تحقيقات - أشرف توفيق :
بقلم / أشرف
توفيق
ومن يريد القول الآن بأنى كنت أخنق الضحايا بيدى وأقوم بقتلهم،
فإنى أقول له إننى لست ساديًّا، لكننى أمرت المحققين معى بأن يقوموا بالتحقيق بلا
هوادة، فقد حملت مسؤولية لم أسع لها، فتحملتها وأمرت باستخلاص الحقائق، ولم أكن
أدافع عن النظام بقدر ما كنت أدافع عن أبرياء سوف يتعرضون للقتل بلا ذنب على يد
تنظيم «الإخوان المسلمين» .
ولقد حققت النتائج التى أدت إلى إنقاذ البلد من دمار
وإنقاذ أرواح بريئة لا ذنب لها إلا أنهم كانوا «كفارًا» على حد قول المناوئين من
الإخوان، ومن ينكر ذلك الآن يكون كمن يضع رأسه فى التراب.
من الذي كان يهيم حبا بالمذيعة همت مصطفى , ناصر أم السادات ؟
وفى المذكرات قلب لكل من نعرف من إشاعات، وتحويل
الإشاعات لحقائق فهو يقول: (ورغم ذلك فإن كل ما قيل عن إعجاب السادات بالمذيعة همت
مصطفى،فإن الحقيقة هي أن المعجب الأول بها كان عبدالناصر،فقد طلبها بالاسم لتغطية
زيارة مهمة للجزائر، وأذكر أنها كانت لا تزال صغيرة السن،وفي المستوى العادي
إعلاميا، مما دفع الصحافي موسى صبري إلى كتابة مقالة نشرت في صحيفة ”الأخبار”
انتقد فيها من اختارها لتغطية حدث بهذا المستوى، فصدر قرار فوري بوقفه عن العمل.وكان الوقف لمدة شهرين )
كيف تخلص الرئيس عبد الناصر من الإخوان ونجيب ؟!
فشمس بدران يقول فيها مثلا :
" كان عبد
الناصر يبدي عكس ما يضمر، وكان يحرص على أن يُظهر رغبته في تحقيق الديمقراطية،
وتسليم السلطة لنظام مدني منتخب إلا أن تلك الرؤية بدأت تتغير،وبدأ يظهر احتقاره
للسياسيين يومًا بعد يوم،كما نجح في إقناع زملائه في مجلس قيادة الثورة بضرورة
الإطاحة بمحمد نجيب من منصب الرئاسة، ثم تحديد إقامته.كما نجح أيضًا في إقناع جماعة "الإخوان"
أنه لن يلعب منفردًا، وأنهم سيكونون شركاء له في الحكم، إلى أن وقع حادث المنشية
في الإسكندرية العام 1954 الذي تحول محطة مهمة ضرب خلالها عبد الناصر عصفورين بحجر
واحد، فهو تخلص من صداع "الإخوان" وشبح محمد نجيب، بعدها لم يبق أمامه
سوى رفاق الثورة من الضباط الأحرار، وبدأ التفكير في طريقة للخلاص منهم بهدوء،
واحدًا تلو الآخر، بطريقة لاينقصها الذكاء،وكان هيكل الحاضر الغائب في كل هذه
المحطات."
...
شمس بدران هو جحيم هيكل
وإذا كانت المذكرات مست ناصر بسوء، فإنها كانت
جحيما على هيكل أن شمس بدران يكرهه من
الوريد للوريد يقول فى ما يساوى 20 صفحة عنه (بحكم الخلفية والتكوين،والثقافة
كنت أشعر دائمًا أن هناك فجوة تفصل بيني وبين الصحفي المعروف محمد حسنين هيكل، لكن
لم تصل أبدًا علاقتي به إلى الشك أو القطيعة، كما لم يحدث بيننا الاندماج والتفاهم
نفسهما اللذان كانا يربطان بينه وبين عبد الناصر.)
