أشرف مصطفى توفيق : التاريخ المكتوب بقلم روج ,(2) : الجاسوسة الحسناء كاميليا كوهين وحرب فلسطين


كنا في الحلقة السابقة تحدثنا عن الفنانة كاميليا وعلاقتها بالملك فاروق وقد جاءت الحلقة بعنوان : 

وحلمت كاميليا كوهين بعرش مصر 

والآن يتابع الكاتب والأديب أشرف مصطفى توفيق الجزء الثاني من هذه الحلقة 
ونتحدث فيه عن كيف تم تجنيد الفنانة كامليا ودورها في صفقة الأسلحة الفاسدة وكيف استطاع الموساد إستغلالها لتحقيق أغراضه الصهيونية في التمكين لدولة اليهود 
---
كاميليا كوهين

أعلن فاروق عن رحلة إلى شرق البحر الأبيض وصحب معه في رحلته الأميرة (فوزية) أخته، والسيدة ناهد رشاد وزوجها د. يوسف رشاد وأنطون بوللي والبكباشي (سليمان عزت) ياور فاروق البحري ومراد محسن.


ووصل فاروق إلى قبرص في 30 أغسطس سنة 1946، ويبدو أنه كان هناك اتفاق فقد وصلت في نفس الوقت كاميليا إلى قبرص، حيث تقابلا وتعددت لقاءاتهما السرية.. وفجأة تعددت الأخبار عنهما في الصحف حتى نشرت بالفرنسية !
ووصل للملك خطاب من القصر في محتواه أن مصر كلها تتحدث عن علاقة فاروق بكاميليا وغضب فاروق منها واعتبرها مسئولة عن النشر وغادر مركب فاروق (فخر البحار) قبرص في 7 سبتمبر 1946 ولكنه ليضلل الإشاعات والأكاذيب عن حكاية غرامه الجديدة اتجه بالمركب إلى (تركيا).

وأحدثت هذه الزيارة الخدعة اهتمامات سياسية واسعة وبخاصة من إسرائيل، فقد رأت فيها واشنطن أنها إشارة لعمل تحالف عسكري بين (أنقرة والقاهرة) وأسقط ذلك في يد (إسماعيل صدقي) رئيس مجلس الوزراء الذي هدد بالاستقالة.

وبينما فاروق يُفكر في العودة إلى الإسكندرية جاءت هذه الرسالة من كاميليا له 
«إما أن تعود وإما أن أنتحر» !!

وعاد فاروق مرة أُخرى لقبرص صباح يوم 10 سبتمبر، بل خرج رجال فاروق يبحثون عن مدموازيل (ليلان كوهين) ولم يتطلب الأمر جهدًا من جانب الوكالة اليهودية لكي تُفكر في (كاميليا) للتجسس على فاروق، فقد تنصتت على الرسالة وتلقتها ورأت رد فعلها على الملك !!

إن امرأة لها كل هذا التأثير لثروة قيمة في هذا الوقت للتجسس على فاروق ! مع أن كاميليا – حينما تركها فاروق في قبرص، فكرت بنفس الطريقة التي فكرت بها حينما تركها (أحمد سالم) من قبل ..

( فقد علمت بأن أحمد سالم قد قرر إنهاء عقد احتكارها سينمائيًا مُقابل ثلاثة آلاف جنية أخذها من يوسف وهبي ، فاتصلت به وطلبت منه الحضور ومعه النسخة الثانية من مفتاح شقتها الموجودة بالدور التاسع بعمارة (الإيموبيليا) بشارع شريف واتفقا على الموعد، فإذا بها ترتدي ثوبًا جميلًا وتحسب الوقت بدقة ثم قبل حضوره تتناول منومًا، ويدخل عليها أحمد سالم فيجدها غائبة عن الوعي، وبجوارها ورقة مكتوب فيها: أحبك.. يا أحمد!!
فما كان من أحمد سالم إلا أن أعاد العربون (الخلو رجل) ليوسف وهبي!! ) 

كاميليا كوهين

- بنفس الطريقة جاءت رسالتها المدوية ، والتي إلتقطتها أجهزة المخابرات، وأصبحت المعلومات [أن كاميليا احتوت فاروق واخترقت بطانته]!!
وبسرعة أرسلت (الوكالة اليهودية) إلى مركزها في (جنيف) لوضع خطة لتجنيد كاميليا ، وكانت جنيف هي المركز الرئيسي الذي تم فيه تأسيس (الموساد) وعُيِنَ «جيمس زارب» رئيسًا لهذه الشبكة والذي طلب منه أن يستفيد من اتصالات كاميليا في مصر مع كبار المسئولين والقصر الملكي.

