كتب أشرف مصطفى توفيق :
-
"فليتم الزواج، ولكن عليكم من فضلكم إحضار أحد كي يعلم
هذا الشاب الإتيكيت، لأنه لا يعرف آداب المائدة!!" الملكة نازلي"
- اعتبرُ هذا الزواج لمصلحة متبادلة
تقوم على السياسة وليس على العواطف ( حسنين هيكل)
- إن للملك فاروق أربع أخوات.. أليس من الممكن أن يصبحن وسيلة لنشر
نفوذ مصر في المنطقة كلها، وبقليل من الحظ يمكن أن توجد لهن عروش مختلفة، على أن
تكون طهران هي البداية!! " على
ماهر"
- يجوز الزواج شرعا
فهم على قبلتنا وقرآننا... (شيخ الازهر: المراغى).
وفجأة بدأ مسار حياة الأميرة فوزية يتغير كليًا
فقد وصل
إلى مصر رئيس وزراء إيران واتصل سفير إيران في القاهرة بوزير الخارجية المصري وطلب
نقل الرغبة الإيرانية بأن الشاه رضا بلهوي يرغب في أن تكون المصرية فوزية عروساً
لابنه وولي عهده محمد رضا والذي سيتولى العرش من بعده على إيران، وكان رد فاروق
المتميز لحاشيته. إنهم من المسلمين الشيعة. ولكن مستشاريه أبلغوه أن ذلك ليس عقبة خطيرة
في طريق الزوج وأنه إذا كان هناك رفض يجب أن يتأسس على أسباب غير دينية لحساسية
ذلك، فقال فاروق:"إن إيران بعيدة جداً فهل ستكون فوزية سعيدة هناك!؟"..
كان يبدو أن فاروق غير متحمس للفكرة ولكنه أعطى رده
أخيراً قائلاً "الأمر متروك لفوزية وسوف أوافق على قرارها".
ولكن هناك
رأيًا يرى أن الملك فاروق وافق على ذلك فوراً لغرض ما في نفسه فقد اعتبر أن هذه
الزيجة نقطة مهمة وإيجابية في تحقيق حلمه بأن يكون خليفة للمسلمين ليس في مصر
وحدها ولكن في العالم أجمع، وهو الحلم العثماني الذي يشغل كل المنتمين إلى الأسرة
الملكية وبالطبع فإن أصهاره على العرش الإيراني سيوافقونه فيضمن بذلك صوت الشيعة
بجانبه.
وقد تكتم
فاروق الخبر على أمه "الملكة نازلي" التي كانت مسيطرة على كل الأمور في
ذلك الوقت، وقد طلبت الأميرة "فوزية" أن تطلع على بعض الصور والمعلومات
عن الأمير والزوج المرتقب قبل أن تبدي رأيها ووافقت مختارة بعد أن اطلعت عليها،
وبسرعة أبرق الملك فاروق إلى السفارة الإيرانية بالموافقة.وثارت الملكة نازلي لعدم
استطلاع رأيها حيث كانت تدرك أن موافقة "فوزية" ليست أكثر من رغبة في
التحرر من الحياة التي تعيشها وتمسكت بمعارضتها، فقد كانت تفضل أن تتاح لابنتها
الحرية في التعرف على زوج تختاره وتحبه بدلاً من الزواج الذي غلب عليه الطابع
السياسي؛ فقد كانت تعتبر نفسها ضحية لزواج من هذا النوع، فقد أرادت أن تجنب ابنتها
ما تعرضت له من تعاسة لمدة سبع عشرة سنة إلا أن إصرار "فوزية" على
الموافقة جعلها تبدي موافقة ضمنية وأن تكون الموافقة بالخطبة على أن يكون هناك
تمهل في إتمام الزواج.
