Header Ads Widget

لعنة الفراعنة بين الأسطورة والعلم والثقافة الشعبية

يأبى الفراعنة ألا يغلقوا باب حكاياتهم حتى بعد رحيلهم عن عالمنا .. مازالت آثارهم تجوب العالم , تماثيل ملوكهم مازالت تحمل على الأعناق .
تأبى عظمتهم التي صنعوها من آلاف السنين أن ترحل .. وربما جعلوا من مقابرهم وموتهم لغزاً آخر .. ورواية مرعبة أيضاً ..
فحذارى أن يزعج أحدٌ ما ملوكهم النائمين طويلاً .. وحذارى أن يلمس أحدٌ مقتنياتهم الثمينة  ..
فإن فعلت ذلك , فربما ستلاحقك لعنة غاضبة .. ” لعنة الفراعنة “.
لعنة الفراعنة هي لعنة يزعم البعض وجودها في مقابر المصريين القدماء , وتؤثر على أي شخص يحاول إزعاج مومياء شخص مصري قديم أو أحد الفراعنة .
 
ويزعم كل من صدق بلعنة الفراعنة , أنها ألقيت بالفعل على أشخاص كثيرين أزعجوا مومياوات المصريين القدماء , وخاصة مومياوات ملوك الفراعنة .
ولا تفرّق تلك اللعنة بين غزاة المقابر وبين علماء الآثار , وقيل أنها تسبب سوء الحظ , والمرض , وحتى الموت , ومع ذلك , المؤرخون غير متأكدين ما إذا كانت تلك اللعنات  مجرد حكايات , أم إنها شيئاً حقيقياً .
ومنذ إنتشار أخبار لعنة الفراعنة , تحولت تلك القصص إلى أفلام وروايات رعب كثيرة , فقد أظهرت الأفلام والقصص أن المومياوات المصرية إرتبطت بأمرين , الثروات الثمينة التي تجذب اللصوص والباحثين عن الكنوز , واللعنة السيئة التي تصيب كل من يحاول سرقة كنوز المومياوات , ولكن هوليوود لم تخترع مفهوم ” لعنة الفراعنة ” .
ويرجع تاريخ الأساطير عن ” لعنة الفراعنة ” إلى القرن السابع الميلادي عندما فتح المسلمون مصر , ووقتها أذهلت الآثار المصرية العرب وسحرت عقولهم , ولكنهم لم يتمكنوا من قراءة الكتابة الهيروغليفية .
غير أن بعض علماء المسلمين قد نجحوا في فك بعضاً من رموزها , ولكنهم سمعوا من أهل مصر عن لعنات المومياوات المصرية وأن المصريين القدماء قاموا بتأمين قبورهم بوسائل سحرية تفتك بكل من يزعجها .
فحافظ العرب على المقابر الفرعونية والمومياوات لدرجة أنهم لم يستطيعوا الإقتراب منها .
حظت ” لعنة المومياء ” لأول مرة بشهرة واسعة علمياً بعد إكتشاف مقبرة الملك الشاب ” توت عنخ آمون ” عام 1922 في وادي الملوك بالأقصر في مصر .
فعندما فتح ” هوارد كارتر ” مقبرة الملك توت عنخ آمون , ليجد كنوزاً مخبأة لمدة 3000 سنة , أطلق العنان لشغف عالمي بمصر القديمة وأسرارها اللا منتهية .
تصدرت كنوز” توت عنخ آمون” المتألقة عناوين الصحف في كل مكان , خاصة بعد إفتتاح غرفة الدفن في 16 فبراير 1923 , وكذلك إنتشار التقارير التي تشير إلى الوفاة الغريبة للورد كارنارفون , والذي مات بتسمم الدم وقد كان الممول الرئيسي لرحلات البحث وبعثات إستكشاف مقبرة “توت عنخ آمون” 
 
وفي حين أن لعنة الفراعنة مازالت تفتقر إلى دليل , إلا أن ذلك لم يفقدها القدرة على جذب الجماهير , والتي قد تكون الجماهير هي مصدرها في المقام الأول .
لكن ” سليمة إكرام ” , وهي عالمة مصريات في الجامعة الأمريكية في القاهرة , تعتقد أن مفهوم اللعنة كان موجوداً في مصر القديمة كنظام حماية قديم .
وقد لاحظت سليمة إكرام , أن بعض جدران المصاطب الهرمية في الجيزة وسقارة كانت مكتوبة في الواقع بشكل لعنات تهدف إلى ترويع أولئك الذين يدنسون أو يسرقون مكان الراحة الملكي .
قالت سليمة إكرام ” إنهم يميلون إلى تهديد المدنسين لقدسية المكان بالعقاب الإلهي من قِبل مجلس الآلهة في معتقدات الفراعنة القدماء  أو عقابهم بواسطة الموت بالتماسيح , أو الأسود , أو العقارب , والثعابين ” .