واتصل (زارب) بمدرب الرقص اليهودي «إيزاك داكسون» الذي كان يفتح صالة رقص في شارع فؤاد لتدريب الهاويات على الرقص الشرقي.
وكذلك اتصل باليهودي «لسيون كازيس» وكان يعمل مُديرًا لمعمل (أبو الهول) الذي يمتلكه (أنور وجدي)!

واستطاع (زارب) عن طريق هؤلاء أن يتصل بكاميليا وعقد معها عِدة لقاءات، وأرسل (زارب) إلى جنيف عدة اقتراحات لإرضاء رغبات ونزوات كاميليا!

أولها: تقريبها من السينما العالمية ومُحاولة الأخذ بيدها في هذا المجال!

ثانيها: القيام بحملة دعائية كبيرة لها من خلال الصحف والمجلات على أن تقوم الوكالة الإسرائيلية بالصرف!

وبالفعل بدأت الوكالة في غرس كاميليا في السينما العالمية !! واستطاعت الإتفاق مع كاميليا على القيام ببطولة فيلم عالمي أمام النجم (إريك بورتمان)!
وأثناء عملها في الفيلم تعرفت على المُمثل البريطاني الشهير «مايكل واينبج» وتوسط لها عند المُنتجين الإنجليز بشرط أن تظل في بريطانيا، ولكن عليها أن تدفع الثمن، فقد طلب منها «جيمس زارب» سرعة العودة إلى القاهرة على أن تكون حجتها إنهاء عقودها هُناك!
ولم تكن العودة بسبب السينما وإنما كانت تمهيدًا لعمل أكبر هو الاشتراك في صفقة (الأسلحة الفاسدة) التي اشترتها مصر وحاربت بها إسرائيل عام 1948!! 

وأثناء الحرب طلب منها أن تلعب دورًا اجتماعيًا داخل المجتمع المصري نفسه لتحقيق هدفين:
الهدف الأول: تغطية موقفها مع المخابرات الإسرائيلية ، أما الثاني فهو معرفة ما يدور داخل عقول أفراد المجتمع المصري!

وخلال هذه الفترة أدلت كاميليا لمجلة الصباح بالحديث الآتي:


«إنني في حياتي لم أعرف مراسيم اليهود، ولا ديانتهم، ولم أدخل يومًا معابدهم، بل أصدقائي كلهم ليس فيهم يهودي ولا يهودية، ومع ذلك سمعت بأُذني وقرأت بعيني كلامًا يتهمني بأنني إسرائيلية مُتعصبة كل همي جمع المال.. وأقول لهم «كلا، إن همي كله إسعاد الشعب بفني»، بل إن أُمها صرخت في أحد الحفلات بأن ابنتها كاميليا مسيحية وليست يهودية، وأنها قد قامت بتعميدها في دير (سانت كاترين) ونصرتها بعد عام واحد من ولادتها وبدون علم زوجها الذي تركهما وطفش!!».

وقامت كاميليا بالانضمام إلى الجمعيات والحفلات الخيرية التي بدأت في جمع التبرعات من أجل فلسطين في ذلك الوقت، بل إنها استصدرت من (عبد الحميد بك) وزير الشئون الاجتماعية عام 1948 تصريحًا بجمع التبرعات واشتركت معها في ذلك الوقت (أُم كلثوم وتحية كاريوكا).

