الصحافة والثورة “نكتة السلطة الرابعة” بقلم أشرف مصطفى توفيق
الصحافة والثورة

أشرف مصطفى توفيق يكتب عن:
“نكتة السلطة الرابعة” وحديث عن صاحبة الجلالة وكيف زال عرشها على يد الضباط الأحرار
“تسابقت القوى الأجنبية على مقدرات مصر مع الحرب العالمية الثانية ولم تكن دار المقطم بعيدة عن مخططات بريطانيا،ولا كانت الأهرام بعيدة عن أحلام فرنسا وعند رجوع الجيش من حرب فلسطين 48 كان عبد الناصر قد أيقن أن الأصلاح يحب أن يكون من الداخل،وأن الصحافة يجب أن تكون ضمن اولويات الإصلاح ” محمد حسنين هيكل – بين السياسة والصحافة
عبد الناصر والصحافة
هناك علامات استفهام على أوضاع الصحافة لم تكن مرضية ولم تكن بعيدة عن عيون جمال عبد الناصر
فحنق عبد الناصر على مدرسة (أخبار اليوم) فهو يراها تسير على نهج الصحافة الأمريكية فى الإثارة وفضح الحياة الخاصة
ولم يستوعب ناصر مايقوم به مصطفى أمين بين الوفد والقصر، وكيف كان يحسب على حاشية (محمد حسنين باشا) بالقصر الملكى؟!
إذ لم يتصور ناصر بالطبع كيف سافر “التابعى”مع الأسرة الملكية فى رحلة بحرية لأوربا، لعدة أشهر،دفعت تكاليفها الملكة نازلى؟!
ولم يتردد عبد الناصر في التعبير عن عدم الرضى عن الصحافة،منذ الساعات الأولى للثورة وسيطر بسبب هذه الشجون والشكوك “الضباط الاحرار” على الصحافة بالتأميم والتنظيم وبأنفسهم..
فقد عمل بالصحافة من الضباط عددا جاوز صوابع اليدين والرجلين معا منهم:
السادات وخالد محيى الدين، وثروت عكاشة، ويوسف السباعى وغيرهم،
وأشرف على الصحافة ضباط بالجيش بضعف هذا العدد؟! لقد مرت البيادة ودقت شارع الصحافة بقوة ورصدت تلك الظاهرة روايات:
(الرجل الذى فقد ظله) و(زينب والعرش) و(دموع صاحبة الجلالة)
ويعترف هيكل :
(إنه منذ أول يوم في الثورة لم يكن جمال عبدالناصر راضيا عن الظروف المحيطة بملكية الصحافة في مصر كان يعتقد ان (آل زيدان)أصحاب دار الهلال و(آل تقلا) أصحاب الأهرام و(آل نمر) أصحاب المقطم قد أدوا دورهم في مرحلة معينة في تاريخ مصر وكانت له تجربة مزعجة مع (آل أبو الفتح) أصحاب (المصري) كما أن علامة استفهام ظلت أمامه طوال الوقت على (آل أمين) أصحاب (أخبار اليوم).
وأصبح واضحا بعد أحداث مارس 1954 أن مجلس قيادة الثورة والعسكريين سيظلون بالحكم ولن يعودوا إلى ثكناتهم على الأقل حتى إنتهاء فترة الانتقال.
والتى حددت ب 3سنوات،وأن الأحكام العرفية ومن بينها الرقابة على الصحف ستظل قائمة بحد أدنى حتى يناير 56
وبدأت تشريعات جديدة تقيد الصحافة، ففي 8 مايو1954 صدر مشروع للصحافة، وفيه جاءت ضربة كبرى لأصحاب الصحف، فنص على:
(تؤلف نقابة الصحفيين من المحررين وحدهم، الصحفيون الحاليون من غير أصحاب الصحف وعليهم أن يتقدموا إلى لجنة الجدول لإعادة قيد أسمائهم وحرمان آى صحفى صدر ضده حكم جنائى أو حكم ماس بالشرف أو بكرامة المهنة،من القيد بجداول المشتغليين بالصحافة)
ولم تعجب الصحافة الحزبية الضباط الأحرار، ورأت الثورة أنها تعبر عن الإقطاع والبشوات، ومصالح خاصة
وكان الحل إستصدار مرسوم بقانون رقم 179 لسنة 1952 لمنح الاحزاب مهلة شهر لتعيد تكوين نفسها
ولما وجدوا أن المرسوم لم يجدِ وليس له صدى أصدروا إعلانا دستوريا بحل جميع الأحزاب ووقف صحفها الحزبية،!!
