البداية : في جريدة الأهرام انتشر خبر العملية الفدائية التي قام بها رجال الضفادع المصرية البشرية لتفجير المدمرتين “بيت شيفع” و”بات يام” والرصيف الحربي لميناء إيلات
كان وقتها المصور سعيد شيمي طالبا وتمنى حينها أن يوثق فيلم تلك الفكرة، وزاد من تمسكه بالفكرة عندما شاهد فيلمًا عن هجوم الضفادع البشرية على ميناء الإسكندرية في الحرب العالمية الثانية.
ويقول سعيد شيمي نقلا عن مصراوي: “الطريق إلى إيلات كله أنا، مش فكرتي وبس!”
التخطيط لفيلم الطريق إلى إيلات
أثناء تصوير فيلم إعدام ميت عرف شيمي أن هناك نادي لتعليم الغطس، فتعلم الغطس لكي يكون جاهزا لمهمة تصوير الفيلم، وعندما علم سمير صبري بتعلمه للغطس طلب منه إنتاج فيلم يدور تحت الماء، فخرج فيلم “جحيم تحت الماء”.
استعان “شيمي” بالمصور الكبير أوهان، فصمم له عازلاً للكاميرا الخاصة به ليستطيع التصوير بها تحت الماء
وبعدها ذهب سعيد شيمي للمخابرات الحربية، وطلب تقديم تلك الفكرة في فيلم سينمائي، حيث رحبوا بالفكرة وأعطوا له تصريحًا لبدء العمل ومقابلة الأبطالة الحقيقيين.
ربما تفاجئ لو عرفت أن أبطال الفيلم كانوا أحمد زكي ومحمود عبد العزيز ورغدة، ويكون المخرج نادر جلال
يقول شيمي: “كنت هأنتج الفيلم، وأستلف من هنا ومن هنا، لكن ماكنتش أقدر أعمله إلا عن طريق الجيش ، لكن للأسف المشكلة الكبرى كانت التكلفة الكبيرة، ومهما أخدت فلوس مكنتش هقدر أغطي التكلفة”
لكن في النهاية انتهى الأمر للفيلم أن يكون بطولة عزت العلايلي ونبيل الحلفاوي ومادلين طبر.
قدم سعيد شيمي الفيلم للتلفزيون المصري لينتجه، فاعتذر نادر جلال عن الفيلم ربما لأنه لا يريد التعاون “إنتاجيا”، مع التلفزيون المصري بسبب البيروقراطية في الإنتاج
فتم إسناد العمل للمخرج علي عبد الخالق، يقول شيمي: “بعدها فوجئت بممدوح الليثي يتصل بي، ويقول لي: أنا جبت إنعام محمد علي مخرجة للفيلم، غضبت، وقلت له: إزاي ست تخرج فيلم حربي يعني إيه؟!، ورد عليّ وقال لي: أنت اللي هتكون مسئول عن الحرب والمعارك، وبعد سجال ومناقشات وافقت لأن الفيلم بتاعي”.
المخرجة إنعام محمد علي
كان الفيلم في المعالجة الأولى يخلو من أي بطولات نسائية، لكن اقترحوا أن يستبدلوا دور الرجل الذي ساعد الفرقة لدور سيدة
فجاء دور مادلين، ثم غيرت إنعام محمد علي في بعض تفاصيل السيناريو، ومنها مثلا أنها أضافت قصة حمل أحد أعضاء الفرقة
يقول شيمي: “إنعام غيرت كثيرًا في السيناريو ووضعت قصص جانبية مثل قصة حمل زوجة أحد أعضاء الفرقة، وكل دي إضافات حصلت لما إنعام لقت إن مالهاش دور كبير في الفيلم ولازم يبقى لها دور”.
تقول المخرجة الكبيرة إنعام محمد علي:
“وأنا بختار الممثلين كنت حريصة إنهم يبقوا شبه الأشخاص الحقيقيين، وبدأ تصوير الفيلم في إسكندرية وقعدنا شهرين نصور هناك وصورنا الفيلم في الكلية الحربية وكنا بنصور بعد غروب الشمس ونمشي من مواقع التصوير قبل الشروق”.