ويقول )من وجهة نظري هيكل يتمتع ببعد النظر إلى جانب صفات
عدة أخرى أهلته ليسيطر على عقل عبد الناصر، منذ لقائهما الأول على أرض فلسطين،
خلال تغطيته أحداث المعارك هناك العام 1948. لكن تبقى أهم صفات هيكل هي
"الانتهازية"،لأنه ارتبط بعلاقات مع القصر،وكتب مقالات
"نفاق"، وتقرب من الملك فاروق،كما ارتبط أيضًا بعلاقات واسعة مع الكثير
من قادة الجيش المصري أثناء المعارك، أبرزهم اللواء محمد نجيب،الذي كان من أعلى
الرتب العسكرية التي شاركت في المعارك، بل أصيب في تلك الحرب أيضًا،لكن لم تتوثق
علاقاته بهؤلاء القادة بالقدر نفسه الذي حرص فيه على التواصل مع الضباط الأصغر
رتبة، مثلما حدث مع جمال عبد الناصر.(.
تحالف الرئيس عبد الناصر مع الصحفي محمد حسنين هيكل تحالف نفعي
ويقول )كان عبد الناصر يدرك أيضًا أهمية التواصل مع
الصحافة التي كانت تمارس دورًا أساسيا في تشكيل وعي الفئات المتوسطة والمتعلمة في
مصر في ذلك الوقت، لذا كانت الرغبة في إقامة علاقة نفعية بينهما متوافرة منذ
اللحظة الأولى.رغم صغر سن هيكل آنذاك،إلا أنه كان حريصًا على أن يترك انطباعًا
إيجابيا لدى كل من يلتقي به،وكان يضحي كثيرًا من أجل تثبيت هذه الصورة عن نفسه،
ولم يمنعه انحداره من أسرة متواضعة ومروره بظروف إنسانية واجتماعية شديدة التعقيد
في بداية حياته،من أن يوحي للآخرين بعكس ذلك،ولم يترك لهذه الظروف أن تعرقل مسيرته
نحو التطلع إلى بناء مستقبل يختلف تمامًا عن تلك البيئة التي خرج منها!
ويقول " تدريجيا بدأت الثقة تتكون
بينه وبين عبد الناصر بعد قيام ثورة 23 يوليو.
كان هيكل شديد الذكاء في التعامل مع نجم الثورة
الصاعد جمال عبد الناصر، بعد أن درس حالته النفسية وتكوينه وعرف مفاتيح شخصيته
الأساسية، وبدأ يتعامل معه وفقًا لخطة بطيئة، نجح خلالها في كسب ثقته واحترامه،
وبدأ كل منهما يقرأ طموح الآخر نحو المستقبل بالنسبة إلى هيكل كان طموحه أن يصبح الصحفي
الأول في مصر، ويحظى برضا وقبول قادة الثورة الجدد، ولا سيما البارزون والمؤثرون
منهم في صنع القرار والأحداث. أما عبد الناصر فقد كان يطمح إلى أن يسيطر على مجلس
قيادة الثورة، ويسعى إلى الانفراد بالسلطة بعيدًا عن باقي رفاق الثورة، رغم أنه لم
يظهر ذلك في الأشهر ولا حتى في السنوات الأولى للثورة والتخلص من الملك."
ويقول: (اللافت أن كلا من هيكل وناصر
كانا يسيران بخطى ثابتة ومتوازية نحو الوصول إلى أهدافهما التي لم تتقاطع أبدًا،
بل ربما تكاملت في أكثر الأحيان.ففي الوقت الذي تخلص فيه عبد الناصر من نجيب
و"الإخوان"كان هيكل قد تخلص من هيمنة على ومصطفى أمين،كما تجاوز سطوة
أسرة أبو الفتح بعد الصدام بينها وبين الثورة، بسبب إلحاحها الدائم على ضرورة عودة
الحياة الديمقراطية والسياسية التي كانت تتمتع بها مصر قبل قيام الثورة.
ثم بدأ
طموح هيكل يتجه إلى "الأهرام" التي وجد أصحابها أن مصالحهم سوف تتحقق
إذا تحالفوا مع هيكل الذي كان نجمه في تصاعد مستمر.
