مقالات - أقلام حرة - حاتم سلامه :والله إني لتصيبني حيرة وهم كبير، بل صدمة تجثم على صدري، حينما أرى رجلا ظني فيه الشهامة والمروءة والتدين العظيم أو الاستقامة البالغة، ثم أراه إذا ما دلف إلى معركة مع ند ما، أو وُضع في حالة نزال مع نظير له، يفتري على خصمه الكذب، ويطلع عليه بالبهتان، ويؤلف في تشويهه قصة مكذوبة رجاء الانتصار والغلبة عليه.
وهنا تكون النازلة حينما يتبين لي هراء الظنون التي استحكمت على عقلي وحينما يتكشف لي أنني كنت أعمى وجاهل عن إدراك الحقيقة، في تقييم الناس على طبائعهم وأخلاقهم.
وأحب أن أقول ابتداء:
وهنا تكون النازلة حينما يتبين لي هراء الظنون التي استحكمت على عقلي وحينما يتكشف لي أنني كنت أعمى وجاهل عن إدراك الحقيقة، في تقييم الناس على طبائعهم وأخلاقهم.
وأحب أن أقول ابتداء:
إن الرجل الدين والمستقيم بشر ككل البشر يمكن له الخطأ والزلل، وهذا حقيقي.. لكن الكذب والافتراء والبهتان ليست من هذه الصفات التي يمكن أن أسامح فيها أو أغفر عليها أو أستعيد ثقتي فيمن كنت أظنه على الخير قبل ارتكاب هذه الفرية.
يمكن لك أن تسب وتشتم وتتعارك وتتهم، وتخرج لسانك لخصمك كائدا له ومثيرا لحفيظته، لكن.. أن تفتري وتكذب وتؤلف القصص الزائفة، حتى تحط من قدره، فهذا غير مقبول في دنيا الرجولة والشرف وعالم المروءة والشهامة.!
وقد تعرضت في حياتي لكثير من هذه المواقف، وكنت كثيرا ما أصاب بصدمات رهيبة، أقف ساعتها صامتا وجلا وأنا أنظر لعين خصمي وهو يتهاوى من دنيا الأبرار، وكأني أقول له: كيف استطعت أن تفتري هذا الكذب، وكيف قبلته نفسك؟!
أذكر حينما كنت في صدر شبابي أعمل بالصحافة كانت لنا زميلة تجلس مع أحد الشباب كثيرا، فبدأ بعضهم يأتي في سيرتها وتحدث في علاقتها، فرأيت من واجبي أن أنبهها للأمر حتى تبتعد عن هذه الشبهة، وتُلجم الألسنة التي تنهش في عرضها، فناديت عليها وأنا في مدخل البناية، ولم يكن هناك أحد يرانا وقلت لها القصة، في صوت منخفض يشبه في همسه دبيب النمل، ونهيتها عن الجلوس مع ذلك الشخص مرة أخرى حتى تسلم من القيل والقال، وكان هذا في حوار أخوي ليس له منشأ إلا الخوف عليها وصيانة سمعتها، فاستجابت وشكرتني، ولم تمص ساعتان حتى فوجئت برئيس التحرير يطلبني فلما دخلت إليه وجدت الفتاة وصديقة لها، والرجل يقول لي: دول بيقولوا إنك أوقفت فلانة وقلت لها انت بينك وبين فلان علاقة مش كويسة، بطلي تمشي معاه، وقلت هذا بصوت عال أمام كل الناس حتى تسمع الجميع ولا غاية لك إلا الفضح والتشهير، فكيف تفعل هذا؟!
دهشت جدا مما قيل، وقلت مذهولا وأنا أضع يدي على صدري:
يمكن لك أن تسب وتشتم وتتعارك وتتهم، وتخرج لسانك لخصمك كائدا له ومثيرا لحفيظته، لكن.. أن تفتري وتكذب وتؤلف القصص الزائفة، حتى تحط من قدره، فهذا غير مقبول في دنيا الرجولة والشرف وعالم المروءة والشهامة.!