لعنة الملك ” توت عنخ آمون ” 

لعنة الفراعنة,لعنة,مومياء,فرعون,توت عنخ آمون,المصريون القدماء,تابوت,هوارد كارتر
في 29 نوفمبر 1922 , وجد عالم المصريات ” هوارد كارتر ” واللورد كارنارفون ممول البعثة , قبر الملك “توت عنخ آمون” الذي يحرسه على ما يبدو نقش يحمل تهديداً بالهيروغليفية يقول ” الموت سيأتي على أجنحة سريعة لكل من يزعج سلام الملك ” , ثم قاموا بفتح المقبرة في وقت لاحق , وإكتشفوا هذا الفرعون الشهير جنباً إلى جنب مع ثروة هائلة ونادرة من الكنوز المصرية القديمة .
لعنة الفراعنة,لعنة,مومياء,فرعون,توت عنخ آمون,المصريون القدماء,تابوت,هوارد كارتر
هوارد كارتر مع تابوت الملك ” توت عنخ آمون ” 
 وقع الحادث الأول الذي أثار الشائعات المحلية عن لعنة الفراعنة في نفس يوم إفتتاح المقبرة , عندما عاد كارتر إلى منزله ووجد قفص طيوره محتلاً من قِبل أفعى الكوبرا , وهي رمز الملكية المصرية القديمة , أعلن كارتر عن هذه القصة لصحيفة نيويورك تايمز التي ما لبثت أن نشرت الأمر على أنه لعنة الفرعون المصري توت عنخ آمون حيث يرتدي رمز الأفعى الكوبرا فوق تاجه .
بعد ذلك بوقت قصير , أصاب مصير غريب أولئك الذين دخلوا المقبرة , فبعد ستة أسابيع من إفتتاح قبر توت عنخ آمون , توفى اللورد كارنارفون , وبعد بضع ساعات من وفاته , أخذ كلبه المحبوب ينبح حتى مات بشكل غريب , وتبع ذلك جنون إعلامي دولي , وإنتشر الحديث عن لعنة الملك المصري توت على نطاق واسع .
 
إقترح السير ” أرثر كونان دويل ” مبدع شيرلوك هولمز وقتها أن وفاة اللورد كارنارفون قد نتجت عن العناصر التي وضعها كهنة ” توت عنخ آمون ” لحراسة قبر الملك , وزاد ذلك من إهتمام وسائل الإعلام بالأمر  .
وإستمرت سلسلة الأحداث , فتوفى الأخ الغير الشقيق للورد كارنارفون بتسمم الدم , وقُتل الميلونير الجنوب أفريقي ” وولف جويل ” بعد أشهر قليلة من زيارته للمقبرة الملكية , ثم توفى الممول” جورج جاي جولد ” بسبب حمى بعد ستة أشهر من زيارته للمقبرة أيضاً .
من بين الوفيات الأخرى التي نُسبت إلى اللعنة, وفاة السير “أرشيبالد دوغلاس ريد” , وهو أخصائي أشعة قام بعمل أشعة لمومياء الملك “توت عنخ آمون” , وقد توفى بمرض غامض .
كما أن A. C. Mace وهو عضو في فريق التنقيب مع هوارد كارتر , مات نتيجة التسمم بالزرنيخ ,  و” ريتشارد بيثيل” سكرتير كارتر الشخصي مات مخنوقاً في سريره .
ومع ذلك لم تكن تلك الوفيات هي التي أدت إلى إنتشار الذعر على نطاق واسع بقدر ما فعله إعتقاد البعض بإن روح الملك توت عنخ آمون أصبحت تحوم حول مكان دفنه ! 
ففي عام 1925 , ذكر عالم الأنثروبولوجيا ” هنري فيلد ” كيف أن صديق كارتر ” السير بروس إنغهام ” قد أُعطيت له هدية عبارة عن يد مومياء مصرية معصمها مزين بسوار على شكل الجعران المقدس , والذي يحمل كلمات ” ملعونا للأبد ً بالنار , والغرق , والأوبئة من يحرك جسدي ” , وبعد وقت قصير من تلقيه الهدية , إحترق منزل السير إنغهام وتبعه فيضان بعد أن أُعيد بناءه .
ولكن أشار المشككون في تلك اللعنة بأن الكثيريين ممن زاروا المقبرة قد عاشوا حياة طويلة وصحية , وقد أظهرت دراسة أن من بين 26 شخص كانوا حاضرين عند فتح المقبرة توفى 6 منهم فقط في غضون عقد من الزمان , كما أن ” هوارد كارتر ” , – وبالتأكيد من الأحرى أن يكون كارتر هو الهدف الرئيسي للعنة – عاش طبيعياً حتى مات بعد 20 عاماً من إكتشافه مقبرة “توت عنخ آمون ” .
إلا أن أحد الجوانب المثيرة للإهتمام في نظرية اللعنة , هو أن الحظ السيء لم يلاحق أولئك الذين زاروا المقبرة فحسب , بل أولئك الذين شاركوا بأي شكل من الأشكال في إزعاج الملك حتى بعد مرور عقود من الزمان  .
ففي عام 1972 , تم نقل تابوت وكنوز  ”  توت عنخ آمون ” لعرضها في معرض بالمتحف البريطاني , ووقتها سخر عالم الآثار المصري الدكتور ” جمال محرز ” من اللعنة قائلاً أن جميع الوفيات والمصائب التي حدثت خلال العقود الماضية لهي نتيجة الصدفة البحتة , ثم توفي محرز في الليلة التي أعقبت إشرافه على تغليف آثار الملك توت عنخ آمون لنقلها إلى إنجلترا 
ثم كانت هناك حالات أخرى حدثت لأفراد طاقم الطائرة التي نقلت الملك وآثاره , حيث منهم من تعرض للقتل أو الإصابات أوالكوارث خلال السنوات التي تلت رحلتهم الملعونة , فقد تعرض ” كين باركنسون “, وهو مهندس طيران كان من ضمن الطاقم , إلى نوبات قلبية في كل عام في نفس وقت الرحلة التي نقلت كنوز الملك إلى إنجلترا , حتى تعرض لنوبة مميتة عام 1978 , ثم كان هناك ملازم طيران هو ” جيم ويب ” الذي فقد كل شيء يملكه في حريق مدمر لمنزله , ومضيف الطيران ” بريان رونسفال ” الذي عاني من نوبات قلبيه بعد إعترافه بإنه لعب الورق على تابوت الملك توت عنخ آمون .