وكان عبد الناصر على موعد مع العدوان الثلاثي على
مصر العام 1956 الذي نجح بمهارته وذكائه في أن يحوله من هزيمة إلى نصر سياسي كاسح بعدها بدأ نجمه يسطع في سماء السياسة والمحافل الدولية.
هيكل هو من صنع أسطورة (عبد الناصر)
وهنا جاء دور هيكل الذي
اتخذ من هذه المحطة فرصة للعمل على استثمارها أفضل استثمار في بلورة
"الأسطورة"، هذا هو لقب عبد الناصر الجديد الذي نحته هيكل من العدم،
وبدأ في الترويج له في وسائل الإعلام المصرية والأجنبية، ثم بعد أن ترسخ في
الأذهان أن عبد الناصر أصبح أسطورة العرب السياسية دخل هيكل مرحلة اللقب الجديد
"الزعيم"،وبدأ الترويج له في كل مناسبة بطريقة لا تخلو من الذكاء
والحنكة.
منذ تلك المحطة تعمقت علاقة هيكل بعبد الناصر،وتحول بعد ذلك من مجرد صحفي
ناقل للأخبار إلى جزء من منظومة الحكم، بل شريك رئيسي في صنع القرار السياسي
المصري طوال فترة حكم عبد الناصر.وعند صدور قرار تأميم الصحافة، أبدى هيكل تحفظه
عليه ظاهريا، لكنه كان محرضًا ومتحمسًا له كعادته في مثل هذه الأمور الشائكة، فهو
كصحفي يخشى من حساب التاريخ إذا ثبت تورطه في دعم وتأييد مثل تلك الإجراءات، لكنه
في الوقت نفسه لم يبذل الجهد اللازم لإحباطها أو التصدي لها، لسببين، الأول: خشية
إغضاب عبد الناصر، والثاني: لإفساح الطريق لنفسه ليصبح الصحفي الأول في مصر، ويحول
"الأهرام" الصحيفة الأولى التي تسبح بحمده، سواء كان على رأسها أو تركها
).
ويذكر فى مذكراته "في تلك الأثناء كان هيكل المصري الوحيد
الذي يزيد راتبه عن خمسة آلاف جنيه، وجرى استثناؤه بقرار من عبد الناصر، لذلك حقق
لنفسه استقرارًا ماديًا ومعنويًا غير مسبوق لا في الصحافة ولا في مصر كلها.
قرار
تأميم الصحافة نزل كالصاعقة على رءوس أصحاب المؤسسات الصحفية التقليدية التي كانت
قائمة منذ عقود، وتحول زلزالا هز وشتت غالبية العاملين في الصحافة. غير أن هيكل
كان الصحفي الوحيد في مصر الذي استفاد من هذه الخطوة، لذلك نجده قاتل كثيرًا من
أجل تسويق مصطلح "تنظيم" ،لتخفيف وقع كارثة التأميم على الصحافة
والصحفيين.كان من أهم نتائج تأميم الصحافة المصرية نزع
أنيابها وتجريدها من أي قدرة على النقد أو الإصلاح، فنجد الجميع يتنافسون على
التزلف لـ"الزعيم" حتى الصحفيان الشهيران مصطفى وعلي أمين بدآ في نشر
مقالات تمدح عبد الناصر بطريقة تثير الشفقة، لأنهما لو لم يكتبا بهذه الطريقة
سيكونان عرضة للوشاية والهمز واللمز،ثم الانتقام هكذا أصبحت الطريق ممهدة أمام
هيكل ليكون الوحيد في مصر الذي يحصل على نسخة من أخطر تقارير أجهزة الدولة وقرارات
رئيس الجمهورية، إلى أن تورط مصطفى أمين في قضية التجسس الشهيرة لحساب الولايات
المتحدة.
مصطفى أمين كان جاسوسا حقيقيا للأمريكان , ولكنه فعل ذلك تقرباً لعبد الناصر واتقاء شره!!