وتتأرجح علاقة فاروق بكاميليا في ظل الاهتمام المصري والعربي بقضية فلسطين فيتوقف الملك عن لقائها مُنذ حادث قبرص حتى منتصف 1947، حيث يدعوها فجأة وفي (قصر عابدين)، حيث أخذت تشكو له هجرها وفقرها، وحياتها في شقة صغيرة بالإسكندرية، ويُلاحظ الملك أنها جائعة وتأكل بشراهة فأدرك حالها وأعطاها (مائة جنيه)!!
وتصدر الصحف في يناير 1948 بعبارة «شوهد أحد الكبراء يقبل فنانة معروفة في طريق الأهرام» وكان المقصود الملك وكاميليا، حيث ذهب إليها في الاستوديو في سيارته، يلبس قبعة، وضع على عينيه نظارته السوداء التي اشتهر بها، وكان ذلك أثناء تمثيلها فيلم (ولدي)!

وفي 1950 يُسافر فاروق إلى أُوروبا ويرسل إليها ليستدعيها بعد أن خطب (ناريمان) في 11 فبراير 1950، ولكنه وهو بالخارج على حد أقوال البعض يسمع خبر وفاة كاميليا في حادث طائرة في (1 سبتمبر 1950) هي ومعها (54) من الضحايا عند مدينة الخطاطبة المصرية.

وتتعدد الروايات وتختلف..
- حول لماذا تسافر وإلى أين تتجه؟!
- من الذي قتلها؟!

ويرى البعض أن نهايتها تشبه نهايات التصفية الجسدية عن طريق أجهزة المخابرات، والبعض الأخر يرى أن وراء التصفية (الحرس الحديدي) سواء بعلم الملك وطلبه، أو دون ذلك عن طريق (ناهد رشاد) بسبب الغيرة (1)!

وتبقى في حكاية (مارلين مونرو عصر فاروق) الرواية الهامة الواردة في كتاب مجدي كامل «عشيقات المشاهير» نوردها بالرد لمصدرها، لأننا لم نجد من يُؤيدها، أو يذكرها، وبخاصة أن الطائرة المُحترقة في حادث كاميليا كانت ماركة «كونستيليشن» وكانت مُتجهة للولايات المتحدة لا لأوروبا!

يقول مجدي كامل في كتابه السابق الإشارة إليه (2) :
«وبعدما عرف الجميع بأمر تورط كاميليا في الصفقة تدخلت (الوكالة اليهودية) لحمايتها بعدما أصبحت عملية رسمية للمخابرات الإسرائيلية، وكانت الخطة أن تسعى إلى استمالة الملك وإقناعه بالزواج من كاميليا لإنجاب ولي العهد الذي يتوق إليه، فعندما تكون كاميليا ملكة يصبح بمقدورها خدمة مصالح إسرائيل دون عناء.
ولما فشلت كاميليا، وكذلك رجال الحاشية الفاسدة في إقناع الملك بفكرة الزواج، أخذت كاميليا تبتعد عنه خاصة بعد نشر خبر عام 1950 عن قرب اقترانه (بناريمان)!!
ولما ذاق فاروق مرارة الجفاء، ولوعة الحرمان، حاول استرضاء كاميليا حتى تستمر في إعداد الوجبة الملتهبة التي عودته عليها، فقام بنشر خبر بتكذيب زواجه من ناريمان! ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد عقد الملك اتفاقًا مع عشيقته على الزواج عرفيًا، حتى إذا ما أنجبت ولي العهد يعلن الزواج، ويصبح رسميًا وشعبيًا!!
ومن هنا غيرت كاميليا ديانتها من اليهودية إلى المسيحية، واقترح الملك ان يكون الزواج في فرنسا.
وقد استخرج فاروق جواز سفر باسم (أنور باشا المصري) سافر به إلى أوروبا 1950 وزعم لحاشيته أنه يريد أن يتجول على حريته بأوروبا، وبينما فاروق في انتظار كاميليا لإتمام الزواج بباريس احترقت طائرتها المتجهة لفرنسا» (3).

أما الثابت لدينا أن فاروق علم بوفاتها وهو خارج مصر وحزن عليها بطريقته: التفت إلى بوللي وقال له " إن موتها فأل سيئ بالنسبة له!!