ويستطرد هيكل :
قبل اكتمال العام الأول لثورة 23 يوليو 1952 «كانت هناك أشياء ملفتة للانتباه فى العلاقة بين الصحافة والثورة فقد صدر قرار وزارى فى 26 مايو 1953بتوقيف (42) صحيفة بحجة عدم انتظامها فى الصدور فى المدة (من10/ 1953 إلى3/1954) منها :
الأساس، المقطم،البلاغ الثقافة، الدستور، السياسة، نشرة وكالة الأنباء العربية، الجريدة المسائية، الرسالة،
الحوادث، الأحوال، الخبر ،المساء، الرياضة ، الوادى ، دليل الشرق، الشيخ، صوت الشعب، الناس، الرأى الحر، البورصة)»
وفكرت حركة الجيش أن يكون لها صحافتها وعرض عبد الناصر على “هيكل” أن يتولى الأمر و
اعتذر هيكل، واعتبرها خطوة إستباقية فالصحافة القائمة لم تعادى أو تعارض الثورة،بل أنها فرحه بها، ومؤيدة لها
وكان وقتها هيكل رئيس تحرير لمجلة “آخر ساعة”.
فأصدرت إدارة الشئون العامة للقوات المسلحة، مجلة (التحرير) فى16سبتمبر53 وعهد بها ناصر لأحمد حمروش أحد الضباط الاحرار وكان له توجه شيوعى
فاتفق مع عبد الرحمن الشرقاوى، وحسن فؤاد وصلاح حافظ، ويوسف ادريس على الكتابة فيها.
وبلغ توزيع العدد الأول 100 آلف نسخة ورغم النجاح أبعد عبد الناصر حمروش عن رئاسة التحرير- بعد العدد الثانى- بدعوى أن المجلة تسير فى اتجاه شيوعى
وعين بدلا منه ثروت عكاشة وقال له عبد الناصر: حمروش عمل لنا نشرة شيوعية عاوز صحافة ثورة؟!
واستمر بالمجلة عكاشة من العدد: 3 حتى العدد 30
ولكن طوال الوقت كانت هناك مشاكل،فمثلا طلب”محمد فؤاد جلال” وزير الإرشاد القومى إعادة النظر فى هيئة تحرير المجلة لكونها شيوعية وأصر ثروت عكاشة على إنهم وطنيين، وشرفاء، وأنه هو مسئول أن لايجنح أحد فيما يكتب للماركسية.
وتصيد الوزير”محمد فؤاد جلال” لعبد الرحمن الشرقاوى عند نشره قصة عنوانها “الشاويش عبد الله” وادعى تعرضها للواء”محمد نجيب” لأنها تدور فى السودان،وتصف أحواله
وكان محمد نجيب له أصول سودانية فصدر الأمر باعتقال الشرقاوى!! ولولا العلاقة المميزة بين عكاشة واللواء نجيب ماكان هناك إلغاء للأمر!!
ونجحت المجلة ..
فهى مجلة الثورة وسارع بالكتابة فيها عبد الرحمن عزام وطه حسين ويوسف السباعى وفكرى أباظة ومصطفى محمود
بل كتب فيها رجال الثورة أنفسهم (عبد الناصر- وخالد محيى الدين- وصلاح سالم)
وكتب “طه حسين” مقال بمجلة (التحرير) قال فيه:
(ماقام به الاحرار ثورة وليس حركة، ولا انتفاضة، فلم يكن الأمر إنقلابا ضد الملك، بل ثورة شاملة كالثورة الفرنسية فى يدها كود وخطة تنفيذية له)
وكتب أيضا :(أنا لا أخجل من أن أسميها ثورة لأنها بالفعل ثورة على أوضاع ظالمة وتحمل كل مبررات الثورة).