اختلاف فيلم الطريق إلى إيلات عن حقيقة العملية
في أعقاب حرب 1967 بدأت القوات المسلحة كلها في إعادة بناء نفسها بالإعداد والتدريب والتسليح والتنظيم..
بدأ الفريق محمد فوزي بعدما تولى المسئولية في اللجوء الي القوات الالخاصة لتنفيذ عمليات ناجحة خلف خطوط العدو تعيد الروح المعنوية ليس للقوات المسلحة فقط ولكن للمصريين جميعا.
لذا وافق الرئيس عبدالناصر على اقتراح قائد القوات البحرية بتنفيذ أول عملية للضفادع البشرية المصرية في العمق الإسرائيلي عن طريق الاستطلاع
فتم تشكيل ثلاث مجموعات من الضفادع البشرية كل مجموعة مكونة من فردين (ضابط وصف ضابط) وسافروا إلى ميناء العقبة الأردني القريب من إيلات
قامت مجموعات العقبة في 16 نوفمبر عام 1969 بالخروج بعوامة من العقبة حتى منتصف المسافة ثم السباحة إلى الميناء لكنهم لم يتمكنوا من دخول الميناء الحربي
فقاموا بتلغيم سفينتين إسرائيليتين هما (هيدروما ودهاليا) وكانتا تشاركان في المجهود الحربي الإسرائيلي في ميناء إيلات التجاري، وهذه هي العملية التي استشهد فيها الرقيب فوزي البرقوقي وقام زميل مجموعته بسحب جثمانه حتى الشاطئ حتى لا تستغل إسرائيل الموضوع إعلاميا.
ولم تتوقف الناقلتين بيت شيفع وبات يام عن مهاجمة السواحل المصرية على العكس، فقد قامتا تحت الغطاء الجوي بالهجوم على جزيرة شدوان وهي جزيرة صخرية مصرية تقع في البحر الأحمر وأسروا عددا من الرهائن واستولوا على كميات كبيرة من الذخائر، ونقلوها بواسطة “بيت شيفع” وأثناء تفريغ الذخيرة انفجر بعضها مما أدى لمقتل نحو 60 إسرائيليا وتعطل باب الناقلة الذي كان يعمل بطريقة هايدروليكية..
تم نقل هذة المعلومات للقيادة المصرية عن طريق نقطة المراقبة الموجودة في العقبة
وقدرت إسرائيل أن المصريين سيستغلوا فترة وجود الناقلتين بالهجوم عليهما
فقاموا بعمل تجهيزات كثيرة جدا لإعائقة أي هجوم محتمل فتم إغلاق الميناء بالشباك وتم تحريك لنشات لضرب عبوات ناسفة مضادة للضفادع البشرية
وخرجت الطائرات الهليكوبتر لإطلاق قنابل مضيئة للرؤية وتم وضع كشافات قوية جدا حول الناقلتين بحيث يتم اكتشاف أي حركة تحت العمق وعلى مسافة 100 متر فضلا عن زيادة الحراسة على الناقلتين.
تمت دراسة كل هذه التغيرات وحصلت القوات البحرية على الضوء الأخضر للقيام بعملية قبل إصلاح العطب في الناقلة، وتم تشكيل مجموعتين:
الأولى بقيادة ضابط بحري اسمه عمرو البتانوني وكان برتبة ملازم أول ومعه الرقيب علي أبو ريشة
والثانية بقيادة الملازم أول رامي عبد العزيز ومعه الرقيب محمد فتحي
وتحركوا من الإسكندرية بمعداتهم إلى العراق حيث هبطوا في مطار H3 واستقبلهم أعضاء من منظمة فتح الفلسطينية ومنها سافروا برا إلى عمان في الأردن
حيث قاموا بالمبيت لليلة واحدة قاموا خلالها بتجهيز الألغام (لغم مع كل فرد) والمعدات وانتقلوا إلى ميناء العقبة
حيث استقبلهم ضابط أردني برتبة رائد تطوع للعمل معهم بغير علم سلطات بلاده لأن المنطقة كلها هناك كانت مغلقة عسكريا فكان من الضروري ان يحصلوا على معاونة من أحد أفراد القوات المسلحة الأردنية.
