يارا بوفي تقدم لنا نصا مسرحيا من تأليفها يصور لنا معاناة الشعب العربي الفلسطيني .
الكاتبة يارا بوفي |
النّص المسرحيّ : السّلام
تأليف الكاتبة : يارا بوفي .
______________________________________
إهداء من الكاتبة :
أطفالي الأحبّة ..
أنتم زهرُ الرّوض و زهو العمر ..
أنتم مَن تُشرقُ شمس الدُّنيا من عيونهم ..
أنتم مَن تغفو المُنى و الأحلامُ على جفونهم ..
أنتم مَن تُلوَّنُ صفحاتُ الحياة بريَشهم ..
أنتم مَن يتروكون للأمل من أثرٍ ببصماتهم ..
أنتم مَن يُصنعُ المستقبل بخطوةٍ من أقلامهم ..
أنتم جنود الملائكة الّتي تُشيَّدُ الصّروح بسواعدهم ..
صغاري ، أتمنّى لكم ربيعاً مُشرقاً تبتسمُ فيه الوجوه و تُهلّلُ فيه السّنابل و تتراقُص فيه الفراشات على وقعِ خطواتكم الصّغيرة .
أُحبُّكم .
يارا .
_________________________________
تبدأ الحكاية بحديث ستّة أطفالٍ أثناء عودتهم من المدرسة - يُكلِّلُهم اثنا عشر ربيعاً من عمر الزّهور و هم ملك / زين / نور / حسن / سما / كرم - عن الأخبار الّتي قد شاهدوها البارحة على قنوات التّلفاز وِسط زحامِ اشتداد المعركة و الحرب بين فلسطين العربيّة وإسرائيل عام ٢٠٢٣م ، و بالأخصّ بكونِ هذا العام الأكثر دموية على الإطلاق لكِلا البلدين ممّا قد تسبّبه من خساراتٍ فادحة في الأرواح البشريّة .
يتّجه الأطفال بكلِّ استياءٍ و حزنٍ إلى سالم قاضي المحكمة الكبير في السّن ، متقدّمين بشكاويهم إليه عن حال هذا الدّمار الّذي يحلُّ العالم .
فيبدأ كُلٌّ بالتكلُّم عمّا أثارته في نفسه مشاهدُ الدّماء والدّمار ، مُطالبين بالسّلام و العدل لكافّة الأوطان .
_________________________________
المشهد الأوّل ( حديث الأطفال )
يفتح الستار على ستة أطفال في طريق العودة من المدرسة ، يمشي كُلٌّ منهم متثاقلاً و مُنهمكاً في التّفكير يركلُ حصى الطّريق من السّؤم .
_ ملك : ما بكم يا أصدقاء ؟
_ زين : نحن نشعرُ بالحزن ، ألم تُشاهدي الأخبار البارحة ؟
_ حسن : نعم ، فقد كان شيئاً مؤسفاً و مؤلماً حقّاً .
_ ملك : بلا ، شاهدتُها و حزِنتُ كثيراً أيضاً .
_ نور : يا للأطفال المساكين ، أهكذا حقّاً تموتُ الملائكة !
_ كرم : أمرٌ مؤسفٌ للغاية و مؤلمٌ أيضاً ، هنيئاً للسّماء بمثل هذه الملائكة .
_ سما : كم لكِ من آهٍ تتنهّدُ في قلوبنا يا فلسطين .
_ ملك : أصدقائي ، لا بدَّ أنْ نفعل شيئاً ما حيال الأمر ، ليس علينا أنْ نقفَ مكتوفي الأيدي هكذا .
_ كرم : و ماذا يجدرُ علينا أنْ نفعل يا ملك ؟
هل نحملُ السّلاح و نذهبُ للقِتال ؟
_ حسن : لا يا كرم ، بل علينا أنُ نُطالبَ بالعدل .
_ نور : و كيف ذلك ؟
_ سما : لِما لا نذهب إلى المحكمة حيث القاضي سالم؟
_ ملك : فكرةٌ جيّدة يا صديقتي .
_ حسن : هيّا بنا إذاً .
- ستار -
____________________________________
المشهد الثّاني ( طلبُ العدل )
يفتح الستار على قاعة للمحكمة حيث ذهبُ الأطفال السّتّة لرؤية القاضي سالم في المحكمة و تُطرَقُ المطرقة لبدء الجلسة .
_ القاضي سالم : تفضّلوا يا أولادي ، ما هو طلبكم ؟
_ حسن : سيّدي القاضي ، جئنا إليك بطلب العدل والسّلام .
_ القاضي : لمَن ؟
_ ملك : للجميع يا سيدي و نخصُّ بذلك وطننا فلسطين .
_ القاضي : و ما الّذي حلّ بفلسطين ؟
_ زين : سيّدي القاضي ، عندما نُشاهد التّلفاز لا نرى سِوى حروباً و دماراً في كُلِّ مكانٍ في الأرض ، نرى أطفال فلسطين الصِّغار يموتون من الظُّلم و الجوع ، فأين العدلُ يا سيّدي ؟
_ سما : ماتتْ أغصانُ الزّيتون من العطش و يبِسَتْ أكاليلُ الغار و أصبحتْ الدّماء في مياه نهر الأردن تنحتُ من حصى الوادي تماثيلاً .
