حوار ياسمينا عفيفي
الفنانة مها سمير |
١- بداية حدثيني عن مجمل الفنون التي تجيدينها ومتى بدأت هذه الفنون تشغل حيز من حياتك؟
كل فن تعلمته كان له قصة فى حياتي، ومرتبط فى ذاكرتي بالبلد التي تعلمته فيها أو بالشخصية التي علمتني إياه.
ولكنني اتذكر أن أول شيء تعلمته هو التطريز وتشكيل الطين "الفخار" وكان عمري أربع سنوات، وقد تعلمته في مدرسة بلجيكية فى بوروندي، و وصممت وقتها محفظة مطرزة بالخيوط وعقد وطفاية من الفخار وأهديتهم لوالدي ووالدتي خلال الاحتفال بنهاية العام الدراسي، وكانت الفرحة التي بها والدي ووالدتي الهدية و احتفاظهم بها طوال الوقت جعلني أحب الأشغال الفنية.
- كمان كانت والدتي تحتفظ برسماتي وتعرضها للضيوف وأحيانًا تصنع لها برواز وتعلقها بالحائط
أو تهادي بها أصحابها وأجدهم يزينون بها جدران منازلهم، وكانت دائمًا تطالبني هي وجدتى أن أعزف لهم و للضيوف. كل هذا جعل للفن مكان اساسي في حياتي
وأصبحت أسعى دائمًا لإتقان أي عمل فني أقوم به.
والفنون التي تعلمتها هي الديكوباج والكولاج والكروشيه والخياطة والتطريز والكانفاه والرسم بالأقلام والرسم على الحرير وعلى الزجاج وعلى البورسلين وعلى عجينة السيراميك , والقماش والورق والتشكيل بالطين والإكسسوار والسبح وصناعة الورود والشجر الخرز وشغل الكريستال والموزاييك والعزف على الأورج
والقراءة وإعادة التدوير.
وبعض هذه الفنون تعمقت في دراستها بكل فروعها و تقنياتها.
٢- من خلال معرفتي الشخصية بك أعلم أن لك رؤية للفنون وخاصة الأشغال اليدوية وأريد أن يتعرف القاريء أيضًا على هذه الرؤية.
رؤيتي أن الفن الأشغال اليدوية ليست للرفاهية إنما هي ضرورة أساسية لحياة الانسان؛ لأن فيها غذاء لنفس الفنان وبهجة لنفس من يرى عمله أو يقتنيه.
كما أن الفن يستطيع إيصال أية رسالة بطريقة أبلغ من الحديث وكذلك الأشغال اليدوية تستطيع توصيل شعور أو مفهوم يصعب ترجمته بالكلام. والفن بيعكس روح الفنان و بيئته وثقافته ورؤيته.
والأعمال الفنية والأشغال اليدوية تعد من أصدق التدوينات لتاريخ الشعوب بمراحل تطورها و ثقافاتها وعقائدها
والفن كبصمة اليد؛ فمن المستحيل أن اثنين من الفنانين يخرجوا نفس العمل بنفس الشكل حتى لو كان بنفس الفكرة و نفس الخامات و نفس التقنية. حتى الفنان ذاته من أن مستحيل يكرر نفس العمل بنفس الإخراج لأن كل قطعة تخرج من خلال تأثير مختلف.
وهذا هو الفرق بين الفنان و العامل الذي "ينسخ" العمل
والفن أيضًا يسمو بالروح و يرتقي بها ويجعل الإنسان يرى الجمال حتى في أقبح الأشياء. وفي النهاية وبسبب كل ما سبق أنا أرى أن الفنان مستحيل أن يحارب فنان آخر أو ينتقد عمله أو يحجب معلومة عنه ليحتكرها، بل على العكس يقوم بنشر فنه و معلوماته ويساعد الجميع.
٣- ماهي أهم المعارض الدولية التي تقام لعرض الفنون المختلفة؟
جانب من أعمال الفنانة مها سمير |
أهم معرض فني دولي في مصر هو معرض "تراثنا"، يليه معرض "ديارنا". لكن أصبح حاليًا بعض الفنانين والإعلاميين ينظمون معارض كثيرة في متاحف أو مؤسسات أو نوادى أو فنادق وبعضها يكون لعرض الأعمال للبيع، وبعضها الأخر لإعطاء الجوائز وشهادات التقدير للفنانين.
٤- أعلم أنك تحرصين على المشاركة باستمرار في هذه المعارض فما هي نصائحك لكل الفنانين الذين لم يسبق لهم المشاركة في أية معارض من قبل ويعتزمون المشاركة؟
أنصح كل فنان أن يتابع الأخبار الفنية في المجلات أو على الإنترنت لأن بعضها يقوم بتغطية المعارض؛ إلى جانب متابعة صفحات الفنانين على الفيسبوك
فكل فنان يشارك في معرض يقوم بنشر دعوته الخاصة على صفحته، وتكون كل التفاصيل الخاصة بالمشاركة في الدعوة، من خلالها يستطيع أن يتعرف على القائمين على تلك المعارض ليتواصل معهم ويحصل على المزيد من التفاصيل الخاصة بالمشاركة.
من الأفضل بالطبع أن يحضر تلك المعارض قبل أن يشارك بها لأن بعضهم يتوفر به تغطية إعلامية وبعضهم بكون به ورش مجانية لبعض الفنون، و بعضهم يقدم شهادات بأختام موثقة.
جانب من أعمال الفنانة مها سمير |
٥- للمعارض الفنية أثر حضاري على المجتمع حدثيني عنه من رؤيتك الخاصة.