دخلوا المنطقة العسكرية الأردنية وقاموا بالتجهيز النهائي ونزوا الماء بالفعل في الساعة الثامنة والثلث مساء 5 فبراير 1970 بدون عوامة
لأنها كانت تحتاج لتجهيزات خاصة واعتمدوا على السباحة والغطس وفي منتصف المسافة اكتشف الرقيب محمد فتحي أن خزان الأكسجين الخاص به أوشك على النفاذ (بفعل النقل في وسط الجبال)
فتم اتخاذ قرار بعودته إلى نقطة الإنزال في العقبة وأكملوا المهمة بدونه إلى أن وصلوا في منتصف الليل تماما إلى ميناء إيلات بعد السباحة والغطس لنحو 5.5 ميل بحري..
وفي الساعة 12.20 مروا من تحت الشباك، وهجم الملازم أول رامي عبد العزيز بمفرده على “بات يم” بينما هجم الضابط عمروالبتانوني والرقيب علي أبو ريشة على الناقلة “بيت شيفع”
وقاموا بتلغيمهما وضبطوا توقيت الانفجار على ساعتين فقط بدلا من أربع ساعات كما كانت الأوامر تنص، ففرد القوات الخاصة له أن يقوم بالتعديل في الخطة الموضوعة حسب مقتضيات الظروف..
وفي الساعة الثانية من صباح يوم 6 فبراير بدأت الانفجارات تدوي في إيلات وخرجت الدوريات الإسرائيلية للبحث عن منفذي الهجوم ولكنهم وصلوا بنجاح إلى الشاطئ الأردني
في ميناء العقبة قبضت عليهم المخابرات الأردنية فقد أدركت أن هذا الهجوم لابد أنه انطلق من أراضيها
وكانت القصة التي ينبغي أن يذكروها في هذه الحالة هي انهم ضفادع بشرية مصرية ألقتهم هليكوبتر قرب إيلات وكان من المفترض أن تعود لالتقاطهم لكنها لم تفعل وأن لديهم توصية بتسليم انفسهم لأشقائهم في الأردن لإعفائها من حرج استخدام أراضيها في تنفيذ هجوم عسكري دون علمها
وبعد عملية الإغارة الناجحة للمرة الثانية لرجال الضفادع البشرية المصرية على ميناء ايلات، تم تغيير قيادة السلاح البحري الإسرائيلي
واتبعت القيادة الجديدة أسلوب إخلاء الميناء قبل الغروب بساعة حتى صباح اليوم التالي وكان ذلك يكبدهم خسائر فادحة فضلا عن الإرهاق لأطقم السفن والوحدات البحرية.
من هنا نشأت فكرة العملية الثالثة حيث وصلت المعلومات من المخابرات الحربية تفيد بأن ناقلة الجنود “بيت شيفع” قد تم إصلاحها بعد التدمير الذي أصابها أثناء عملية الإغارة الثانية على ميناء ايلات
غير أنها كبقية السفن تغادر الميناء كل ليلة وتعود إلية في الصباح وكان لابد من إيجاد وسيلة لتعطيل “بيت شيفع” عن الإبحار وإرغامها على قضاء ليلتها في ميناء ايلات ولو لليلة واحدة حتى يمكن مهاجمتها وإغراقها.
زعزعت العمليات ثقة القوات الإسرائيلية فقد شوهدت عملية انتشال جثث كثيرة من الماء لأفراد ضفادعهم البشرية الذين كانوا يعملون وقت حدوث الانفجار في تقطيع جسم السفينة “بات يام”
التي أغرقتها الضفادع البشرية المصرية خلال الإغارة الثانية على ميناء إيلات، كما شوهدت أكثر من ست عربات إسعاف تنقل الجرحى والمصابين من مبنى الضباط المقام خلف الرصيف الحربي مباشرة.