واستراح الضباط وراجت مقولة “ثورة 23 يوليو” ونسيت ونسينا تسمية الحركة، والحركة المباركة
أما عبارة (إنقلاب) فقد هوجمت بعد قيام الثورة ب48 ساعة، واعتبر من يقولها من فلول العهد البائد “يقصد الملكية”
عبد الناصر وتطهير الصحافة
وتطورت الأمور بعد ذلك بإثارة عبد الناصر قضية تطهير الصحافة ونظرا للغمز واللمز على صحف أخبار اليوم
نشر محمد التابعى فى أخبار اليوم مقالا يدعو فيه لتشكيل لجنة لتطهير الصحف والصحفيين بأعمال قانون “من إين لك هذا”؟
ونشر هيكل فى “آخر ساعة” مطالبا نقابة الصحفيين بإيقاف المصروفات السرية ونشر كشوف المصروفات السرية فى العهد الملكى!
ووجه صلاح سالم “وزير الارشاد” وقتها كلمة من الإذاعة قال فيها :
(هناك من باعوا أقلامهم فى الماضى وهم يعرفون أنفسهم،وحركة الجيش لا تريد أن تشهر بهم، ولكننا مستعدون لتقديم كل مالدينا من معلومات لنقابة الصحفيين..)
ولما لم تتحرك النقابة، أجتمع صلاح سالم بمجلس قيادة الثورة، متصديا لقضية “تطهير الصحافة”، وقدم مايفيد أن نصف اعضاء نقابة الصحافة والبالغ عددهم اثنى عشر تقاضوا مصروفات سرية ومتورطين
وصدر قرار بحل مجلس النقابة وتشكيل لجنة تدير النقابة من :
(فكرى أباظة، ووكيل وزير الإرشاد،ومحام عام، والمدير المالى لحسابات الحكومة) وفى24مايو1960 أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قانون تأميم الصحافة رقم 156لسنة60 م
وانتقلت ملكية الصحف إلى الحكومة المصرية وأصبحت هي التي تعين رؤساء التحرير وهى التي تقيلهم من خلال النص على تبعية الصحافة للاتحاد القومي
واشترط القانون سواء لإصدار الصحف أو للعمل بالصحافة الحصول على ترخيص من الاتحاد القومي.
وقرر القانون أيلولة ملكية الصحف وجميع ممتلكاتها للاتحاد القومي وينقل إليه ما لأصحابها وفقا لأحكام القانون
وفى شهادة لحلمى سلام الذى كان رئيسا لتحرير مجلة الإذاعة «1956 -1962» عن الأسباب التى دعت لتأمين الصحافة :
أن الثورة كانت تصدر مجلة «بناء الوطن» كان رئيس تحريرها «أمين شاكر» مدير مكتب جمال عبد الناصر وكانت تطبع فى دار الهلال
وتراكمت عليها ديون الطبع حتى وصلت إلى عشرة آلاف جنيه، وفجأة أصدر أميل زيدان أحد أصحاب «دار الهلال» بعدم طباعتها إلا بعد تسديد الديون
وطبق هذا على العدد الجديد ونقل«شاكر» هذا الأمر إلى «عبدالناصر»فاعتبر أن هذا تحدٍّ للنظام والثورة. فكان التفكير فى التأميم بجدية
اما إحسان عبد القدوس فيقول:
«فى إبريل 1958ماتت أمى، وتصدعت أحلامى وأحسست تماما بأننى منهار، وبدأت أفكر فى تأميم الصحافة كعملية إنقاذ لدار روز اليوسف، وخصوصًا أن هذا الحل كان لا يمكن تنفيذه فى حياة أمى..