وبدأ
الاستعداد الفوري للزواج الملكي، وسلم "جواد سنكي" سفير إيران بمصر
قصراً باسم الأميرة فوزية هدية من الأمير محمد رضا بهلوي تقديراً واعتزازاً
بخطبتها، وحضر رئيس وزراء إيران بنفسه ليتفقد القصر ويجعله لائقاً بالإمبراطورة
القادمة وأقيمت مجموعة من الاحتفالات شارك فيها الموسيقار "محمد عبد
الوهاب" وغنى قصيدة للشاعر الإيراني "مهيار الديلمي" والتي يقول
فيها الشاعر: "وأبي كسرى على إيوانه. ليس في الناس أب مثل أبي"
"وقد ضمنت المجد من أطرافه.. سؤددَ الفرس ودين العرب" وقبل أن تعود
البعثة الإيرانية إلى طهران كانت "الخطبة" قد أعلنت رسمياً.. وتحدد موعد
زيارة الأمير محمد رضا بهلوي إلى القاهرة. وأصرت الملكة نازلي على أن يعرض عليها
البرنامج التفصيلي لحفلات القران في القاهرة وطهران، واستغرب والد العريس ما الذي
يجعل الملكة نازلي تتدخل في احتفالات عقد قران ابنه في طهران، ولكن الملكة نازلي
قدمت لسفير إيران في مصر طلبًا بأن تستمر احتفالات الزفاف لمدة أسبوع كامل يتخللها
افتتاح دار الأوبرا الإيرانية الجديدة.ونقل سفير إيران ذلك للإمبراطور الوالد
"الشاهنشاه" الذي وافق عليه بعد تردد وامتعاض ربما أقل من الامتعاض الذي
أبدته الأميرة "فوزية" نفسها في مواجهة أمها "الملكة نازلي"
ولأول مرة فقد اعتبرت الأميرة "فوزية" ما تفعله أمها بمثابة محاولات
خفية لعدم إتمام الزواج، وقالت لها أمها عبارة "بلدي" : "يجب أن
يعرفوا قيمة من يريدون مصاهرته!".
وفي 21 مارس
عام 1939 تولى عقد القران الشيخ "محمد مصطفى المراغي" شيخ الأزهر،
واستمر الاحتفال بعقد القران لمدة خمسة أسابيع بصورة أسطورية، وفي الزفة غنت أم
كلثوم ورقصت بديعة مصابني، وقام الملك فاروق والملكتان "فريدة ونازلي"
إلى البوفيه وتبعهم المدعوون، ثم استقل العروسان زورقًا يطوف بهما بحيرة حديقة
القصر في مشهد من مشاهد ألف ليلة وليلة.
وفي اليوم
التالي أبحرت الباخرة "محمد علي" لتقل ركب الزفات الملكي وأصرت الملكة
نازلي على أن تذهب مع ابنتها ومعها أعداد كبيرة من الحاشية والوصيفات، وحينما أصر
عبد الوهاب على أن يكون في وداع الزفاف الملكي أجبرته نازلي على أن يركب من
الإسكندرية ويهبط بعد ذلك في أقرب ميناء ترسو عليه الباخرة، وأطاع عبد الوهاب
الأمر الملكي.. وأعاد عبد
الوهاب قصيدة "مهيار الديلمي" في حضور الأميرة، وفي هذه المرة استعرضت
الملكة نازلي مواهبها فشرحت معنى القصيدة _التي تشيد بالفرس_ للأميرة المقبلة على
الزواج ثم دار حوار حول الموسيقى الإيرانية، وكان هناك كلام أن يقوم عبد الوهاب
بعمل أسطوانة لهذه الأغنية يغنيها ملحنة بالموسيقى الإيرانية، وطلبت الأميرة
"فوزية" ذلك من عبد الوهاب كهدية لزفافها وكتب "عبد الوهاب"
كلمات الأغنية وأعطاها لها لتلحن باللحن الإيراني. ومنذ اللحظة الأولى للوصول
لطهران حدث صدام الحموات حيث لم تراع الملكة نازلي موقعها وبدأت تحصر الهدايا التي
أرسلت للترحيب بهم والتي تحملها ثلاث سيارات ثم أصدرت أمراً بإرسال هذه الهدايا
إلى جناحها الخاص على ألا يفتحها أحد غيرها، فاضطرت الإمبراطورة "تاج
الملوك" أم العريس أن تتدخل لتؤكد للملكة "نازلي" أن الهدايا قدمت
للعريس وليس للعروس ولكن الملكة نازلي أصرت على وجهة نظرها، ثم تكرر الصدام عندما
اعترضت على تخصيص خادمة واحدة لابنتها وأصرت أن يكون العدد عشرة خدام.
وعندما تدخلت الأميرة
"العروس" ومحاولة إثناء أمها عن تشددها نهرتها أمها أمام الجميع قائلة: "يبدو
أنك لا تعرفين كيف تكونين ملكة" ومنذ ذلك الوقت نفضت "فوزية" يدها
من أمها وقالت لزوجها أنها لن تتدخل. وحينما تكررت
التصرفات غير اللائقة من الملكة "نازلي" _حينما طلبت فحص البطاقات
الموجودة على الموائد وجعل أهل العريس في جانب وأهل العروسة في جانب آخر_ اتجه
الإمبراطور الأب بنفسه وجذبها من ذراعها ليعيدها إلى مكانها بين المدعوين.
