نافذة على الغرفات الخاصة ، بقلم ياسمينا عفيفي
ياسمينا عفيفي |
لا شك أن الإعلام بمختلف وسائله محور قوي ضمن محاور بناء المجتمع، ولا شك أنه كان ركيزة أساسية لتشكيل الوعي لدى الفرد في المجتمع. ومن أهم وسائل الإعلام هي "البرامج التلفزيونية" فهي الوسيلة الأقرب لقلب المشاهد والأنسب لتداعيات ظروفه اليومية، والأسهل لانتقاء الأخبار أو المعلومات أو كدليل لخبرات اجتماعية تساعد على اختيار إسلوب أفضل للحياة.
قديمًا كان هذا هو الدور الذي تقدمه البرامج التلفزيونية وفي كل المجالات وعلى كل الأصعدة، فالبرامج الحوارية كانت تعكس مشكلات المجتمع، والبرامج العلمية كانت تغزو خرائط القنوات حتى الترفيهية كانت مجردة تمامًا من التفاهات كانت متنفس خفيف ظريف للمشاهد من زحمة اليوم. باختصار كانت البرامج التلفزيونية نافذة للمشاهد على العالم، ولقد اخترت هذا الوصف لأنني استعرته من أحد البرامج الهامة في فترة الثمانينات وهو برنامج "نافذة على العالم".
اليوم أرى أن كل البرامج التلفزيونية لا تعكس صورة لمُشاهدها بأي حال، فإما برامج تتناول خلافات أسرية خاصة جدًا وتتضمن وصلات من الردح بين طرفي الخلاف، أو تتناول كواليس الجرائم التي ارتكبت مما يتسبب في انتشارها أكثر وأكثر وهذا ما أثبتته الأيام والأحداث. أو برامج تستضيف كل حبيبين حديثي الإرتباط أو الزواج للحديث عن مهارة الزوجة في الطبخ، وعن حلاوة البدايات، وقسوة النهايات وما إلى آخره من حوار لا يهم المشاهد بالمرة.
على سبيل المثال، أشعر بالأسف تجاه برنامج "صاحبة السعادة" للفنانة والمنتجة إسعاد يونس، لتحوله الكبير من برنامج هادف بدأ بتشجيع الإنتاج المصري، وإنعاش المنتج الوطني، وفقرات خفيفة تعيد للأجيال أجمل وأهم ذكرياتها، وأيضًا تشجيع المشروعات الخاصة وأصحابها من مطاعم لمتاجر، إلى برنامج تجلس -مقدمته- مع الضيوف جلسات سمر يتبادلون حوار شخصي بحت.
المُشاهد الذي يعاني احتقانًا اقتصاديًا وأحوال معيشية متردية، واضطراب خارجي لبلاده، ومجازر مؤسفة لأشقائه في غزة، كيف يهتم لتاريخ اعتراف المنتج الشاب بحبه للفنانة الشابة!!! أو كيف تمت خطبتهما!
لا أعلم كيف تصورت الفنانة صاحبة السعادة أن هذا المحتوى الذي تصر أن تقدمه في الفترة الأخيرة، قد يهم المشاهد ويجذب اهتمامه ومتابعته في مثل هذه الأوقات تحديدًا؟
كيف ارتضت حاملة لقب "صاحبة السعادة" أن تتحول فجأة إلى "صاحبة الترند" فقط تبحث عن أوتار الترند لتعزف عليها!، ضاربة بآراء الجماهير عرض الحائط، الجماهير التي أعلنت رفضها لهذا المحتوى مرارًا وتكرارًا وأعربت عن ذلك إما بالسخرية والتهكم اللاذع وإما بالهجوم الحاد الصريح.
ومن الإنصاف أن أؤكد على أن اللوم لا يتوجه للفنانة إسعاد يونس فقط وإن كانت هي الأبرز لأهمية ماكانت تقدمه في السابق، ولكن إعلاميين كثر انحرفوا بقيمة البرامج التلفزيونية وزلزلوا أهميتها وسفهوا محتواها وحولوها من "نافذة على العالم" إلى "نافذة على الغرفات الخاصة".