كان لا يمكن أن تترك المجلة أبدًا للحكومة فلقد كانت المجلة أسرتها ومنزلها.. وكنت كلما كتبت قصة أبيعها للحكومة وأضم ثمنها فى روز اليوسف
ثم أسست شركة بينى وبين أختى وزوجها كى نبنى دارا للطباعة، وكل هذا ولا فائدة، وكتبت مقالا قلت فيه:
لماذا لا تؤمم الصحافة؟.. وقد أممنا كل شىء تقريبًا، ولجأت إلى هذا بعد أن أرهقتنى ديون المجلة والرقابة أيضًا
يضيف إحسان :
«قلت أيضًا فى المقال: إن الصحافة حين تؤمم تصبح تابعة للحزب الحاكم وهو الاتحاد الاشتراكى، ويؤكد: «قرأ عبد الناصر المقال فى إبريل1960، وأخذ منه أربعة سطور بالنص، وأصدر بها قانون تنظيم الصحافة
واتصل بى “عبدالقادر حاتم” وكان على علاقة صداقة بى، وقال:
(الرئيس أخذ من مقالك وأمم الصحافة وأنت هتكون رئيس إدارة روزاليوسف، وكنت رئيس مجلس الإدارة الوحيد الذى عين من أصحاب الصحف التى دخلت فى قرار التأميم)
ويقول: وأنا أعتبر أن روزاليوسف لولا التأميم كانت أفلست”
فتأميم الصحف المصرية كان حدثا فارقا فى مسار الصحافة لعقود طويلة فصحافة ما قبل التأميم تختلف اختلافا جوهريا عن صحافة ما بعد التأميم
وحكاية أخرى طريفة عن ما دفع الرئيس جمال عبد الناصر للتفكير فى إخضاع الصحف للرقابة الحكومية كما فعل فى العديد من الجهات الأخرى
سردها الكاتب الصحفى محمد توفيق على صفحات كتابه “الملك والكتابة”
كانت بطلتها حسناء تدعى “تاتا زكى” بدأت الحكاية بمانشيت باللون الأحمر تصدر الصفحة الأولى من جريدة أخبار اليوم ذات صباح يقول..”اختفاء أجمل سيدة فى مصر”
وجاء فى التفاصيل:
أن سيدة أرستقراطية تدعى “تاتا زكى” متزوجة من محام كبير وشهير، لكنها لم تعد ترغب فى أن تكمل حياتها معه، وصارت تضيق به، وتركت له البيت
وأحبت رجلا آخر من العائلة المالكة السابقة وتريد أن تتزوجه وتعيش معه، لكن زوجها المحامى الشهير يرفض أن يطلقها.
وحاولت “تاتا زكى” بكل الطرق أن تنفصل عنه؛ لكن الزوج المخدوع تجاهلها. فذهبت إلى دار أخبار اليوم والتقت “مصطفى أمين” فجعلها حديث الناس بطول مصر وعرضها
وانصرف الناس عن كل ما يجرى من إنجازات فى البلد وتابعوا وتتبعوا قصة “تاتا زكى”
فغضب الرئيس “جمال عبد الناصر” وشن حملة ضد صحف الإثارة التى تلهى الجماهير عن القضايا الكبرى، وكان المقصود بذلك صحف أخبار اليوم، التى شغلت الرأى العام بقضية “تاتا” التى تهافت عليها القراء يوم بيوم لمعرفة سبب اختفائها وما ستفعله
ووصف عبد الناصر فى خطابه بمناسبة الاحتفال بالثورة، بعد هجوم عنيف على صحافة الإثارة بأنها صحافة تقدم صورة بعيدة كل البعد عن مجتمعنا الاشتراكى الجديد.
وزعقت الأصوات فى الاتحاد القومى للمطالبة بأن يكون للإتحاد دوره الايجابى فى توجيه الصحف وبدأ التمهيد من كبار الصحفيين لصدور قرار تأميم الصحف.
فكان أولهم محمد حسنين هيكل الذى كتب مقالا انتقد فيه الصحف المصرية وشن هجوم عليها حيث قال:
“إن الصحافة المصرية لم تستطع أن تتخلص من كونها صحافة شخصية، تعبر عن الرأى الخاص لأصحابها ومحرريها، وانحازت لحساب المرفهين وفشلت فى التعبير عن الرأى العام لمجتمع بأكمله على اختلاف طبقاته”.
كذلك تبعه فتحى غانم بمقال على صفحات روزاليوسف , أكد فيه حق الدولة فى التدخل لتوجيه حرية الرأي.
ودعا إحسان عبد القدوس رئيس تحرير روز اليوسف فى تلك الفترة إلى ضرورة أن تنظم الصحف فى إطار الإتحاد القومى لأنها تعد أداه من أدواته.
مصر هي كفر البطيخ
واجتمع عبد الناصر بالصحفيين بعد إعلان التأميم في 28 مايو وقال لهم:
“لم يقصد بالقرار صحفا بعينها، وليس هدفنا أن نغتصب مباني من خمسة أو أحد عشر طابقا، لكن لأننا لابد أن نبني مجتمعا اشتراكيا متحررا من الاستغلال
وأن المجتمع الذي نود بناءه ليس مجتمع القاهرة ولامجتمع النادي الأهلي ولا نادي الزمالك ولا الجزيرة ولا سهرات الليل”
“مش هي دي بلدنا، بلدنا مهياش أبدا فلانة اتجوزت وفلانة اتطلقت ومصر ليست المطلقات في نادي الجزيرة.. مصر هي كفر البطيخ “.