وإذا كانت قصة (كيندي – مونرو) لا تزال قيد البحث والتحري، وموضوع لكلام وجدل في أمريكا، فإن قصة (كاميليا – فاروق) هي الأُخرى تظل حكاية مُثيرة في المجتمع المصري والعربي، والغريب أن كلتا القصتين تثير نفس الأسئلة وتتكرر نفس المحاولات عنهما لكشف الحقيقة، وتبقى الإثارة غلافًا دائمًا للبحث، والغموض وراء كل إجابة، أما هذه الأسئلة فهي على الترتيب الآتي:
- هل أحبها أم كانت مجرد نزوة في الفراش؟!
- هل كانت عملية تعمل لجهة من جهات التخابر، وزرعت في القصر لفتح طلاسم الأسرار ومعرفة خفايا الحُكم؟!
- هل كان موتها قضاء وقدر، أم بفعل فاعل وعن عمد واحتراف؟!
- هل اكتفت بالفن والسينما، أم قررت أن تمد أنفها في السياسة أيضًا؟!
ولا نستطيع في كل المحاولات، إلا أن نضع اجتهاداتنا بين علامات من التعجب وأُخرى من الاستفهام، فقد أوضحنا ما سبق أن فاروق قد خطفها من المخرج شاطر السينما «أحمد سالم»، لكنها لم تكن رغم ذلك المرأة الوحيدة في حياة فاروق مُنذ حادث الأوبرج الذي تعرفت فيه عليه واشتهاها ملكيًا، وكان ذلك في أواسط الأربعينيات وحتى انتهت حياتها في مطلع الخمسينات، بل سمعنا عن أسماء أُخرى في حياة (فاروق) من الوسط الفني في مصر ومن خارجه، ومن أشهر هذه الأسماء المغنية الفرنسية (آنى بريه).
وكذلك كاميليا لم تكن مخلصة له كرجل بل كانت مخلصة له كملك إذا دعاها لبت، وإذا تركها بحثت عن غيره يعطيها الثروة أو الجاه أو يسهل لها أن تكون نجمة سينمائية!!

فهي تعود مرة.. وأُخرى لأحمد سالم، وحينما يتدخل الملك لاعتقال المخرج، بحجة أن عليه شيك بدون رصيد بمبلغ 1500 جنية تتدخل كاميليا وتعطي المخرج فطين عبد الوهاب مبلغ 500 جنية لتساعد في هذه الأزمة!!

ثم أنها تعرف على الملك شخص اسمه (صالح العوضي) اختلس مبلغ كبير يصل إلى 90 ألف جنية مصري وفتح مكتب للإنتاج السينمائي من أجلها ومثل معها بالعافية وبفلوسه فيلم «ولدي»، واشترى لها سيارة كاديلاك، وقبلها في الفيلم قبلات على طريقة عبد الحليم حافظ في فيلم (أبي فوق الشجرة).. ثم أنها لا تكتفي بذلك فما عليك إلا أن تقرأ مذكرات (دون جوانات السينما) لتعرف ماذا فعلت بهم جميعًا هذه الكاميليا!!

فمن يقرأ مذكرات عبد الوهاب يتعجب أنه يحكي أنه كان يُغني لها وحدها في بيتها ويجلس تحت قدميها ويعزف على العود، وهو يذوب فيها وتذوب فيه!!

أما كامل الشناوي – الشاعر المرهف – فله شعر فيها، وقد ذهب إليها ومعه توفيق الحكيم ليترجمه لها إلى الفرنسية حتى تفهم دقة معناه.

وكانت تحضر معهم في ذلك الوقت أم كلثوم وقالت له: حب ده مش شعر يا كامل بيه!! حتى المُمثل القدير (محمد توفيق) لم يسلم من الوقوع في جاذبيتها وبخاصة أنه كان يقوم بتعليمها دروس الأداء الحركي والنُطق العربي للحروف!