وقد تعرضت في حياتي لكثير من هذه المواقف، وكنت كثيرا ما أصاب بصدمات رهيبة، أقف ساعتها صامتا وجلا وأنا أنظر لعين خصمي وهو يتهاوى من دنيا الأبرار، وكأني أقول له: كيف استطعت أن تفتري هذا الكذب، وكيف قبلته نفسك؟!
أذكر حينما كنت في صدر شبابي أعمل بالصحافة كانت لنا زميلة تجلس مع أحد الشباب كثيرا، فبدأ بعضهم يأتي في سيرتها وتحدث في علاقتها، فرأيت من واجبي أن أنبهها للأمر حتى تبتعد عن هذه الشبهة، وتُلجم الألسنة التي تنهش في عرضها، فناديت عليها وأنا في مدخل البناية، ولم يكن هناك أحد يرانا وقلت لها القصة، في صوت منخفض يشبه في همسه دبيب النمل، ونهيتها عن الجلوس مع ذلك الشخص مرة أخرى حتى تسلم من القيل والقال، وكان هذا في حوار أخوي ليس له منشأ إلا الخوف عليها وصيانة سمعتها، فاستجابت وشكرتني، ولم تمص ساعتان حتى فوجئت برئيس التحرير يطلبني فلما دخلت إليه وجدت الفتاة وصديقة لها، والرجل يقول لي: دول بيقولوا إنك أوقفت فلانة وقلت لها انت بينك وبين فلان علاقة مش كويسة، بطلي تمشي معاه، وقلت هذا بصوت عال أمام كل الناس حتى تسمع الجميع ولا غاية لك إلا الفضح والتشهير، فكيف تفعل هذا؟!
دهشت جدا مما قيل، وقلت مذهولا وأنا أضع يدي على صدري:
- أنا؟؟؟؟ والله لم يحدث
فإذا بصديقتها تقول:
- لا حصل وأنا شفت وسمعت.!!
كنت وقتها كالغارق لا أملك من وسائل الدفاع إلا اليمين الذي لا يصدقه أحد، ولكن لا أخفيك أني لم أكن أفكر في التهمة وكيفية الخلاص منها، بقدر ما كنت أفكر في هذه النفسية الفاجرة الآثمة، كيف استساغت أن تكذب وتفتري هذا الإفك والزيف والخيال الحرام.؟!
يمكن للمصاب أن يكون هينا على المستوى العام، فالناس ربما تُقصر ثقافتهم وتربيتهم عن تنمية ضمائرهم وإزكاء نُبلهم، لكن المصيبة والكارثة تكون وتكمن في النخبة، حينما تجد زعيمًا أو مصلحًا كبير أو عالمًا ومفكرًا يفتري الكذب على خصومه، بُغية الإساءة إلى سمعتهم وصرف الناس عنهم، ففي الوقت الذي كتب فيه الأستاذ أنور الجندي عن شخصية (عبد العزيز جاويش) يمجد فيها تاريخ الرجل ويبعث للأذهان جهاده وصدحه للحق مواقفه التاريخية الخالدة، يأتي العقاد في كتابه عن سعد زغلول، ليؤكد أن جاويش من هؤلاء الذين امتطوا مراكب الزيف والافتراء حينما كان يؤلف الأكاذيب على سعد زغلول.
كان الشيخ عبد العزيز جاويش ينسى أدب الصحفي الشريف، ولا يبالي أن يفتري الأكاذيب وهو عالم بافترائها، حينما كان يزعم أن وزير المعارف سعد زغلول آلة في يد الانجليز يسخرونه التسخير الأعمى بلا معارضة منه ولا سؤال، فقد بلغ من سخفه في تلفيق المزاعم، زعمه بأن دنلوب كان يكتب الخطب لسعد باللغة الانجليزية، وأنه هو جاويش كان يُندب مع غيرة لترجمتها إلى العربية، ثم يلقيها سعد باسمه وهو صاغر مغمض العينين، ولما تقصى العقاد سبب العداوة والأساس الذي انطلقت منه هذه المفتريات، ذكر أن مدرسة القضاء الشرعي حينما أنشئت، كان جاويش وقتها مفتشا بوزارة المعارف العمومية وكان يطمع في نظارتها، فأخلف سعد رجاءه وأسندها إلى غيره وهو عاطف بك بركات، فحنق جاويش على سعد وأسرها في نفسه، إلى أن تولى تحرير جريدة اللواء بعد موت مصطفى كامل، فخرج وهو لا يفكر في شيء غير التشهير بسعد والحملة عليه، وكان هذا الافتراء والكذب.
