الدكتور أحمد أبو ستيت يواصل يومياته على صفحاتنا واليوم نلتقي معه في فيلا الدكتور خالد .
يوميات جيولوجى فى فيلا الدكتور خالد.
فى أيام الصيف شديد الحرارة في الصحراء، والذي تقترب فيه درجات الحرارة من نصف درجة الغليان، ولا يطيب معه عيش ولا ينفع معه ثلج ولا خيش، نستيقظ مبكرًا استعدادا للعمل، نتناول فطورنا ونحمل أدوات العمل مولين وجوهنا شطر كسارة الخام الواقعة على بضع كيلومترات من مكان إقامتنا فى الحجرة الخشبية المترامية فى حضن الجبل.
ننتشر جميعًا حول الكسارة، فمنا من يتابع حجم الخام المتساقط منها، ومنا من يحمل جهاز فى يده لقياس رتبة الخام قبل وضعه فى الكسارة، ومنا من يأخذ عينات من الخام لدراستها فى المعامل المختلفة.
نظل لساعات طويلة في العمل في درجات الحرارة المرتفعة التي تكاد تحرق أجسامنا، وسط ضجيج الكسارة الذي يكاد يصم أذننا، والغبار المتناثر حولنا والذي يملأ أنفنا ويغطى وجوهنا وملابسنا، فلا نكاد نعرف بعضنا إلا من خلال إشارات متفق عليها من فريق العمل، فأصواتنا لا تصل إلينا من ضجيج الكسارة.
وعندما يحل وقت الظهيرة، نحتاج لفترة قصيرة من الراحة، فنمسح وجوهنا من الغبار ونذهب إلى "فيلا الدكتور خالد" الواقعة على مسافة قصيرة من الكسارة لنلتقط أنفاسنا ونختلس وقتا قصيرا من الاسترخاء.
الفيلا عبارة عن حجرتين صغيرتين ومطبخ وحمام، مبنية من قطع مختلفة من الطوب الأحمر والحجارة، وأرضيتها مغطاة بقطع من السيراميك والبلاط القديم المختلف الألوان والأحجام، ومسقوفة بألواح من خشب قديم متهالك لا يسر الناظرين. وقد استطاع زميلنا الدكتور خالد الحصول على مواد بنائها من طوب وقطع السيراميك والبلاط والخشب من مخلفات القرى السياحية التى ألقت بمخلفاتها وسط الصحراء بعيدا عن العمران تقليلا لنفقات نقلها إلى مكان مناسب وبطريقة مشروعة، وقام العاملون بالمشروع ببناء الفيلا بسواعدهم المتشققة من قسوة العمل بالصحراء. وقد أطلقنا على هذا المبنى إسم "فيلا" لتميزه عن الحجرة الخشبية التى نقيم فيها.
والمضحك والعجيب أن هذا العمل استثار غيظ وغضب بعض الحاقدين الذين يجلسون فى مكاتب مكيفة ويتناولون مالذ وطاب من الطعام، ويحتسون البارد والساخن من الشراب، ولا يعلمون شيئا عن طبيعة العمل فى الصحراء، فقالوا له كما قال فرعون لموسى "وفعلت فعلتك التى فعلت"، وقاموا بتقديم شكوى ضده يتهمونه ببناء فيلا فى الجبل بدون ترخيص، ولم يكتفوا بهذا، بل ألصقوا به تهمة أخرى وهى إهدار المال العام. ولم لا وهم يعتقدون أن الذى يعمل بالجبل لابد أن يعيش فى خيمة قديمة بين الضباع والحشرات والزواحف السامة فى زمهرير الشتاء وقيظ الصيف، وحتى إذا لسعته إحدى الزواحف السامة وقضى نحبه فلا حق له إلا الدفن فى حفرة فى حضن الجبل.
نجلس وقتا قليلا فى فيلا الدكتور خالد، نتناول كوبا من الشاى الجبلى، وقطعا من البطيخ التى وهبنا إياها العاملون فى مزرعة قريبة من الجبل إشفاقا علينا من قسوة الحر الذى لا يرحم العاملين بالصحراء.
نعود سريعا لمباشرة عملنا حول الكسارة حتى تغرب الشمس، ونعود إلى حجرتنا الخشبية فرحين بما أنجزناه من عمل.