إلا أنهم في اليوم التالي
فوجئوا في قصر الضيافة الخاص "بنازلي" بحفل راقص راقصت فيه الملكة نازلي
شاباً أجنبياً، وغضب الإمبراطور وطلب من الأميرة أن تتدخل معتبراً ذلك مخالفاً
للعائلات الإسلامية. وحينما نقلت وجهة النظر هذه الأميرة "فوزية" إلى
أمها الملكة نازلي قالت لها "قولي له أن الفلاحين في مصر مازالوا ينظرون لمثل
هذه الأمور بمثل هذه النظرة الرجعية". وكان الرد قاسياً حيث انسحب العريس تاركاً زوجته وابتلعت فوزية الإهانة التي لم تعرف من أين أصابتها: من
زوجها أم من أمها؟!
وحينما
انفجرت الأميرة "العروس" في البكاء وعلم بذلك الإمبراطور بهلوي
"الأب" أسرع إليها يطيب خاطرها وطلب من ابنته "أشرف شاه" أن
تصحبها في جولة في طهران وشعر بأنها تختلف عن أمها تماماً..كان من الواضح رغم
الحفاوة الحارة _ التي استقبلت بها الزيارة الرسمية المصاحبة للأميرة فوزية _ إلا
أن الشاه لم يكن سعيداً بطرق الملكة نازلي المتحررة وتصرفاتها والمآدب الباذخة
التي أقامتها، بل إنه اعتبرها تملك قدراً من التحرر الأنثوي قد يكون خطيراً في
إيران!
وبخاصة أن الحرملك كان هو مكان
الإمبراطورات الإيرانيات، فقد كان الشاه "الأب" قد تزوج عدة مرات من
العائلات القبلية في إيران؛ فإذا كانت سيدات البلاط الإيراني قد ارتدين الفساتين
ووضعن عطور شانيل "الباريسية" إلا أن الشادور "النقاب
الإيراني" بقي موجوداً يحرك الأحداث، بل إنه ما أنت انتهت الزيارة حتى أمر
الشاه "الأب" بنفي الرعايا الذين أثاروا استياءً من الضيافة إلى السجون
العديدة، بل إنه رفض مناقشة مثل هذه الاستياءات حتى لا يصل هذا الحوار لسيدات البلاط.
ولم
تستطع الملكة "نازلي" أن تتجنب إحساساً بالخوف على ابنتها من نوع هذه
الحياة في البلد القديم وقد قالت لها وهي تودعها: "قلبي يحدثني أن هذا الزواج
سيفشل".وكانت تصرفات الملكة "نازلي" فوق المحتمل، فحينما ركبت
الباخرة "محمد علي" في طريق العودة لمصر ادعت أن حقيبة مجوهراتها قد
سرقت ووجدوا لها الحقيبة، وبالرغم من أن الحقيبة لها مفتاح وحيد لا يفارقها إلا
أنها عادت تصرخ بأن مجوهراتها اختفت وأن الحقيبة فارغة، وحينما أصر الشاه على
تفتيش الباخرة قبل
الإقلاع قالت الملكة نازلي: إنها
تذكرت أنها قد نقلت مجوهراتها إلى حقيبة أخرى.
وهنا
تدخلت أخت العريس الأميرة "أشرف شاه" الشقيقة التوأم له والتي تمتلئ
نشاطاً ومرحاً واندفاعاً لتقول عبارة قطعت كل أواصر المحبة بين الأسرتين، فقد ادعت
بأن "نازلي"
سرقت بعض هدايا العرس وحينما عادت "نازلي" أثارت الموضوع لابنها فاروق
حتى أنها أدعت أن فوزية بهذا الزواج تصبح أتعس إنسانة في الوجود. ويقول البعض أن
الأمر قد وصل إلى حد ادعاء أن الأميرة المدللة المهذبة يضربها زوجها بالكرباج
وأنها موضع إهانة جميع من في القصر..!
