Header Ads Widget

الناقد والشاعر محمد السيد إسماعيل يكتب: أحمد الشهاوي يزاوج بين المعرفي والتخييلي

 أحمد الشهاوى يزاوج بين المعرفي والتخييلي فى " حجاب الساحر"

الناقد والشاعر الكبير محمد السيد إسماعيل

لم تكن الكتابة النثرية جديدة فى مشروع الشاعر الكبير أحمد الشهاوي فقد دأب منذ بداية التسعينيات على المزاوجة بين النثرى والشعرى بوصفهما تجليين إبداعيين لعالم واحد ظل يتعمق على مدار رحلته الكتابية الثرية.

وذلك هو العالم الصوفى الذى آمن به بوصفه ملاذا روحيا يستطيع أن يتسع لاحتضان قلقه وعذاباته وتطلعاته التى تتجاوز أسر الواقع الضيق.

بهذا الاعتبار لانستطيع أن نقول إنه قد ذهب إلى السرد الروائى مضطرًا أو – كما صرح بذلك – "بحثا عن ذيوع إضافى أو لأن الشعر ضيق (عليه) أو ذهابا ضمن تيار من الشعراء اتجه إلى السرد".

تنوع الأجناس الأدبية إذن سمة أساسية تجمع بين الشعر الذى بدأ بديوان "ركعتان للعشق" والكتابة النثرية فى "كتاب العشق" و"أحوال العاشق" و"الوصايا فى عشق النساءالذى سبب له بعض المشكلات وقت صدوره من أصحاب الرؤى المتزمتة السطحية فى تعاملهم مع مجازات النص الأدبى , الذين كشف الشاعر زيف رؤاهم فى "نواب الله" و"عدماء الدين".

هذه المقدمة ضرورية لفهم عالم روايته "حجاب الساحر" الصادرة حديثا عن الدار المصرية اللبنانية.

فهى رواية تحمل روح الشعر الذى تجلى أسلوبيا فى الصور المجازية الكثيرة وفى استخدام ضمير المتكلم الذى تناوب عليه عمر الحديدى وشمس حمدى وهو – كما نعلم – ضمير غنائى وشعرى فى الأساس 

وانتقال ناصية السرد بين هاتين الشخصيتين يمنح الرواية بعدا حواريا ويعدد الرؤية ويقربها – وهذا أيضا من ملامح الشعرية – من "البوح الذاتى" و"أدب الاعتراف من خلال أسلوب السرد المباشر الذى يستهدف المتلقى دون وسيط سردى آخر مما يجعل الراوى – هنا – راويا تقريبيا .

وبالإضافة إلى هذين البعدين : الشعرى والحوارى .. تحمل الرواية طابع البحث المعرفى ويتجلى ذلك فى الاقتباسات والإحالات إلى العديد من المصادر الصوفية. 

مما جعل حضور النزوع الروحى قويا ولافتا حين يقول – على سبيل المثال – إن "العشق وصل روحى وليس فقط اتصالا جسديا" مغلبا الحب العذرى على الاشتهاء الجسدي.

 فالحب العذرى – كما صرح فى موضع سابق – "تصوف أو طريق إليه" كما أن الحب مقام إلهى لأن المحبة هى أصل جميع المقامات والأحوال 

وهو ماينعكس على رؤيته لفعل الكتابة التى يراها سبب ما يستشعره من بهجة ومسرة ووسيلة للتأمل والنظر نحو مالايراه الآخرون.

فإذا كان الشرح هو رؤية الظاهر فإن التأويل سعى لمعرفة الباطن الذى هو مسعى أهل "الطريق" من المتصوفين الذين هم " سلاطين الوجد " القادرون على "الكشف" والمعرفة الباطنية .

يقول " لن ألجأ إلى الشرح والتفسير فأنا من أهل الكشف والتأويل ".