تلك كانت قضية حقيقة ومتكاملة الأركان، بل استعان فيها صلاح نصر بأساليب
مبتكرة للإيقاع به متلبسًا، من بينها تجنيد فنانة شهيرة كانت ترتبط بعلاقة عاطفية
مع مصطفى أمين، ونجحت المخابرات في الضغط عليها لتوفير أدلة وقرائن تثبت تورطه في
القضية، كما تم تجنيد طباخه الخاص، ليزرع أجهزة التنصت والتصوير في شقته في
الزمالك.
لكن للحقيقة كان مصطفى أمين يؤدي دورًا مهما لتوصيل رسائل عبد الناصر إلى
الأمريكيين،وكان يمارس هذا الدور تطوعًا لكسب ود عبد الناصر، واتقاء شره أو تجنب
السقوط في مكائده.
لكن كل هذا لم يخفف من محاكمته، وتوقيع العقوبة عليه، رغم كل
الضغوط والوساطات التي مارسها صحفيون وزعماء عرب كانوا يتعاطفون مع مصطفى أمين" ويزعم شمس بدران أن هيكل أدى دورًا خفيا فيما
أطلقوا عليه "مذبحة القضاة"، وكان يقدم التبرير اللازم لتوجيه الرأي
العام نحو تأييد مثل هذا النوع من التوجهات، التي كانت تفسح في المجال أمام تتويج
عبد الناصر حاكمًا بأمره لمصر دون منازع أو حتى رقابة تراجع قراراته أو تناقشها
وتبدي الرأي حولها.
هيكل هو من أسماها "نكسة"
ونصل إلى هزيمة 1967 التي سعى هيكل بكل الوسائل إلى تسميتها "نكسة"
بدلًا من هزيمة، اعتقادًا منه أنها أقل وطأة من الهزيمة، وأن هذا المصطلح كان يرضي
صديقه عبد الناصر ويوحي بأنه غير مسئول عنها، بل ربما كان ضحية لها أيضًا، ففي
تقديري أن هيكل يعتبر الشريك الرابع الذي يتحمل مسئولية هزيمة مصر في يونيو
1967،فإذا وزعنا المسئولية بالترتيب يأتي عبد الناصر في المقدمة،ثم عبد الحكيم
عامر،فمحمد فوزي،فهيكل.
فضيحة سر السجن الحربي وحمزة البسيوني
ويقول" أثناء التحقيق في قضية "الإخوان" العام
1965 طلب عبد الناصر مني السماح لهيكل بزيارة السجن الحربي للتعرف على مجرى
التحقيقات، وعندما حضر ورأى ما يفعله ضباط السجن الحربي تحت قيادة حمزة البسيوني
وأطقمهم،سألني عن أي أخبار للنشر،فأعطيته خبرًا، وطلبت منه أن لا ينشره إلا بعد
يومين، وبعد أن يكون التحقيق قد تم مع بعض المتهمين، ثم فوجئت بنشر الخبر في اليوم
التالي في "الأهرام"، كما نشر بعض التعليق على ما كان يفعله حمزة
البسيوني وفرقته، وعندما علم عبد الناصر بذلك، أمره أن يذهب ليقابلني في منزل
المشير عبدالحكيم عامر ليعتذر عما نشره، وحضر فعلا واعتذر، ثم قال لي إن كلا منا
له الهدف نفسه! بعد ذلك سألني سامي شرف عما جرى في زيارة هيكل للسجن، فأخبرته أنه
رأى حمزة البسيوني وأطقمه، وكذلك رأى طريقة الاستجوابات العنيفة، وعلق سامي شرف
على ذلك قائلا:”هذا مفيد جدا لأن ذلك سوف يجعله منضبطًا طول عمره!
