ابداعات - قصص قصيرة - بتول يوسف :
في ليلةٍ للعيد ، تزاحم الأطفال حول القواطر
المبجلة والمواكب المهلهلة ، جياعٌ ..حفاةٌ ..عراةٌ جميعهم توافدوا ليروا كباراً
سوداً تطلُّ من موكبٍ أسود ، وبينما يتوافد المتفرجون واثناء ترقب العيون أطلَّ
الإقطاعي وقال :"فليزرع الفلاح قمحاً "
فما كان من الفلاح إلا أن بكَّر إلى أرضه ، وحرث بمحراثه ، وروى محاصيله ، حتى إذا
أتى الصيف وأتت الأرض خيرها ؛حصد الفلاح قمحه وجمعه حيث احتشدت الحشود أول مرةٍ ،
و انتظر مع الحشد الجائع أن يأتي الإقطاعي فيوزع عليهم قمحه ، فلما أطلَّ الإقطاعي
برأسه من موكبه ؛قرقرت البطون الجائعه ، وتلهفت العيون الفاغره ، فما كان من
الإقطاعي إلا أن ترك الحديث لزميله الرأسمالي وقال :"فليطحن الطحان القمح
"فما كان من الطحان إلا أن هرول إلى الطاحون ،وسهر الليالي يطحن القمح ،وحشود
الجياع تقيم حوله حفلات الأنس والسهر بانتظار أن تفيض التنانير خبزاً يطمر الجبال
فلما أنهى الطحان طحنه، جمع الدقيق واحتشد مع
الحشد في موقع الاحتشاد الأول ، وأتى الموكب مبجلاً مهلهلاً ليطلَّ عليهم المستعمر
بسحنته الخبيثه ويقول :"فليخبز الخباز خبزاً"
فتعالت الصيحات وهتفت الهتافات ، وأقيمت الحفلات
، وأخذ الخباز يخبز في حين تطوف رائحه الخبز أزقةً لم تطفها من قبل .
وحين انتهى الخباز من خبزه عند الفجر ، ذهب مع
الحشد منهكاً جائعاً ؛منتظرين حتى يطل الليل فيطل عليهم الثلاثة موزعين عليهم
خبزهم ، جلست الحشود تتكئ إرهاقها ، غفت على جوعها وقلة حيلها ، وحينها تسلل لص
القرية من بين الحشود ناهشاً الخبز من الأيادي الكالحه ، هارباً به إلى المواكب
الفارهه ، ولما أفاق الجياع ؛ كان الموكب المتخم
على رأسه لصهم المعروف يقف قبالتهم ، يراقب مصيبتهم .
أخذت الأيادي الصغيرة تحاول أن تمسك بالحلم الذي
كان بين يديها قبل أن تغفو ، تبحث في الجو عن رائحة فرحة وشبع ، ولما لم تتحسس في
ليلها الأعمى طعامها ؛ تسائلت مصعوقةً :"أين خبزي ؟"
فردَّ اللص يمسح الخبز عن ذقون آلهته الثلاثه
:"جاع الوطن فأكله !"
بقلم
بتول يوسف
كاتبة سورية
كاتبة سورية