وما أن
استقر أمر زواج الأميرة "فوزية" حتى بدأ الملك فاروق في الاستفادة
السياسية منه، وفعلاً أرسل للإمبراطور الفارسي في شأن الخلافة الإسلامية، ولكن
الإمبراطور يبدو أنه هو الذي كان يعد نفسه لذلك فثار قائلا: "إذ كان هناك من يصلح لهذه المهمة الصعبة فهو أنا ولا أعتقد أن فاروق
يستطيع أن يكون خليفة للمسلمين وبلاده محتلة من الإنجليز".
وبالطبع
أثر كل ذلك على الملكة "فوزية" وعلى هذا الزواج، وبدأت الأخبار تأتي من
طهران عن أشياء عجيبة وغريبة تحدث للأميرة فوزية، منها أن هناك مشكلة دستورية تحول
دون أن تجلس فوزية على العرش الإيراني وتحول دون أن ترث ذريتها هذا العرش، فسارع
الإمبراطور "رضا بهلوي" باستصدار قانون من البرلمان الإيراني بأن
"فوزية" إيرانية وبالتالي فأولادها إيرانيون. وإذا كانت هذه المشكلة قد
حسمت فإن هناك مشكلة أكثر حساسية كانت في مدينة "قم" مرکز آيات الله
والمدينة الدينية حيث كان هناك صعوبة في إقناعهم بأن تجلس على عرش إيران إمبراطورة
"سنية" وهم شيعة!. في نفس الوقت الذي حلت الوصيفات الإيرانيات محل
المصريات في بلاط فوزية، وكان هناك ما يشبه تعليب "فوزية" وتحويلها إلى
رحم يلد ولي العرش، وهي مشكلة تؤرق كل الأنظمة الملكية الوراثية. وكان غريباً أن
يعلن إيران بعد أقل من شهر من الزواج أن الأميرة قد شعرت بأعراض الحمل وأن هناك
لجنة من الأطباء قررت ذلك.
وقررت
الملكة "نازلي" أن تسافر لتكون مع ابنتها في مثل هذه الظروف، وجاء الرد الإمبراطوري برفض حضور الملكة "نازلي" لظروف
الحرب حيث كانت الحرب العالمية الثانية قد بدأت تكشر عن أنيابها، ولم تيأس
"نازلي" ووسطت حرم السفير المصري في طهران لترسل "فوزية"
إليها لتلد في مصر ولكنها تلقت رسالة فهمت منها أن هذا لن يحدث فاقترحت أن تحضر "فوزية" للقاهرة وتقيم
في السفارة الإيرانية باعتبارها أرضاً إيرانية. وضاق بذلك الأمير
"الزوج" وطلب من وزير الخارجية المصري اعتبار ذكر أي كلام عن ولادة
الأميرة فوزية حديث غير مرغوب فيه وأنه لا حضور لفوزية ولا استقبال لنازلي.
واستثار هذا الرد توتراً حقيقياً من جانب "نازلي" و"فاروق"
وبخاصة حينما تجاهلت إيران الذكرى الثالثة لجلوس الملك "فاروق" على
العرش.
وبدأت
شائعات عن أن هناك محاولة لسحر فوزية ومحاولة أخرى لتشييعها _ أي جعلها
"شيعية" _ بل أن هناك شائعة أخرى بأن الإيرانيين يقومون بدس السم لها
ببطء.
في هذا الوقت وضعت الأميرة فوزية
ولكنها وضعت بنتاً في حين أن المطلوب ولد.. ولي عهد يرث عرش الطاووس بعد وقت طال
أو قصر، ولكنها كانت بنتاً واسمها "شاهيناز"، وقامت الدنيا ولم تقعد، تعرضت الأميرة لتعنيف من
الأميرة "أشرف شاه" ولم يعن بتمريضها فأصيبت بحمى النفاس.
وفي
نفس الوقت قامت الحرب العالمية الثانية، وكان هناك تفكير بتهجير الأسرة الملكية
الإيرانية بمن فيهم فوزية بعيداً عن العاصمة طهران.. ويدخل الحلفاء إيران وخلع
"الشاه الأكبر" ويجلس على العرش "محمد رضا بهلوي" وتصبح فوزية
إمبراطورة بالتبعية ويرحل كل من في القصر ولا يترك إلا "الزوج والزوجة"
ليحكما إيران ومعهما النمرة السوداء "أشرف شاه بهلوي" أخت الإمبراطور
"محمد رضا" التوأم التي تصبح عدوة تلقائياً لكل من ينافسها على حكم
البلاد وقلب الشاه "أخيها الإمبراطور".
