ليلة حزينة قصة بقلم / فاطمة حمزة
كان هائمًا بين أزمنة المدينة ودروبها حين شاهد أميرة تحكم إمارة صغيرة تتوسط بين الجنوب والشمال
وأحبها أمير إمارة الشمال ..
أُسرت الأميرة في اعتداء شرس من قوات الجنوب، مما أستدعى الأمير لأن يجهز جيش كبير يخرج هو على رأسه
وفي يوم اشتدت به الريح، ضرب نفير الحرب واستعد الرجال على السفن كلًا بمكانه يحملون السهام والسيوف، مستلةً من الغمدو آخرون يقبضون بأياد قوية على المجاديف، ينتظرون إشارة البدء
فردت الأشرعة على الصواري وجهزت المدافع الأمامية ووجهت السفن ناحية الجنوب لتخليص الأميرة من الأسر.
نثر الأسطول عبر البحر حيث يظهر للعين وكأن البحر أرض ليس بها شبر ماء، جراء اصطفاف سفن الأسطول بجانب بعضها البعض، وبعد كر وفر خرت قوى الجنوب وسقطت المدينة في أيدي قوات الشمال.
استعد الأمير للاحتفال بالنصر، وقد حرر أميرته من الأسر، وكان نائبه يعلم أنه لا يطمع في المدينة، فكل ما أراده هو العودة بحبيبته إلى أرض الوطن.
لم يتوقع الأمير أي حركة غدر من نائبة الذي نبتت في قلبه بذرة طمع، فأصابه بسهم ثم اعتلى منصة القيادة بعد أن أعلن للجنود أن الأمير قتل أثناء المعركة.
خلت طرقات المدينة من أهلها، ولزم الكل داره ولم يتبق بالطرقات إلا جنود تحتفل بالنصر
شربوا الخمر في الساحة الكبيرة وعلا صوت الطبل والزمر
وعند منتصف الليل، نام الجميع وامتلأت الطرقات بالكؤوس الفارغة وانتشر الذباب على وجوه الجنود السكارى تلحس ما حول أفواههم وبقايا القيء على ملابسهم جراء إفراطهم في تناول الخمر، وحل صمت إلا من نحيب الأميرة تبكي الأمير الحبيب بأحضانها طوال الليل.
سمع أهل المدينة بديارهم، صوت بكاء الأميرة وكانت الليلة حزينة، وفي الصباح استيقظ الجنود وفتح الأهالي الأبواب وخرجوا يبحثون عن زاد في المدينة، كسرة خبز تسد جوع بطون الصغار.
التقى الجميع بالساحة، التفوا حول بقعة من الدماء، سالت من جرح الأمير، راحوا ينظرون ذات اليمين وذات الشمال، يمدون النظر بالزوايا والأركان يبحثون عن الأمير والأميرة اللذين ليسوا بمكانهم ولم يرَ أحد أثر لهما غير تلك البقعة من الدماء متجلطة بمكانها، فلا يوجد حولها ما ينبئ عن أن الفتاة تحركت بالشاب.
جن جنون النائب وأصدر أوامره للجنود بالبحث في كل ركن بالمدينة على الأمير والأميرة إلى أن يتم العثور عليهما أحياء كانوا أو أمواتًا.
مرت أيام وليال والجنود يبحثون في كل مكان وأهل المدينة في فكر دائم، ينسجون بخيالهم القصص، عشرات الحكايات يتناقلونها بينهم ويحكونها للأطفال، يتخيلون أين اختفى الأمير وحبيبته ويتنبؤون بما يكون قد حدث لهما ليلتها
وبعد أسبوعين وكانت الليلة ممطرة، نظروا بالأفق البعيد، ليروا غيمتين تفترشان سماء المدينة، تدمعان.
ظلت العيون متعلقة بالسماء ينظرون إلى الغيمتين اللتين استمرا في البكاء أيام وليالٍ يصاحبهما رياح الحنين كصوتِ نحيبٍ شبيهٍ بنحيب الأميرة، يسري صوته في الليل فيخترق البيوت من بين شقوق جدرانها الطينية وفتحات أبوابها الخشبية، حتى اعتقد أهل المدينة أن الشاب والفتاة تحولان ليلًا إلى غيمتين بالسماء.
كان أمر الغيمتين علامة استفهام كبيرة بعقول أهل المدينة وصار بقلب النائب رعبًا كبيرًا وجلس ينتظر انتقام غيمتين عملاقتين تسبحان بسماء المدينة.
مر أسبوعان وثلاثة، لم تتوقف السحابتان عن البكاء الذي كان في ازدياد، امتلأت البحيرات وفاض النهر وامتد البحر ليبتلع الشواطئ والبيوت، جلس النائب بأعلى قمة في المدينة يبكي غيمتين حتى أخذه الطوفان وغرقت المدينة بأكملها.
انتهت
بقلم / فاطمة حمزة