الفن يصنع الإنسان والإنسان يصنع العلم والعلم يصنع الحضارة
فكلما أولينا الفن اهتمامًا كلما ارتقينا بالمجتمع و نهضنا بالوطن والمعارض الفنية تتيح للزوار الاستمتاع بكل ما هو مبهج للعين ومريح للنفس فى جو يملؤه الصداقة و المحبة بين الفنانين، وتعم الطاقة الإيجابية على الجميع ويرتقي ذوق الجميع في تعاملهم وفي وفي عملهم وفي منازلهم وتربيتهم لأبنائهم وفي كل جوانب حياتهم.
٦- حدثيني أيضًا عن أثر المشاركة بالمعارض الذي يعود على الفنان.
الإنسان لكي يعيش يحتاج لعشر أشياء؛ و التقدير هو رابع هذه الاحتياجات بعد الأمان، والطعام، الإنتماء، وهذه المعارض تمنح التقدير للفنان. فإذا كانت ممارسة الفن متعة للفنان فإن الإحساس بتقدير الناس لعمله "سواء بالشراء أو بالجوائز والشهادات" يشعره بوجوده و إنسانيته و دوره فى الحياة، ويعطيه حافز لمزيد من العمل و الإبداع والتطوير والعطاء.
٧- بعض الفنون يجهلها كثير من الناس كفن الديكوباج والفسيفساء، فما تعليقك وماهي اقتراحاتك لإيصال هذه الفنون العريقة لكافة الجماهير؟
نحن شعب الفن يسري في عروقه لأننا أبناء أعظم حضارة على الأرض، والدولة أقامت ورش لتعليم الفنون بشكل مجاني وأحيانا بمقابل مادي رمزي؛ لكن للأسف لا يوجد دعاية كافية لها، وهناك بعض المتدربين الذين يعملون دعايا لأنفسهم، وهم ليسوا دارسين
وهذا يظلم الفن ويضيع كثير من تفاصيله و تقنياته، و يحوله لمجرد صنعة بالإضافة إلى أنه يظلم الفنانين الدارسين بتعمق للفن. ويبخس أعمالهم العظيمة.
مثلا "الفسيفساء: رغم أنه معروف في مصر ويُدرس إلا أن ممارسة بعض الحرفيين له بإتقان حصرته في شكل واحد ثابت.
مثال أخر "الكروشيه: عالم كبير من التقنيات وغني بالتفاصيل ومجال الابتكار والإبداع فيه لا حصر له، إلا ان كتير من المتدربات يتعلمون تقنية واحدة مع عدة غرز لكسب الرزق البسيط، مما قضى على قيمة هذا الفن البديع. كذلك "الديكوباج:هو فن قديم إلا أنه وصل إلى مصر حديثًا ولا يُدرس في الكليات الفنية
ورغم أنه فن غني بتقنياته ومتنوع إلا أن بعض المتدربات اكتفت بأن تتعلم تقنية واحدة مع إدخال فن أو اتنين عليه لإثراه ثم أصبحت تُعلم هذه التجميعة من الفنون على أن هذا هو فن "الديكوباج"، بل وصل الأمر أن بعض تقنيات الديكوباج أصبحت تُدرس تحت مسميات أخرى و كأنها فن مختلف وهى فى الأصل إحدى تقنيات "الديكوباج" و لها أسماء مختلفة تمامًا عن هذه الأسماء.
كل هذا تسبب في تشتيت للديكوباجيات فى مصر وغاب المعنى والأصل والفكرة مما سمح للبضائع الصينية بالدخول كمنافس لهم رغم أنها بعيدة كل البُعد عن الديكوباج.
والحل من وجهة نظري أن الدولة لا تترك مجال لكل من يدعي أنه مُعلم لفن معين بدون شهادة معتمدة بعد اختبار لمدى معلوماته عن هذا الفن.
٨- هل لديك أية اقتراحات للدولة لتشجيع الفنانين وتوفير بيئة فنية تساعدهم على الاستمرار في تقديم أفضل ما لديهم؟
كما قلت أننا أبناء أعظم حضارة على الأرض والفن يسري فى عروقنا فالإنسان المصري بطبعه فنان، والفنان فى أى دولة يعد ثروة قومية لذلك اقترح الآتى:-
١- الاهتمام بالفنون و الأشغال اليدوية في المدارس حيث تصبح مواد أساسية.
٢-عمل دعاية مكثفة للورش المجانية المدعمة.
٣- توظيف مدربين ومدربات من غير خريجين الكليات الفنية بعد خضوعهم لتدريب وامتحانات للتأكد من مدى علمهم ومعلوماتهم لنشر الكورسات المجانية بشكل واسع جدًا كي تصل لكل شارع فى كل مدينة وقرية فى البلد.
٤- توفير الخامات و السيطرة على أسعارها أو تدعيمها.
٥- عمل معارض دائمة مثل معرض "تراثنا" وأن يكون على كل فنان أن لا يستأجر أكثر من إسبوع فى السنة لإتاحة الفرصة للجميع بالاشتراك.
٦- أن تكون المعارض وبازارات البيع بأسعار معقولة فى متناول ربات المنزل من الفنانات.
٧- عدم اشتراط البطاقة الضريبية للاشتراك فى المعارض والبازارات.
٨- فتح أسواق خارج البلاد.
٩- والأهم من كل ما سبق على كل أم الاهتمام بتعليم أبنائها وتشجيعهم لأي من الأعمال الفنية لتنشيط مراكز الإبداع والعطاء عندهم حتى وإن كانت ميولهم رياضية أو علمية.
اقرأ أيضا : حكاية فن الديكوباج مع مها سمير