Header Ads Widget

من المؤمنات بقلم الكاتبة هبة السروي

 "من المؤمنات" أمنا هاجر.

بقلم الكاتبة هبة السروي. 


امرأة يقتفي أثرها الرجال قبل النساء، يسيرون علي نفس خطاها ويسعون في نفس مكانها حبًا وتعظيما وإجلالًا وطواعية ..
هل هذا يعقل ؟!
نعم لأنها صدقت ما عاهدت الله عليه،  وكان عندها حسن ظن ويقين بربها أنه لن يضيعها حتى وإن كانت وحيدة في مكان ليس فيه من البشر أحد!! في صحراء لا زرع فيها و لا ماء!!
وكيف تكون وحيده ومعها ربها؟!
يعلم حالها و لا يخفي عليه سرها.
أخذها زوجها بعدما أنجبت مولودها، الذي طالما انتظره بفارغ الصبر حتي يكون له سندًا وعونًا في شيبته ويحمل معه هموم رسالته، إلي مكان بعيد وصحراء جرداء ليس معها إلا بعض تمرات وقليل من ماء.
كان يمسك بيدها طوال الطريق وينظر إلي الرضيع ولا يعرف كيف سيخبرها بالأمر، ولكنه دخل امتحان الصبر ولابد أن ينجح فيه 
فامتثل لأمر ربه، لأن الله لا يختار ولا يكلف إلا بخير حتي وإن غاب عنه.
اسكنها في هذا المكان البعيد الذي أصبح فيما بعد مهوى القلوب وقبلة المشتاقين
ولكنهما لم يكونا يعلما بعد أن الله اختارهما لكي يضعا حجر الأساس لبيت الله على أرضه.
همَ ابراهيم بالانصراف تاركًا هاجر والرضيع اسماعيل عليهما السلام في هذه الصحراء المقفرة
فاضطرب قلبها وامسكت بثيابه وقد حُبست الدموع في عينيها.
وكأنها تقول له أتتركنا في هذا المكان المقفر؟!
ثم قالت له "آلله أمرك بهذا!"
فقال لها "بلى"
فقالت بعزة وشموخ: "إذن لن يضيعنا الله".
وكان إبراهيم عليه السلام لا يدري ماذا يصنع وكان حائرًا خائفا علي هاجر والرضيع ولكنه يعرف أن الله معهما ولن يضيع من كان في ودائع الرحمن.
 وإن لم يستطيع البقاء معهما، لكنه يملك شئ آخر هو  أقوي أسلحة المؤمن، الدعاء.
فدعا ربه
وقال " رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) سورة إبراهيم
يبدو أن زهرة اللوتس المصرية"هاجر" عليها السلام ، التي نشأت علي ضفاف النيل وعرفت معني النماء والخضرة والوفرة كان لها من اسمها نصيب وكان في مجري قصتها تحول رهيب.
فقد كُتب لها أن تضع أول بذور الحياة في أرض جديدة، و يتفجر ينبوع من الماء تحت قدم رضيعها.
نفذ الماء  والطعام من هاجر وأصبحت لا تدري ماذا تصنع وقد علت صرخات الصغير وهو يتضور جوعًا وعطشًا ، ولكنها لن تقف مكتوفة الأيدي هكذا لابد أنه يوجد ماء في مكان قريب من هنا!
رأت جبل الصفا فذهبت إليه لعل أحد هناك ولعلها تجد ما يسد رمق الصغير ثم هبطت إلي الوادي حتي تكون عينها علي الصغير ثم صعدت إلي المروة وظلت هكذا ذهبًا وإيابا بين الجبلين حتي أتمت سبع أشواط وعند المروة سمعت صوت فقالت: "أغث بالخير"
فإذا جبريل عليه السلام يضرب بجناحه تحت قدم الصغير فينفجر الماء من تحت قدمه، ففرحت فرحا شديدا وظلت تحوط الماء وهي تقول زم زم.
أرادت أن تسقي وليدها فأسقاها الله والصغير وكل من جاء إلى هذا المكان حتى يوم الدين
فعطاء الله دون حدود
فإن تصبروا وتتقوا لن يضيعكم إلهكم.
"هاجر" امرأة بألف رجل، والرجولة صفات.
هاجر امرأة بإيمان راسخ لا تزعزعه الخطوب.
هاجر صدقت ربها فخلد سعيها إلي يوم الدين.
وكل ما فعلته هذه المرأة أصبح تشريعا فلا تستهيني بكونك امرأة.
فقد كانت بداية السعي بامرأة لم تنظر إلى ضعف تكوينها الجسماني، وإلي وحدتها وغربتها لأنها كانت في معية ربها.
وسلام علي الطيبات الطاهرات.
وسلام على أمنا هاجر في الأولين والآخرين .
سلام عليها إلى يوم الدين.