الصعود للعرش بصورة
تلقائية!
وافق سيليوس على خطة ميسالينا، حيث رأى أن هذه الفكرة إذا
أحسن إخراجها يُمكن أن تنجح نجاحًا تامًا ..
خطة ميسالينا للتخلص من الإمبراطور كلاوديوس
وهي خطة ترتكز على
قيام كلاوديوس بجولة انفرادية في الحدائق المُحيطة بالبلاط في المساء، وهي حدائق
خاضعة لحراسة مُشددة... ثم تتوالى الأحداث كفيلم سينمائي :
- في أحد الأيام، حيث كان كلاوديوس يقترب ببطء من معبد
صغير للإله أبولون، لمح عجوزًا أصفر الوجه يرتدي ملابس بالية يحفر حفرة، فتملك
الإمبراطور الدهشة لوجود هذا البستاني في تلك الساعة المُتأخرة من المساء، واقترب
منه وسأله عما يفعل في هذه الساعة، ورد العجوز بصوت أجش بأنه يقوم بحفر قبر،
والقبر لزوج ميسالينا الذي ينبغي أن يموت (خلال ثلاثة أيام)!!
انزعج كلاوديوس من حديث العجوز وانطلق عائدًا إلى القصر
بعد أن علم أن اسم العجوز «إليكتون»، وما أن دخل القصر حتى استدعى نرسيس وطلب منه
أن يُفسر له وجود مثل هذا البستاني الذي يُدعى إليكتون في مثل هذه الساعة وفي مثل
هذا العمل، إلا أن نرسيس عاد بإجابات غريبة مُبهمة، فالبستاني المدعو إليكتون قد
توفي مُنذ شهرين!!
تملك الفزع كلاوديوس الذي قضى ليلة لا يُحسد عليها، فظل
يتقلب من جنب إلى جنب، ثم انطلق نحو ميسالينا التي لاطفته وهدأت من روعه طالبة منه
أن يستشير كبير كهنة روما.
وما إن وصل الكاهن العظيم حتى وضعت المشكلة بين يديه،
ولكن ميسالينا قد تصورت الحل لهذه المشكلة، وذهبت إلى الكاهن والإمبراطور حيث هما
وقالت: لكي يستطيع كلاوديوس أن ينجو من هذه الرؤية، عليه ألا يظل زوجًا لها، ثم
عرضت خطتها.
موجز الخطة أن يبتعد كلاوديوس عن روما لبضعة أيام، أي
الفترة الكافية لمرور اليوم المقدور، وتقوم ميسالينا في هذه الفترة، وبدافع من
إخلاص لا مثيل له، بالتصدي للمحنة، فتظل على رأس الحُكم وتعقد عقد زواج صديق قديم،
وليكن كايوس يسيليوس.
وعلى سبيل المثال، فهو على درجة من الشجاعة والوفاء
تُؤهله للقيام بدور زوج ميسالينا في يوم نفاذ حكم القدر، وهكذا تتم التضحية بذلك
الرجل الصالح!!
ولكن الكاهن الأكبر اعترض بشدة على خطة ميسالينا، ذلك في
الوقت الذي أُعجب بها كلاوديوس، فقد وجد في فكرة العثور على بديل له فرصة للهروب
من القدر!
وإذا كان الكاهن الكبير لم يقتنع في قرارة نفسه، فإنه قد
أدرك أن معارضته لهذا المشروع الجنوني سوف تعني أن أيامه في روما قد تكون معدودة.
وعندئذ أعلن كلاوديوس عن عزمه السفر إلى أوستيا لمراقبة
منارته، وعلى الفور بدأت ميسالينا تعد العدة للاحتفال بعد قرانها على سيليوس..
نرسيس ينتقم من ميسالينا
لقد أعدت كل شيء دون أن تحسب حساب نرسيس المطلع مُنذ وقت
طويل على كل أسرارها.
وقد شعر في ظل هذه المسرحية الشاذة التي قامت ميسالينا
بتأليفها، أن في يده أسرار قيمة يُمكن استغلالها لإيقاف هذه المسرحية، خصوصًا أنه
قد أحس بقدرة ميسالينا الهائلة على التخلص منه في أي وقت تشاء.
ولم يتردد نرسيس، وقام باستخراج كل التقارير المُتعلقة
بنشاط ليسيسكا وانطلق على جواده يُسابق الريح إلى مكان كلاوديوس، وكان وصوله له
وقع الصاعقة على الإمبراطور الذي ظل لفترة يرفض كلام نرسيس ويفهمه بأنها مخاوف لا
مبرر لها وإن ما يحدث الآن مجرد مسرحية هزلية تهدف للحفاظ على حياته.
ولكن نرسيس عرض على الإمبراطور سجلًا كاملًا مُدعمًا
بالحجج والبراهين يتضمن تفاصيل كاملة عن حياة زوجته في السر.
وتمكن في النهاية من إشعال نار الغضب في نفس كلاوديوس
الذي قرر الرجوع فورًا، وقد استدعى في عودته كافة الوحدات العسكرية التي وجدها في
طريقه، هذا في الوقت الذي عاد فيه نرسيس بسرعة إلى الوطن ليعلن نبأ رجوع مولاه.
أحدث نبأ وصول الإمبراطور انفجارًا كالبركان وسط مظاهر
الاحتفال في البلاط بالعرش الكبير، وهذا في الوقت الذي كان فيه العروسان فوق سرير
الحب يتطارحان الغرام، وقد استولى الذعر على المُحتفلين، وبدأت عمليتا هروب
فوضوية، بدأها كايوس سيليوس نفسه، قبل الجميع لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه ألا وهو
الإبقاء على رأسه بين كتفيه.
ولكن ما كاد سيليوس يصل إلى بيته حتى كان رجال الحرس
الإمبراطوري في انتظاره مُتعطشين إلى نهب أجمل دار في روما كلها، وعلى الفور توجه
أحدهم إليه وطعنه بالخنجر وانتهى كل شيء.
أما ميسالينا فقد هربت بدورها إلى بيت أمها بحثًا عن
ملجأ أمين، ولكي تنتظر وصول كلاوديوس فهي تعرف كيف تكسبه إلى جانبها حين يصل، إلا
أن نرسيس يعرف ذلك حق المعرفة، وقد أدرك أن كلاوديوس لن يقوى على الصمود أمام دموع
زوجته لذلك أرسل جنوده في أعقابها لتحظى هي الأُخرى بطعنة خنجر أحد الحراس، وعندما
وصل كلاوديوس بكاها بدموع حارة، فهو لم يأمر بقتلها، لكن نرسيس أرسل إليه أغريينا
ابنة أخته، التي عرفت كيف تواسي ذلك العاشق العجوز وتمسح دموعه، وهكذا توصلت
أغريينا إلى خلافة ميسالينا.
---
أشرف مصطفى توفيق
عضو إتحاد الكتاب
أشرف مصطفى توفيق
عضو إتحاد الكتاب