لكنني غضبتُ جدا
لنشره ذلك الخبر مع علمه أن ذلك يؤثر على مجرى التحقيق. والحقيقة لم يكن لي أي
علاقة مباشرة معه في العمل، فلم أكلمه أو أتصل به هاتفيا إلا نادرًا وأنا في
الخدمة، بل كنت أحرص على تجنب الاحتكاك به في أي علاقة اجتماعية خاصة، وأذكر عندما
التقيته مرة في منزل عبد الحكيم عامر، تعاملت معه بطريقة أشعرته بالخطأ الذي
ارتكبه في واقعة النشر بعد زيارته للسجن الحربي". ..
شمس بدران : هيكل كان يقتل القتيل ويمشي في جنازته
ويقول عن هيكل " المدهش أن الوحيد الذي حاكم الجميع عن هذه الهزيمة ولم يُحاكم أو حتى يستدعى هو هيكل، فهو يملك من البراعة والذكاء ما يجعله يُخرج نفسه من أي مأزق مهما كان تعقيده أو تشابكه، فهو عند الجد يزعم أنه مجرد "جورنالجي" لا دخل له بالقرارات السياسية أو القضايا الحربية لكن حقيقة الأمر هو المحرك الحقيقي لغالبية الأحداث التي شهدتها مصر بين عامي 1956 و1967."يقتل القتيل ويمشي في جنازته" .
ويقول: هذا هو هيكل، وهذا هو سلوكه طوال حقبة عبد الناصر، وأتصور أنه كان بوسعه أن يؤدي دورًا أكثر إيجابية في الكثير من المواقف الحاسمة، كما كان بمقدوره أن يغير رأي عبد الناصر تجاه الكثير من القضايا، بما كان له من تأثير السحر على الرئيس.
ولماذا لم يفعل ذلك؟ربما لأنه لم يرغب في إغضاب عبد الناصر أو مضايقته أو ترسيخ فكرة أنه معارض لتوجهاته أو صاحب مصلحة، كما أنه ربما رأى أن تمرير بعض هذه القرارات سوف يصب في مصلحته في نهاية المطاف، فكان يفضل أن يمسك العصا من المنتصف للنأي بنفسه عن التورط في أي قضية أو تحمل مسؤوليتها، حتى يظل دائمًا هو القاضي والحكم أمام التاريخ والأجيال الجديدة التي لم تعاصر تلك الأحداث لقد كنت قريبًا من عبد الناصر، وكنت أتابع تلك العلاقة التي تربطه بهيكل، فقد كان أقرب إليه في أحيان كثيرة من المشير عامر ومني، ومن جميع أعضاء مجلس قيادة الثورة، وأذكر أن أربعة أشخاص كان لديهم الحق في لقاء عبد الناصر في أي وقت والاعتراض على قراراته أو إبداء الرأي فيها، هؤلاء: المشير عامر، وأنا، وشقيق زوجته، وأخيرًا هيكل.وتصوري أن هيكل كان الأخطر من حيث التأثير، ونظرًا إلى طبيعة علاقاته كصحفي يتمتع بشبكة علاقات دولية واسعة، ويحتك بالمجتمع أكثر منا جميعًا،لذلك كان تأثيره في القرارات السياسية أكبر من أي شخص آخر، لهذا أحمله مسئولية كبيرة في هزيمة يونيو1967، وكان يجب تقديمه للمحاكمة بناء على دوره في تبرير كل قرارات عبد الناصر مهما كانت خطورتها ونتائجها الكارثية .
بل أنى لساعات كثيرة كنت افكر فيه باعتباره جاسوس امريكى عال المستوى !.