بل إنها عند سفرها الأخير تحيرت الأقوال هل ذهبت للقاء المليونير الدمياطي (س. بك اللوزي). أم ذهبت للقاء الملك فاروق أم أنها كانت في طريقها لعمل سينمائي أجنبي وبخاصة أنه سبق لها تمثيل فيلم (طريق السموم) مع المُمثل (إريك بورتمان)!
ثم لنقرأ صفحات من مذكرات رشدي أباظة لنجد أن كاميليا تشغل نسبة 20% في هذه المذكرات!

مصرع كاميليا كوهين :


أما موتها التراجيدي الغامض فشيء آخر، فهُناك اختلاف على نوع الطائرة: كونستيليتن أم غيرها!! واختلاف حول طريقة ركوبها هل هي: o.k. أم على الانتظار؟!
وهل سافر معها مُمثلًا عجوزًا أم لا؟! ولماذا كانت مُصرة على أن تُسافر صباح الخميس؟!

وهناك اختلاف على وجهة الطائرة هل هي ذاهبة إلى أمريكا أصلًا أم إلى باريس؟! 

المهم أنها كانت طائرة (T.W.A) وسقطت محترقة قبل عبور الحدود المصرية وكانت كل اتصالاتها اللاسلكية: أنه لا شيء وكله تمام!!

أما رحلتها الأخيرة ففي أقوال كانت بعد اتصال بينها وبين الملك، كانت الأخبار عن ناريمان ملكة مصر الجديدة وأنها تعد في أوروبا وسافر فاروق باسم مُستعار للإشراف على ذلك، ولكنه تركها ليقابل كاميليا، وآنى بريه في باريس!!

وحينما عرض عليها الملك الحضور له قالت له أنها ستسافر إلى أوروبا أو أمريكا بالفعل وأنها ستحاول أن تُقابله، وأكدت له أنها ستقضي بضعة أسابيع في سويسرا وبعدها ستعود إلى لندن ثم تقابله.

وأما الغموض الذي أحاط بالرحلة وبالنهاية الحزينة؟! إن سلاح الطيران الملكي المصري لم يقم بأي مجهود لإنقاذ الضحايا وأن أشياء كاميليا كلها فُقِدَتْ بما في ذلك خاتم سوليتير ثمنه 1500 جنية!! وتم التعرف على جثتها من الحذاء الساتان الأخضر الذي لم يمس، ومن سلسلة كانت تحمل حروف اسمها الأول!!

وبينما تقرر صديقتها وزميلتها تحية كاريوكا أن أمر سفرها وتاريخه كان معروفًا لديها وفي الوسط الفني، حتى أن «حسين صدقي» طلب منها أن تقنع كاميليا بعدم السفر إلا بعد أن تمثل الفيلم المُتعاقد عليه معها، وكان يقول لتحية أنها (ستسافر بره وتفوت الكونتراتو) وأنها تدخلت وباتت ليلة سفرها معها وفي منزلها وقالت لها: إنها ستسافر للعلاج لأن صدرها يُؤلمها! فإن شركة الطيران تُؤكد أنها حجزت لها في آخر لحظة حينما اعتذر أحد الركاب!!

ثم يفجر مصرعها سؤالًا من الذي قتلها؟! أم أن موتها طبيعيًا؟!

لغز موت كاميليا كوهين 

(واتفق البعض من المُؤرخين على أن مصرعها لا يُمكن أن يكون مُتعمدًا وذلك لأنها أجلت سفرها إلى رحلة الطائرة التالية بعد ثلاثة أيام، ولكن قبل الإقلاع بالطائرة بثلاث ساعات ألغى مسافر رحلته إلى جنيف. ولما كان اسم كاميليا هو أول اسم على قائمة الانتظار، فقد جرى الاتصال بها وأبلغت بأن هناك مقعدًا خاليًا لتسافر إلى الرحلة التي لم تعد منها وحدث ما حدث)، ولذا لم يسافر معها المُمثل العجوز!!

