معجزة جبال الإنديز ، بقلم الإعلامي محمد إبراهيم :
🗓 12 أكتوبر 1972، أوروغواي :
استعد لاعبو فريق "أولد كريستيانز" للرغبي لمباراتهم المُنتظرة في تشيلي.
مُعظم لاعبي الفريق كانوا شبابًا في أوائل العشرينات، كانت تلك هي المرة الأولى التي يسافرون فيها على متن طائرة، اصطحبوا معهم بعض الأصدقاء وحتى الأقارب، وغادرت الرحلة رقم 571 مونتيفديو متجهة إلى سانتياجو.
اضطرت أجواء الطقس السيئة طاقم الطائرة إلى الهبوط في مدينة ميندوزا الأرجنتينية عند سفح جبال الأنديز وفي اليوم التالي أقلعت الطائرة مُجددًا ظنًا من طاقم الرحلة والرُكاب أن الطقس أصبح أفضل مما كان عليه بالأمس.
بعد الإقلاع بفترة قصيرة واجهت الطائرة مطبات هوائية أجبرتها على خفض مستوى ارتفاعها،اصطدمت الطائرة بحافة جبل، وتحطم ذيلها ليُدرك هؤلاء أن رحلتهم الأولى بالطائرة قد تكون الأخيرة.
تعالت أصوات الرُكاب واختلطت الصرخات بالصلوات قبل أن تتحطم الطائرة وتسقط فوق جبال الأنديز المُغطاة بالثلوج.
توفى 11 راكبًا على الفور ثم تبعهم آخرون متأثرين بجروحهم ليُصبح عدد الناجين من الرحلة 29 من أصل 40 راكبًا وطاقم الطائرة المكون من 5 أفراد.
بقي هؤلاء على ارتفاع 4 ألاف متر في درجات حرارة تصل إلى 30 درجة مئوية تحت الصفر، لا يملكون من الطعام سوى القليل ومن خلفهم حُطام الطائرة يستخدمونه كمأوى ضد الثلوج والرياح.
مذياع صغير يصدر منه أصوات غير واضحة كان وسيلتهم الوحيدة لمعرفة ما يحدث خارج مأواهم الكارثي.
رسموا بحُطام الطائرة وبعض الحقائب صليبًا تارة وحرف H “Help” تارة أخرى، على أمل أن تراهم فرق البحث، لكن بلا جدوى.
جسم الطائرة الأبيض لم يكن ليظهر لفرق البحث وهو مُحاط بالثلوج من كُل جانب، صوت المذياع الذي طمأنهم لفترة أنهى على أمالهم للأبد عندما سمعوا من خلاله خبر إلغاء عمليات البحث.
بين ليلة وضحاها أصبحوا أمواتًا للعالم، الطقس يزداد بروده وطعامهم نفد بالكامل.
ظروف قاسية اضطرتهم لاتخاذ قرارًا أشد قسوة ولم يجدوا بُدًا من أكل لحم زملائهم الموتى بعدما حفظتها الثلوج من التعفن والتحلل!
استمرت مأساتهم أيامًا طويلة، وبينما يستعدون لقضاء ليلة أخرى في برد قارص وقع انهيارًا جليديًا دفن جسم الطائرة بالكامل وقتل 8 آخرين ليتقلص عدد الناجين مُجددًا.
أدركوا أن أحدًا لن يأتي لإنقاذهم وأن قصة نجاتهم لن تُكتب إلا بأيديهم فانطلق الثنائي روبرتو كانيسا وناندو بارادو في مهمة مُستحيلة.
صنعا من الحُطام مزلجة ومن المواد المُتاحة حقيبة نوم لرحلتهما الطويلة.
بلا مُعدات تسلق أو ملابس مُناسبة وبأجساد ضعيفة قطعا 70 كيلومترًا عبر جبال الأنديز في 10 أيام بحثًا عن المساعدة.
يوم 18 ديسمبر وبينما كاد اليأس أن يحكم قبضته على أمال الثنائي، ظهر مزارعًا تشيليًا يمتطي حصانًا، قدم لهما الطعام وتواصل مع السلطات ونجحوا في إنقاذ 14 فردًا هُم فقط من نجوا من الكارثة مع بارادو وكانيسا بعد 72 يومًا في جبال الأنديز.
لاحقًا، أصبح كانيسا أحد أشهر أطباء قلب الأطفال في أوروغواي، تجربته المريرة كانت سببًا في تكريس حياته لإنقاذ حياة الآخرين ومنحهم الأمل.
أما بارادو الذي فقد 44 كيلو جرامًا في مهمته المستحيلة احتاج وقتًا للتأقلم على رحيل أخته ووالدته في حادث الطائرة نفسها، قبل أن ينشر كتابه "مُعجزة في الأنديز" الذي يحكي قصتهم الملحمية وصراعهم للبقاء على قيد الحياة.
بقلم محمد إبراهيم