إن اتساع الرؤية على هذا النحو يجعل من المتاح مزج الماضى بالحاضر, فشمس حمدى تستطيع أن " تعيش ماتبقى من عمرها فى رحاب ربات قديمات يحيين فى غرفتها تتقدمهن سحمت ...التى تلقب بالمنتقبة من المخطئين ويركبن سيارتها الجديدة التى أسهم أبوها الثرى فى شرائها

وإذا كان هذا الشاهد يجمع بين الماضى الفرعونى وحاضر شمس حمدى فإن الكاتب فى مواضع أخرى من الرواية يقوم باستدعاء الماضى عن طريق بعض التيمات الدالة عليه

فحين تهدى "ربة إحدى جواهرها خصوصا الخواتم المحلاة بفصوص من الجواهر الكريمة أو النقوش المحفورة " إلى شمس حمدى تصبح قادرة على " قيادة الشياطين أو الجن والحديث مع الحيوانات والطيور والهداهد منها على وجه التحديد

وهو ما يستدعى معجزات نبى الله سليمان عليه السلام الذى منحه الله القدرة على كل ذلك وحين يتعلم عمر الحديدى منها " أن الإنسان إذا ما أراد إزالة جبل ضخم سيزيله بفضل ثقته فيمن يحب " فإن ذلك يستدعى كرامة الراهب سمعان الخراز الذى استطاع بفضل حبه لله وثقته به أن يحرك جبل المقطم من مكانه .

ويعد الوصف الحسى إحدى وسائل الراوى – عمر الحديدى – لتقديم شمس على نحو ما يظهر فى قوله " نهد شمس كإناء قرب على الامتلاء حيث يرتفع وينهض فى شموخ مما يعد تمهيدا لآلية " التضمين " بوصفه إحدى طرائق استدعاء الماضى حين يستحضر – على سبيل المثال – قول ابن الرومى " نواهد لايعد لهن عيب / سوى منع المحب من العناق".

تجليات "شمس حمدى":

"شمس حمدى" – ليست امرأة واحدة – فيما يرى الراوى – بل نساء عديدات ربما تأثرا بالعقيدة المصرية القديمة "الكل فى واحد" حيث أدمنت "شمس" قراءة كتاب "الخروج إلى النهار" الذى يحوى الحكمة المصرية والمعروف خطأ ب"كتاب الموتى

وهى "امرأة تامة تعجب كل أحد تأخذ بصرك جملة " ومع ذلك فقد أصابها "السحر الأسود" وكانت مهمة عمر الحديدى العمل على علاجها من هذا السحر الذى أتلفها ومن هنا كان اللجوء إلى الأماكن البكر : الواحات ، الصحراء 

وكان الإحساس بلا نهائية الزمن وسيولته التى تشبه كثبانا رملية يمتزج فيها الماضى والحاضر والمعرفى والتخييلى والواقعى والفنتازى .

إن الوقوف أمام شمس فى محاولة لسبر أعماقها من خلال الوصف المطول لها حسيا وروحيا فى أغلب فصول الرواية يرجع أساسا إلى الرؤية الصوفية التى يغلب عليها "تأنيث العالم" مصداقا لقول ابن عربى " المكان الذى لايؤنث لايعول عليه " .

إن عشق " العالم " بما يشتمل عليه من بشر وطيور وحيوانات وجمادات يعد درجة أولى أو مقاما أول للحب "الإلهى".

الاجتماعى والأسطورى فى حياة "شمس حمدى":

والحقيقة أن الرواية تعرض لبعدين من أبعاد هذه الشخصية الثرية ، البعد الاجتماعى حين نعلم أن "شمس حمدى" تنتمى إلى أسرة برجوازية محافظة لكنها تقف ضد طموحاتها فى تحقيق شخصية مستقلة 

لكنها تتغلب على ذلك فتعمل بالسياسة وتنتمى إلى اليسار المصرى ويتم تجنيدها فى تنظيم سرى حتى تكتشف خيانة رفيقها بعد أن أسلمت له نفسها وزواجه من أخرى لمجرد أن أبيها صحفى كبير ثم تقوم بتقنية الاسترجاع لتتذكر تحرش عمها لها فى صباها ومحاولات "غازى الشحات"- لاحظ دلالة الاسم – زوج أختها التحرش بها بعد أن علم بسر زواجها العرفى 

وكثعلب محتال قرر أن تكون شراكته لأبيها فى أحد المصانع كاملة تزوج أختها إلى أن استطاع أخيرا أن يخرج شمس من مصنع أبيها .