ولكن هناك رواية أُخرى تُؤكد أن الأمر كان مُدبرًا (أن كاميليا قررت أن يكون معها المُمثل العجوز، ولكن لم تجد له تذكرة في رحلتها كل التذاكر محجوزة، وحاول المُمثل العجوز أن يعتذر، وبينما كاميليا تستعد للسفر بحقائبها وهي قلقة مُتلهفة دق التليفون وأبلغوها بتوافر مكان وأن هناك مسافر اعتذر وذهب معها الأستاذ العجوز، فالتذكرة التي كانت في آخر وقت تذكرة المُمثل العجوز.. لا كاميليا) (4) 

ولكن لا أحد يذكر من هو المُمثل العجوز؟! وهل لاقى حتفه معها!! ولذا فإننا أميل إلى كون الحادث عمد وأن الجهة الوحيدة الرابحة من اختفاء كاميليا، وفي تلك الفترة بالذات هي الحرس الحديدي، من منطلق الدفاع عن الملك ومصالحه وبخاصة أن عملية تدشين الملكة الجديدة ناريمان، كانت قائمة على قدم وساق.

(ويذكر سمير فراج في مُؤلفه السابق الإشارة إليه أنه حينما سمع فاروق من بوللي بخبر احتراق الطائرة أنه قال: لقد نصحت كاميليا كثيرًا بأن تصبح صديقة للسيدة ناهد رشاد، ولكنها لم تصغ للنصح).

ولكننا لا نرى أن هذه لهجة فاروق أو عبارته، فهو يقول لناهد رشاد: نهى!! ولم يطلق عليها السيدة ناهد أبدًا!!

ولكنه بهدوء يريد أن يبرئ نفسه، وكأنها ليست رغبته ولا أوامره، وكأن ناهد رشاد فعلتها بدون أُذنه ولهذا يقول السيدة ناهد رشاد ولكنه هو المُستفيد الوحيد من مقتل كاميليا!!

كاميليا كوهين مصر

ونصل إلى التساؤل الأخير، هل اكتفت بالفن والسينما أم مدت أنفها للسياسة أيضًا؟! يبدو أنها فعلتها وجعلت الفن والسياسة في زجاجة واحدة!!

«فمثلًا اختيرت وهي في بداية طريقها في السينما لتمثل دور البطولة في فيلم «طريق السموم» الإنجليزي، والذي صورت كثيرًا من مشاهده في مصر وهو عن محاربة المخدرات، وحتى الآن لم يعرف الأسباب لاختيارها لذلك، وهل الأمر مجرد فرصة إعلامية فعلتها لها أجهزة التخابر أم ضربة حظ!! 

ولكن منتج الفيلم استغلها، فقامت بنفسها بتصوير فيلم يحوي مناظر أُخذت من أحياء شعبية تصور البؤس والمرض الذي يُعاني منه المصريين وكان على فيلم 35 مم وأوهم بأنه سيدخل ضمن الفيلم عند عمل المونتاج وضبطت به».

حينما اقتضى دورها في نفس الفيلم أن تسافر إلى إنجلترا، فتحت فمها على آخره في الصحف الأجنبية ونهشت في الفن المصري والسينما المصرية بالافتراءات والأكاذيب، وفجأة ادعت بأنها يُطلق عليها في مصر «ملكة النيل»!!

وحينما تحدث (إريك بورتمان) الذي يشاركها العمل في الفيلم قال: إنها ساحرة، ثم أنه يكفيه أنه يُمثل مع صاحبة الكلمة النافذة في مصر والتي تعتبر كلمتها قانونًا في مصر!!
وبالطبع كان ذلك تحت سمع وبصر الجميع بل أن الصحف المصرية هاجمتها عند عودتها: 
بأنها ممثلة وصولية.. ولا تجيد التعبير.. ثم أنها لا تنطق اللغة العربية أساسًا!

ويلاحظ أن الصحف الأجنبية فتحت صفحاتها لها: (مجلة بيكشرو) الإنجليزية، (الباري سوار) الفرنسية، (الهوليود شو) الأمريكية والتي قالت عنها: أنها سمكة كبيرة (كاميليا) في بركة صغيرة (يقصدوا مصر)!!