_ كرم : و هذي الجذور المُتشبّثة بتلك الأرض الخيّرة المُعطاءة قد انتُزِعتْ من مكانها .
_ نور : و سنابلُ القمح يا سيّدي ، سنابلُ القمح قد اعتنقتْها أشواك الاحتلال و خنقتْها !
_ حسن : النّاس باتوا جياعاً بلا مأوىً أو طعامٍ أو شراب ، يفرشون الرُّكام ليلاً ، و يستيقظون على أصواتِ المدافع الّتي ما هي إلّا أنشودةَ الموت في الصّباح .
_ ملك : حتّى برامجُ الأطفال لا تبثُّ إلّا مشاهدَ العُنف و الرُّعب ، أين المحبّة ؟ أين السّلام ؟
_ زين : سيّدي القاضي ، كُلُّ شيءٍ أصبح ضارّاً و مؤلماً و خانقاً إلى حدّ الهلال ، كُلُّ شيءٍ أصبح ملوّثاً و خطِراً .
_ نور : حتّى الهواء الّذي يستنشقونه .
_ حسن : و الماء .
_ سما : و الطّعام .
_ كرم : أنقذوهم من الدّمار و الهلاك !
_ ملك : من حقِّ الجميع أنْ يعيش في خيرٍ و سلام !
_ زين : من حقِّ أطفال العالم أنْ يعيشوا سعداء بفرحٍ و أمان .
_ نور : نُطالبُ بالسّلام و العدل يا سيّدي ، لا للظُّلم و الحرمان .
- ستار -
__________________________________
المشهد الثّالث ( نقاش المحكمة )
يفتح الستار على قاعة المحكمة .. يأخذُ القاضي دقيقةَ صمتٍ ثمّ يقوم بسؤال الجمهور في المحكمة عن رأيهم بخصوص ما قد سمعوه من الأطفال السّتّة .
_ القاضي : ما رأيكم أنتم بما قد سمعتُموه للتوّ ؟
_ الجمهور : ليحيا العدل ! نريدُ العدل !
_ أحدهم من الجمهور : كُلَّ صباحٍ على الظّلامِ تُفتَحُ عيوننا ..
_ الثّاني من الجمهور : و بالدّموع تغتَسِلُ وجوهنا ..
_ الثّالث منهم : بسوادِ اللّيل تتكحّلُ جفوفننا ..
_ الرّابع منهم : و على السُّمِّ ترتوي نفوسنا ..
_ نور : مَن يسمعُ منّا صوتَ نِدائِنا ؟ ..
_ ملك : صوتٌ قتله الظّلمُ في حناجرنا ..
_ زين : على دُوِيِّ البنادقِ تَسْكُنُ أجسادنا ..
_ كرم : و على نداءِ الحاجةِ تمضي أيّامنا ..
_ سما : ويلٌ لأُمّةٍ تُنقِّبُ في تُرابنا ..
_ حسن : فستندَثِرُ معه في غبرائنا ..
- ستار -
_____________________________________
المشهد الرّابع ( الحُكم النّهائيّ )
يفتح الستار على القاضي في قاعة المحكمة حيث يطرقُ القاضي ثلاث مرّات بمطرقته طالباً الهدوء من الجمهور ثمّ يُصدرُ القرار النّهائيّ بشأن القضيّة المطروحة .
_ القاضي : هدوء من فضلكم ، لقد سمعتُ أقوالكم جميعاً و أنتم على حقّ ، و لا بدَّ أنْ تأخذ العدالة مجراها الصّحيح بشأن هذه القضيّة الّتي توحّدُ إنسانيّتنا جمعاء ، لذلك فأنا أعِدُكم أنْ أضع حدّاً لكلِّ ذلك ، و لكن لا تنسَوا أنّكم مسؤولون أيضاً ، فأنتم أملُ المستقبل و عليكم أنْ تكونوا القدوة منذ الآن ، فماذا ستفعلون ؟
_ الجميع : كلُّنا سنعملُ من أجلِ الأرض و الإنسان .
القاضي : عليكم أنْ تجعلوا من أقلامكم سلاحاً في ميادين الحياة و أنْ تواظبوا على العلم و العمل و زادُكم الفكرُ و الإيمان ، و ها أنا معكم يداً بيد .
ثمّ يطرقُ القاضي ثلاث مرّات و يقول :
_ القاضي : رُفِعَتْ الجلسة .
_ الجميع : سيعودُ النّور ليُشرقَ من جديد و يُرفرف علمُ السِّلم و ستعودُ الحريّة لتتباهى و تفتخر و هي تجرُّ أثوابَ العزّة و الكرامة لتبقى القدس عربيّة .. عربيّة .. عربيّة .
- يسدل الستار -
النّهاية