Header Ads Widget

رجال على الأعراف بقلم الدكتور تامر حلمي فتوح

 رجالٌ على الأعراف

الدكتور تامر حلمي فتوح باحث في دار الإفتاء المصرية

يحكي القرآن مناظرات تدور بين أهل النار من ناحية، وأخرى بين أصحاب الجنة وأصحاب النار، فنجد حوارًا يدور بين أمم الكفر من الجن والإنس في جهنم، ولعنِ بعضهم بعضًا

 {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ...} [الأعراف: 38]

 وكأنهم لا يدخلون النار دفعةً واحدة!

وبعد أن نادى كلُّ من يعرف واحدًا من قرابته أو معارفه الآخر {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ...} [الأعراف: 44]

 وبعد أن أذَّن المؤذِّن بينهما أنْ لعنةُ الله على الظالمين- ضُرب بين الفريقين حجاب {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ} [الأعراف: 46]، وهو المفسَّر في آية ثانية {بِسُورٍ لَهُ بَابٌ} [الحديد: 13]

ثم يأتي مشهد آخر بديع، لرجالٍ على الأعراف، يعرفون كلًّا بسيماهم

فمن هم رجال الأعراف؟!

الذي عليه الأكثرون: أن المراد من الأعراف: أعالي ذلك السور المضروب بين الجنة والنار، يُشرِفون منه على أهل الجنة وأهل النار

أما الذين هم على الأعراف فعلى قولين:

أحدهما: أنهم الطبقة العليا من خواص المؤمنين وأهل الثواب.

الثاني: أنهم الطبقة الدنيا السافلة من أهل الثواب، أو ممن استوت حساناتهم وسيئاتهم، فكانوا هاهنا وسطًا بين الفريقين، لا هم من أهل الجنة ولا من أهل النار

فيُوقِفهم الله تعالى على هذه الأعراف لكونها درجة متوسطة بين الجنة وبين النار، ثم يدخلهم الله تعالى الجنة بفضله ورحمته.

فإذا كان لأهل الجنة سيما مميزة ووجوه ضاحكة مستبشرة، ولأهل النار سواد وجوههم وزُرقة عيونهم.. فأي اختصاص لأهل الأعراف بهذه المعرفة؟! 

إذ أن هذه الأحوال محسوسة، فلا يختص بمعرفتها شخص دون آخر.

الجواب: أن المراد بقوله تعالى: {يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ} [الأعراف: 46]: أنهم كانوا يعرفون كلّا بسيماهم في الدنيا؛ الصالحين وأهل الإيمان، والطالحين وأهل الكفر

فيُجلسهم ربنا تعالى على الأعراف -وهي المواضع العالية- ينظرون من علوٍّ على هؤلاء وهؤلاء، فيُصدِّق واقعهم الأخروي نظرتَهم السابقة لهم في الدنيا.

فعلى القول الأول -وأنهم خواص المؤمنين- فقد كانوا بنفوذ بصيرتهم يعرفونهم بسيماهم.

وعلى القول الثاني - وأنهم مَن استوَت حساناتُهم وسيئاتهم - : يكون السبب في معرفتهم للكل بسيماهم، هو نوع مشاركة لهم في الحسنات والسيئات، فالمشاكلة للجنسين جعلتهم يعرفون الاثنين؛ الصالح والطالح؛ فلا يعرفك إلا من هو على شاكلتك أو فيه نوع مشاركة {خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 102]

وبينما ينادون أهل الجنة: {أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} [الأعراف: 46]، ويسلِّمون على أهلها، لا يلتفتون إلى أهل النار، لاحظ بديع النظم القرآني: {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ} [الأعراف: 47]، "صُرِفَت" بالبناء للمفعول، فهم لا يريدون النظر إلى النار وأهل النار لهول هذا المشهد، فيُصرَفون إلى النظر إليهم عن غير رغبة.. تألموا فقالوا: {قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين} [الأعراف: 47].

ومما يؤيد أن معرفة رجال الأعراف لكلا الفريقين بسيماهم كانت في الدنيا قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [الأعراف: 48]، أي: كانوا يعرفونهم بسيماهم {قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الأعراف: 48، 49].

اقرؤوا سورة الأعراف ففيها ما فيها؛ ويكفي الموفَّق الإشارة.

اجعلنا يا ربنا من أصحاب الجنة، الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون.#

تأملات_في_النص_القرآني