كاميليا والحرس الحديدي 


أن رحلتها مع فاروق إلى قبرص أوضحت مدى خطورتها على العرش، وكانت بالطبع محلًا لنظر وتفكير ناهد رشاد التي رافقت الملك في الرحلة وعرفت كل شيء يحكم وجود حراسه له من (الحرس الحديدي) الأمر الذي جعل (كاميليا) نفسها تحاول اختراق الحرس الحديدي.. بعد أن اخترقت الحاشية بمعرفتها القوية ببولي الإيطالي الجنسية مثلها وإلياس اندراوس مستشار الملك الاقتصادي والذي كان يحبها وكذلك (جارو) حلاق الملك (الخاص).

[وبدأت كاميليا تبحث عن (مصطفى كمال صدقي) أسطورة الحرس الحديدي وبخاصة بعد معرفتها عن ولعه بالنساء وكان من عشاق فن صديقتها تحية كاريوكا وتزوج بتحية بالفعل بعد الثورة، ولكن جارو حذرها من مجرد الاقتراب منه أو التفكير في الحرس الحديدي لأنها منطقة نفوذ ناهد رشاد (5).

ثم أن كاميليا فعلت شيء آخر، بعدت عن (مصطفى كمال صدقي) لأنه كما سمعت بتاع ناهد رشاد.

ولكنها عرفت آخر من الحرس الحديدي وهو المُلازم عبد القادر طه (كان الصديق الحميم لمصطفى كما صدقي واتهم معه في مؤامرة 1947 حيث كان وقتها برتبة صول فني) ولا يعرف شيء عما دار بينهما 
إلا أن بوللي رغم صداقته مع كاميليا وتسهيل أمر شهرتها السينمائية مع يوسف وهبي، إلا أنه شاهدهما معًا في قارب بالنيل فقرر الإبلاغ.

وحينما انقسم الحرس الحديدي على نفسه وانقلب مصطفى كمال صدقي على الملك وحاول قتله، أقر فاروق لمؤامرة لتصفية مصطفى جسديًا، وبدأ العمل باغتيال عبد القادر طه ساعده الأمين، وكان لناهد رشاد يد في الترتيب، فهي تُؤثر أن يكون الضحية رفيق صديقها بدلًا منه(6)، مع أن ذلك الاغتيال لا داعي منه لأن المقصود مصطفى كمال إلا إذا كانت «ناهد رشاد» تريد الانتقام القديم من كاميليا.

وبالتالي فكاميليا لم تكن مثل آنى برييه امرأة من الوسط الفني تعيش في كنف ملك، إنها لا تكتفي بالفن أو هي تضع الفن والسياسة في زجاجة واحدة!!

علاقة كاميليا بالفنان رشد أباظة


بقى تلك الرؤية الخاصة من رشدي أباظة – لكاميليا.
يقول رشدي أباظة في مذكراته:
(كانت كاميليا أشبه بالحصان الجامح الذي لا يستطيع أحد أن يوقفه، حتى ولو كان الملك نفسه، كانت تفعل ما يحلو لها وتتحدى من تشاء ويقول تعلمت من حبها الدرس وهو أن كل من يحب كاميليا لا يستطيع على الإطلاق أن ينساها!
ويذكر أن علاقته بكاميليا استمرت ثمانية أشهر وأنها كانت علاقة حافلة بالمخاطر تحرش خلالها الملك فاروق بها!! وأنه استجاب في النهاية لرغبة أُمه وسافر إلى روما ليبتعد عن المشاكل والمُضايقات الملكية. وأنها عندما ماتت عثروا على صورته معها وقد علقتها في رقبتها، وهي الصورة التي أهداها لها وكتب عليها «إلى حبيبتي.. حتى الأبد» وغالى في مذكراته حينما ذكر أنه جمع بين كاميليا وآنى برين معًا في نفس الوقت الذي كانا فيه داخل علاقة مع فاروق، وأنه بذلك كاد يتعرض للقتل)(7).