أخرج الخرائطي في "مساوئ الأخلاق" عن عبد الله بن جراد، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا نبي الله ، هل يزني المؤمن؟ قال: ( قد يكون من ذلك )، قال : يا رسول الله، هل يسرق المؤمن؟ قال: ( قد يكون من ذلك )، قال: يا نبي الله هل يكذب المؤمن؟ قال: (لا)، ثم أتبعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذه الكلمة: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون.)
الذين لا يؤمنون، الذين لا يؤمنون.!
يمكن للمصاب أن يكون هينا على المستوى العام، فالناس ربما تُقصر ثقافتهم وتربيتهم عن تنمية ضمائرهم وإزكاء نُبلهم، لكن المصيبة والكارثة تكون وتكمن في النخبة، حينما تجد زعيمًا أو مصلحًا كبير أو عالمًا ومفكرًا يفتري الكذب على خصومه، بُغية الإساءة إلى سمعتهم وصرف الناس عنهم، ففي الوقت الذي كتب فيه الأستاذ أنور الجندي عن شخصية (عبد العزيز جاويش) يمجد فيها تاريخ الرجل ويبعث للأذهان جهاده وصدحه للحق مواقفه التاريخية الخالدة، يأتي العقاد في كتابه عن سعد زغلول، ليؤكد أن جاويش من هؤلاء الذين امتطوا مراكب الزيف والافتراء حينما كان يؤلف الأكاذيب على سعد زغلول.
كان الشيخ عبد العزيز جاويش ينسى أدب الصحفي الشريف، ولا يبالي أن يفتري الأكاذيب وهو عالم بافترائها، حينما كان يزعم أن وزير المعارف سعد زغلول آلة في يد الانجليز يسخرونه التسخير الأعمى بلا معارضة منه ولا سؤال، فقد بلغ من سخفه في تلفيق المزاعم، زعمه بأن دنلوب كان يكتب الخطب لسعد باللغة الانجليزية، وأنه هو جاويش كان يُندب مع غيرة لترجمتها إلى العربية، ثم يلقيها سعد باسمه وهو صاغر مغمض العينين، ولما تقصى العقاد سبب العداوة والأساس الذي انطلقت منه هذه المفتريات، ذكر أن مدرسة القضاء الشرعي حينما أنشئت، كان جاويش وقتها مفتشا بوزارة المعارف العمومية وكان يطمع في نظارتها، فأخلف سعد رجاءه وأسندها إلى غيره وهو عاطف بك بركات، فحنق جاويش على سعد وأسرها في نفسه، إلى أن تولى تحرير جريدة اللواء بعد موت مصطفى كامل، فخرج وهو لا يفكر في شيء غير التشهير بسعد والحملة عليه، وكان هذا الافتراء والكذب.
أخرج الخرائطي في "مساوئ الأخلاق" عن عبد الله بن جراد، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا نبي الله ، هل يزني المؤمن؟ قال: ( قد يكون من ذلك )، قال : يا رسول الله، هل يسرق المؤمن؟ قال: ( قد يكون من ذلك )، قال: يا نبي الله هل يكذب المؤمن؟ قال: (لا)، ثم أتبعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذه الكلمة: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون.)
الذين لا يؤمنون، الذين لا يؤمنون.!
---
بقلم حاتم ابراهيم سلامة
منشور على صفحته بالفيس بوك بتاريخ 21/4/2020