هل لعنة الفراعنة سببها علمي ؟

لعنة الفراعنة,لعنة,مومياء,فرعون,توت عنخ آمون,المصريون القدماء,تابوت,هوارد كارتر

وبينما يصرّ الكثيرون على أن سلسلة الوفيات والمصائب التي حدثت لأولئك الذين دخلوا مقبرة توت عنخ آمون قد نُسبت إلى لعنة الفراعنة , فقد بحث العلماء والباحثون عن تفسيرات أكثر عقلانية , ففي السنوات الأخيرة , إقترح بعض العلماء أن لعنة الفراعنة ذات طبيعة بيولوجية ,حيث يفترض العلماء أن المصريين القدماء قد ختموا مقابرهم ببعض الكائنات الممرضة , والتي من الممكن أن تكون خطرة أو حتى مميتة لأولئك الذين يفتحونها بعد آلاف السنين – وخاصة من هم مثل اللورد كارنارفون الذي كان يعاني من ضعف جهاز المناعة , فعلى سبيل المثال تكهن البعض بإن اولئك الذين ماتوا قد يكون السبب في موتهم مرض غامض أو ربما تعرضوا لفطر مميت أو بكتيريا سامة داخل غرفة الدفن , وقد أظهرت الدراسات المخبرية لبعض المومياوات المصرية القديمة , أنها تحمل العفن أوالفطريات بما في ذلك Aspergillus niger  , وAspergillus flavus  , والتي يمكن أن تسبب الإحتقان أو النزيف في الرئتين , كما أن البكتريا التي تصيب الرئة مثل Pseudomonas و Staphylococcus تنمو على جدران المقابر , والخفافيش التي تسكن المقابر المحفورة , تحمل فضلاتها فطراً يمكن أن يسبب بداء النوسجات التنفسي الشبيه بالإنفلونزا .
كما أنك عندما تفكر في المقابر المصرية , لا يخطر ببالك غير المومياوات والكنوز , ولكن المقابر المصرية القديمة تحتوي ايضاً على مواد غذائية مثل الخضار والفاكهة واللحوم , والتي يتم دفنها مع الفرعون في رحلته إلى الآخرة , وكما تقول جينيفر فيغنز , عالمة المصريات قي متحف بنسلفانيا في فيلادلفيا , ” من المؤكد أن تلك المواد الغذائية قد جلبت الحشرات , والفطريات , والبكتيريا , فهي موجودة في المقابر منذ آلاف السنين ” .
وقد أظهرت عينات الهواء المأخوذة من تابوت غير مفتوح من خلال ثقب صغير تم حفره في التابوت , أن الهواء بالداخل يحتوي على مستويات عالية من غاز الأمونيا والفورمالدهايد , وكبريتيد الهيدروجين , والتركيزات العالية من تلك المواد , يمكن أن تسبب حرق في العينين والأنف , مع أعراض تشبه الإلتهاب الرئوي وفي الحالات القصوى للغاية قد تصل إلى الموت .
ومع ذلك  فحين أن جميع هذه النتائج تم التحقق منها علمياً , إلا أن الخبراء الذين فحصوا حالة اللورد كارنارفون لا يعتقدون أن السموم القبرية لعبت دوراً في موته , إذ أن أعراضها كانت ستظهر في وقت أقل من 6 أسابيع , ووفقاً لـ DeWolfe Miller أستاذ علم الأوبئة في جامعة هاواي ” لا توجد حالة واحدة من عالم الآثار أو السائحين ثبت مرضها نتيجة وجود عفن القبور أو البكتيريا التي تعيش بداخلها ”  .
علاوة على ذلك , فإن نظرية المقبرة السامة , لا تفسر التنوع الواسع للطرق التي مات بها الأشخاص الذين دخلوا المقبرة , بما في ذلك حوادث السيارات والقتل والإنتحار والنوبات القلبية , كما إنها لا تفسر سلسلة المصائب التي وقعت لأولئك الذين لم يزورا المقبرة أبداً , ولكنهم بعد عقود شاركوا في نقل كنوز الملك توت عنخ آمون إلى معرض لندن .
إذن .. هل هناك تفسير منطقي للوفيات والمصائب التي حلت بأولئك الناس ؟
هل هي مجرد مصادفة ؟
هل تم وضع لعنة على القبر فعلاً 
تظل الإجابات على هذه الأسئلة لغزا كبيراً .