ووجه عبد الناصر كلامه بحدة إلى الصحفيين قائلا:
“أنتم كصحافة مجندون لخدمة البلد مش لخدمة ناس أبدا، واللي مش مؤمن بالمجتمع الاشتراكي التعاوني يقدر يقول أنا غير مؤمن،ويروح يقعد في بيته”
وأضاف بأنه لايقبل أبدا أن تباع الصحف بأخبار الدعارة،كما هاجم مجلة صباح الخير لنشرها رسوما كاريكاتيرية وصفها بالجنسية للرسام حجازي
كما هاجم النكت والتعليقات الساخرة التي يظهر فيها الزوج مخدوعا والزوجة تخبئ رجلا في الدولاب
“وأظهرت الاغلبية من الكتاب والصحفيين النأييد والترحيب حتى أن أصحاب الصحف أنفسهم ومؤسسيها هم من أعلنوا فرحتهم بالقانون الذي اعتبروه خطوة لتنظيم الصحافة؟!
وعند نشر قانون الصحافة لم يكن إحسان بمصر فتحدث لزوجته تليفونيا من الخارج ليقول لها :
مبروك تنظيم الصحافة!!

وقيل وقتها أنه يعلم أن تليفون بيته مراقب؟ وقيل نافق القرار!
وقال موسى صبرى أن هذا نفاقا ممقوتا،
ويقول بكل أسف وقع فيه كبار الصحفيين، فمحمد التابعى رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم سلم مكتبه ليجلس عليه أمين شاكر “أحد الضباط الاحرار”
ويعرب عن هذا بمقال أنه شرف عظيم!!
وكتب هيكل عدة مقالات عن القانون الجديد روج فيها لمناسبة القانون لمجتمع يتحول للاشتراكية,وحيث تكون أدوات الانتاج وأدوات التأثير والتعبير في يد قوة واحدة,وحيث تكون وسائل التعبير مرآة عاكسة لهذه لقوة .
ولكن ما جرى فيما بعد وضع قانون تأميم الصحافة في مأزق .
لقد ذهبت الاشتراكية واقتصاديات الدولة المركزية إلى غير رجعة وعاد القطاع الخاص ليسترد مواقعه الاقتصادية
وفي الوقت نفسه ظلت السلطة محتفظة بأدوات التأثير والتغيير والتعبير في يدها, وهو صورة صارخة من عدم التجانس, أن تكون حرية في السوق ومركزية في الاعلام وقد خيبت التجربة العملية كل التوقعات المتفائلة
فالتنظيم السياسي الاتحاد القومي الذي كان مالكا معنويا للصحافة اختفى بين يوم وليلة بقرار من السلطة التنفيذية
كذلك فإن الصحافة أصبحت خاضعة للسلطة السياسية,تنقل وتعين ما تشاء دون أن تعود للمالك المعنوي “الشعب”
أصبحت الصحافة أداة في يد الرئيس وتابعة له مباشرة, وكأنها أضيفت إليه مع باقي السلطات والصلاحيات
ولوكان هناك مبررات صاغها الحلم الناصري وراء ذلك فإن ما جرى فيما بعد أجهض الصحافة وتركها كائنا مشوها,ولا يزال
وهو ما يجعلنا نسخر من عبارة (السلطة الرابعة) التي تطلق عادة على الصحافة بل اننا بصريح العبارة نصرخ:
(ان الصحافة لا يمكن أن تكون سلطة رابعة لان الفقه الدستوري في الدنيا لا يعرف غير سلطات ثلاث:
التنفيذية والتشريعية والقضائية
إن السلطات لا تخترع من الهواء وإنما هي وليدة تطورات تاريخية واجتماعية وسياسية مشهودة ومؤكدة فكيف يمكن أن تكون الصحافة سلطة رابعة إذا كانت مملوكة لجهاز تعينه السلطة التنفيذية؟
كيف يمكن أن تكون الصحافة سلطة رابعة في أي بلد من بلدان العالم الثالث كله وهذه البلدان باستثناءات قليلة لا تعرف غير سلطة فعلية واحدة سلطة أولى واحدة..
وإذا كان موضع شك أن تكون هناك ـ بعد السلطة الواحدة الأولى ـ سلطة ثانية وثالثة فكيف يكون هناك مجال لسلطة رابعة؟