أما البعد الثانى فهو يمتاح من كرامات الصوفية التى تقترب من الواقعية السحرية وحدود الفانتازيا وهو ما انعكس على المتن السردى كله الذى سعى إلى كشف دلالات الأرقام والزهور والحلى 

يقول عن زهرة " البشنين " " هى رمز للطهارة والنقاء تلك الزهرة التى تتفتح عند الفجر وتقفل عند الغسق طوال خمسة أيام وعندما يحل يوم الخميس تسقط بتلاتها ليظهر مكانها قرنة خضراء لبنية تنحنى نحو الماء وتلقى بذورها لتبدأ دورة حياة جديدة " هى إذن رمز للخصوبة عند المصريين القدماء 

ومن المهم أن نلاحظ أن السارد قد خلع هذه الصفة على " شمس حمدى " أيضا التى أنجبت ثلاث بنات وضحت فى سبيل رعايتهم بأشياء كثيرة ، وهكذا يصبح الإنسانى والطبيعى متماهيين فيما يشبه وحدة الوجود الصوفية وحين يتوقف أمام التيجان الموشاة بالأحجار الكريمة يرى أنها " تبعث على يث الراحة وطمأنينة القلب " وكما جمعت شمس داخلها بين نساء كثيرات يقدمها – كذلك – بوصفها جامعة لصفات متباينة ففى كثير من الحالات يجدها " مسكينة وقليلة الحيلة " وأحيانا يراها " لاقدرة لها ولا استطاعة فى عمل مايلزم " 

وأحيانا أخرى يراها " ماهرة فى تدبير أمرها والخروج من المآزق بيسر وسهولة " الأمر الذى يجعل شمس حمدى – كما يرسمها عمر حمدى - بعيدة عن نمط الشخصية المسطحة ذات البعد الواحد فكل يوم هى فى شأن جديد متبدلة ومتجاوزة لذواتها القديمة ، هذا البعد الصوفى أو الروحى يتأكد من خلال تضمين الكثير من الآيات القرآنية 

ففى سعى عمر الحديدى فى البحث عن دواء لشمس يستشهد بقوله تعالى " وأن ليس للإنسان إلا ماسعى " وهكذا فى كل موقف تقريبا نجد شاهدا قرآنيا يدعم هذا الموقف كما يوظف لغة التعاويز ويمزج بين الفصحى واللهجة الدارجة فى مواضع قليلة معبرة وتوظيف أقوال المتصوفة 

مثل قول ابن عربى " كل شوق يسكن باللقاء لايعول عليه " واستدعاء بعض العادات الشعبية مثل ضرب النساء على الأوانى النحاسية عند خسوف القمر  .

رحلة داخل الروح والمكان :

تقترب هذه الرواية من نمط روايات الرحلة فبالإضافة إلى الرحلة إلى داخل الذات أو الروح نجد رحلات مكانية عديدة ونكتشف كائنات غريبة داخل تلك الأماكن مما يقربنا من عوالم " ألف ليلة وليلة " خاصة فى زيارته لجزيرة سقطرة اليمنية التى هى " جزيرة مقدسة لاسرقة فيها ولاجريمة ولاأحد يحمل سلاحا " والرحلة إلى الهرم الأكبر والمبيت داخله ليلة والبحيرة المقدسة فى الأقصروالتى يقال إن عمرها ثلاثة آلاف سنة