لعنة الفراعنة في الثقافة والموروثات الشعبية

 على الرغم من تأرجح آراء العلماء بين مصدق ومشكك في لعنات الفراعنة , إلا أن أمر اللعنة واقعاً حقيقياً في صعيد مصر , في محافظات كالأقصر وأسوان , وقنا وغيرها , حيث تزخر بالآثار الفرعونية الكثيرة , وتحتضن أرضها الكثير من الكنوز الفرعونية المخبأة منذ آلاف السنين , حيث يؤمن أهل تلك المدن بإن المقابر الفرعونية يحرسها الجن , ولا يخلو بيت من تلك الحكايات التي توراثتها الأجيال , وظلت حقائق راسخة هناك .

ولا يخفى على أحد أن الفراعنة قد برعوا في العلم .. وربما كان علماً أشبه بالسحر .. وقد أشار القرآن الكريم إلى سحرهم ووصفه بالعظيم ” فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ” , ويعتقد الكثيرون من المصريين أن الفراعنة إستخدموا السحر الأسود وتسخير الجن لحماية قبورهم لآلاف السنين , بينما يعتقد العلماء أن هذا السحر ما هو إلا علم الكيمياء بصورة نجهلها نحن الآن .

إقرأ أيضاً : الفراعنة وعلاقة اللغة الهيروغليفية باللغة العربية

ومن بين تلك الحكايات التي مازال السكان يتحدثون عنها إلى اليوم , إشتعال النار في بعض بيوت الأشخاص الذين ينقبون عن مقابر فرعونية لإن الجن الحارس للمقبرة إنتقم منهم لدخولهم المقبرة , وتزامناً مع تلك الحرائق , شاهد الناس كائنات نارية غامضة طائرة مجهولة المصدر, ما تلبث أن تقع فوق البيوت ككرات من النار .
وفي البر الغربي لمدينة الأقصر , إنتشرت حكايات عن ثور ضخم يحرس كنزاً خلف تمثالي ممنون غرب الأقصر , ويظهر في الليالي المقمرة , فضلاً عن قصة ” حديقة الذهب الفرعونية ” , والتي تظهر شمال غرب الأقصر , وهي عبارة عن حقل بطيخ من الذهب , وما أن يذهب إليها من يراها , تختفي كأنها سراب .
وهناك الكثير من الحكايات الشعبية الأخرى التي لن يتسع لها مقالنا اليوم … ولكنها أيضاً لن تقدم لنا تفسيراً لما ذكرناه في هذا المقال , بل ربما زادت تلك الحكايات الشعبية من الأمر تعقيداً..
الفراعنة لم يتركوا لنا باباً لأياً من أسرارهم مفتوحاً على مصراعيه , أحاطوا علومهم , وتاريخهم , وآثارهم , بهالة غامضة على مدى آلاف السنين .. وربما بالفعل حرسوا أمواتهم أيضاً بإحدى تلك الأسرار التي لم يفسرها علمنا الحديث بعد , ولا نعرف هل سينجح العلم أمام الأسطورة أم سيظل شاهداً  على أغرب حضارة عرفها التاريخ .