وإذا
كان بعض الكتاب استشهد ب«،محمد حسنين هيكل والقيسونى وصلاح نصر والفريق مرتجى
والفريق أنور القاضى» وهم شهود على الفترة والحدث وقد جاء مجمل شهادتهم يؤكد فداحة
الثمن مادياً ومعنوياً، الذى خسرته مصر باليمن. وأن عبدالناصر أدرك فعلاً أن اليمن
هى فتينام العرب، بل إنه حمل السادات بعد ذلك مسئولية هذه«الورطة» على أساس أن
السادات هو الذى أشار عليه بتوسيع حجم العمليات العسكرية المصرية فى اليمن.ولكن هناك شبه اجماع
من المؤرخين، على أن عبدالناصر هو المسئول الأول عن قرار التدخل، وذلك لدوره
المحورى فى صنع القرار فى كل المجالات وبخاصة فى السياسة الخارجية، وقد أكد هذا
الدور دستور 56، ودستور 58 و1964 وكانت المؤسسات الأخرى «مجلس الأمة والاتحاد
الاشتراكى - مجلس رئاسة الوزراء - وزارة الخارجية» هامشية، فاقدة التأثير، لذلك
كانت عملية صنع القرار بين يدى عبدالناصر وحده، تخضع لفكره وإرادته ومهمة الجيش
تنحصر فى التنفيذ.
السادات ورط مصر في حرب اليمن
وجعلت مذكرات شمس بدران "حرب اليمن" فى عنق
السادات وكأن السادات إذا قال سمع عبد الناصر ونفذ؟! بل وربطها بفضيحة حيث ادعى
ارتباط السادات بعلاقة منفلتة مع امرأة يمنية ،كانت زوجة لمسئول كبير باليمن وعرف
منها أن حكم الامام البدر يعانى من حركة لثوار وانهم يستحقون المعاونة فأخبر ناصر
الذى رحب بمعاونة الثوار كما حدث فى الجزائر والعراق وارسل فرقة من الصاعقة ،ثم وصل
الامر لوصول نصف الجيش المصرى لحرب اليمن؟! ويدعى
أنه سمع ذلك من عبد الناصر والفريق عبدالمنعم خليل
.
اعترافات رئيس علميات القوات المصرية :
ولكن
الفريق خليل يقول بمذكراته
" إن القاهرة كانت خلال شهر أغسطس/آب 1962 على علم بوجود تنظيم للضباط
الأحرار فى اليمن يقوده العقيد على عبد المغنى، وأن هذا التنظيم يرتب للقيام
بانقلاب على حكم الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين الطاغية كما كانوا يسمونه هناك.
وكان أنور السادات على علاقة ببعض اليمنيين هنا وهناك،وكان تقدير مصر الرسمى فى
حالة حدوث ثورة يمنية ضد حكم الإمام أحمد هو أن السعودية في الشمال والإنجليز في
عدن بالجنوب قد يقفون ضد الثوار ويدعمون موقف الإمام أحمد.
ولما توفي الإمام
أحمد خلفه ابنه الأمير محمد البدر ولي العهد وفي صباح يوم 26 سبتمبر/أيلول 1962
أذاعت صنعاء أن العميد عبدالله السلال قاد الانقلاب ضد الأمير محمد البدر ــ إمام
اليمن الجديد ــ واستولى الجيش اليمني على السلطة بعد معركة مسلحة قيل إن الإمام
البدر قد قتل فيها.
واعترفت
مصر بالنظام الجمهوري في اليمن،وقرر جمال عبدالناصر التعرف على الموقف في اليمن على
الطبيعة،فأرسل السادات ومعه كمال رفعت عضوي مجلس الثورة لاستطلاع الموقف ومعهما
وفد من ضباط العمليات.ولما
عاد السادات من صنعاء بعد 36 ساعة كان تحمسه للتدخل المصري في اليمن واضحا؛ فقد
اقترح إرسال سرب من الطائرات المصرية إلى اليمن،فهو وحده كفيل بإجبار القبائل على
التجمهر (أي تأييد الجمهورية)التي جاءت على أنقاض الملكية.
وكانت هذه الفكرة بداية
التدخل الإجباري الجوي والبري والبحري بالرجال والعتاد والسلاح والمال والذهب وكل
شيء.وكان
الأمير الحسن عم الإمام محمد البدر قد عاد إلى السعودية، حيث اتخذ نجران قاعدة
لإمداد القبائل بالذهب والريالات والسلاح والذخيرة والمعدات، للوقوف مع الملكية ضد
الثورة، وكان الذهب له بريقه الخاص في جذب النفوس إلى تحقيق ما تريده اليد التي
تعطى.