ولكن لكاميليا سلطانها على فاروق فهو من أجلها يهدد بالقتل كل من أحمد سالم ورشدي أباظة، فهو قد منع أمر اعتقالها مرة أثناء حرب فلسطين حينما أصبح اسمها على كل لسان كجاسوسة يهودية فأعطى أوامره بعدم اعتقالها أو التعرض لها، ومرة أُخرى حينما طلب استبعادها من تحقيقات قضية (صالح العوضي)!
امرأة بهذه الخطورة هل يُمكن تجنيدها في لعبة التخابر؟! العجيب أن كونها جاسوسة عبارة خرجت من القصر الملكي وعلل بها فاروق لماذا تركها؟! وكانت تتردد على ألسنة عامة الشعب وقيل أنها جاسوسة إسرائيلية وأنها كانت وراء أزمة السلام الفاسد وفلسطين وأن اسمها ضمن من اتهموا في هذه القضية (8).

«ومما يُروى في هذا الشأن أنها رفضت إقامة علاقة مع صحافي كبير بهره جمالها (ك. ش) ولكي ينتقم منها أطلق عليها شائعة أنها جاسوسة يهودية تعمل لحساب الحركة الصهيونية ضد العرب، وكان كل شيء مُهيئًا لقبول مثل هذه الفكرة، فوالدها يهودي وهي لا تعرف العربية إلا طشاش!! ومتى أثناء حرب فلسطين 48 والكل يعرف أنها عشيقة للملك!» (9).

أما د. محمود متولي أستاذ التاريخ فهو مع الرأي الذي يرى أنها جاسوسة وأن ذلك وراء اغتيالها بهذه الطريقة وأنها تعمل لحساب الوكالة اليهودية في تل أبيب وأنه ضبط معها أثناء سفرها فيلم يحوي مناظر أُخذت من أحياء شعبية تصور البؤس والمرض والجهل الذي تُعاني منه أحياء القاهرة!! وأنها لم تكن جاسوسة عادية، بل أنها أيضًا عضوة في شبكة للٌإساءة إلى مصر عن طريق إظهارها بشكل غير لائق!! (10).




مؤلف وكاتب مصري له العديد من المؤلفات 

------

المراجع



(1) فنانات في الشارع السياسي: حنفي المحلاوي – مكتبة الدار العربية للكتاب – 1996.
(2) عشيقات المشاهير ص 65 حتى 68.
(3) الرواية محل شك في نظرنا لما أوردناه من صعوبات الزواج وأن فاروق كان يجد نفسه مع الأميرة (فاطمة طوسون) الأمر الذي شكل خوف عند الملكة «فريدة».
(4) سمير فراج – فاروق وكاميليا – مرجع سابق – ص 230 وما بعدها.
(5) فاروق وكاميليا – مصدر سابق ص 279.
(6) المرأة التي هزت عرش مصر ص 213.
(7) قرر الأستاذ حسن السمرا مدير العلاقات العامة في شركة طيران (تي – دبليو – آي) التي كانت كاميليا قد استقلت طائرتها ومتت فيها محترقة أنه أمكن التعرف على جثتها من حلية ذهبية كانت تحمل الحرفين الأولين من اسمها (L.K) ليلان كوهين وأنها ركبت باسم (ليلى كوستانتينو) على متن الطائرة!!
(8) تبين فيما بعد من بحث لـ د. عبد الوهاب بكر (أستاذ التاريخ بجامعة مع الزقازيق) في بحثه لنيل الأستاذية والذي عنوان (أسطورة قضية الأسلحة الفاسدة) وما كتبه فيما بعد المؤرخ د. يونان لبيب رزق وكتاب صدر لـ د. عبد المنعم الجميعي: أن الأسلحة الفاسدة أُسطورة وهمية وقضية فشنك ومجرد زوبعة أثارها الضباط الأحرار للتشهير بالملك، وأن هذه الأسلحة لم تُستخدم أصلًا في حرب 48 وأن عبد الناصر قد برأ كل المُتهمين في هذه القضية!!
(9) سمير فراج – فاروق وكاميليا (قصة غرام هدد عرش مصر) – دار الهدى – 1996 – ص 304 وما بعدها.
(10) المصدر السابق نفسه – ص 300 وما بعدها.

اضف تعليق

أحدث أقدم