وهكذا
نقل محمد رضا بهلوي من "الشاهبور" وهو لقبه الرسمي کولي العهد إلى
"الشاه" إمبراطور إيران. ولدهشة الجميع لم يكن زواج فوزية والشاه
زواجاً تعيساً لكنه أبداً لم يكن سهلاً بالنسبة للأميرة فوزية؛ فقد كانت الكتب
التي أطلقت عليها والصورة التي رأتها _وجعلتها
توافق على الزواج_ غير الحقيقة، فالصورة بدا فيها العريس ذا شخصية ملهمة لكنه في
الواقع بدا سقيماً وتعيساً، بل إن البلاط المصري المحنك حينما فحص هذا الشاب في
حفل القران بكثير من حب الاستطلاع بدا لهم خجولاً إلى درجة محرجة، مفتقداً للثقة
بالنفس. بل إن عبارة أبيه الشاه الأكبر الذي لم يعتد إخفاء مشاعره أصبحت محل دراسة
للبلاط الملكي المصري حينما قال "إن الطبيعة لا بد أن تكون قد خلطت الأمور في
رحم زوجته إذ كان يجب أن تكن "أشرف" هي الولد، و"محمد رضا "
هو البنت" فإنها قد جعلت أخته التوأم الأميرة "أشرف" أكثر تمرداً
وتنمراً.
ورغم
كل ذلك فإن طبيعة الأميرة "فوزية" المحبة للاستقرار قد جعلتها تطمئن
لوضعها في القصر بعد أن صارت إمبراطورة بالفعل على العرش وأحبت هذا الضعف في زوجها الذي أصبح يدعوها لتشاركه بعض أعماله وتساهم في الأمور العامة، بل
إنها في يوم ۲۱ فبراير1942
وبعد بضعة أيام من حادث 4 فبراير الشهير _ حيث دخل الإنجليز قصر أخيها فاروق
بعابدين بالدبابات _ طلبت الأميرة فوزية أن يسمح لها بزيارة خاصة لمصر لتكون بجانب
أخيها وقد وصفت صورتها وقتها _ بعكس كل ما أشيع من قبل _ فقد كانت شبيهة بالممثلة
"فيفيان لي" وكان واضحاً أن الإيرانيين قد استطاعوا أن يحولوها إلى طيف
من الفتنة بما استخدموه من ماكياج كان واضحاً فيه الفنون الحديثة لمصنع جاذبية
هوليوود.
إلا أن
هذه الزيارة قد جعلت الملكة "نازلي" تشعر أن ابنتها متخلية تماماً عن
عرشها كإمبراطورة وبخاصة عندما قررت الأميرة "أشرف بهلوي" أن تحضر معها
هذه الزيارة، بل إنها قد تجاوزت حدودها وكأنها ترد على ما فعلته "نازلي"
بالبلاط الإيراني من قبل حينما شاهدها الجميع تتبادل النكات وتلكز _بضلعها_ الملك
فاروق. بل إنها دبرت أن تغلق باب إحدى المقصورات العليا على نفسها ومعها فاروق وكان يسمع الجميع ضحكات عالية وصرخات أنثوية طويلة
حتى إن الملكة "فريدة" استبد بها الغضب وأصبحت عاجزة تماماً عن إخفاء
توترها ولكن الأميرة "فوزية" _ أو الإمبراطورة الآن _ لم تقم بأي شيء
على الإطلاق.
ومع
تكرار الزيارات بين القاهرة وطهران أصبحت فوزية تشكو من أنها غير مقبولة من أم
الشاه الجديد "تاج الملك" والتي تتهمها بأنها تتعامل مع الأرستقراطية
القديمة بالإضافة إلى حكاية أصبحت ترددها الأميرة "أشرف شاه" "من
أن فوزية أصبحت عقيماً وغير قادرة على الإنجاب وأنه قد آن الأوان "لمحمد رضا
بهلوي" أن يعود لحبه القديم من الفتاة الإيرانية الجميلة التي تركها تحت ضغوط
والده. وأن هذه الزيجة التي تمت بين "القاهرة وطهران" هي مجرد لعبة
سياسية لعبها أبوها ليثبت بها أسرته التي لم يكن لها أي جذور ملكية بين العائلات
الملكية في الشرق الأوسط.
وقد
أكد ذلك الأستاذ "محمد حسنين هيكل" في كتابه "مدافع آية الله"
حيث اعتبر هذا الزواج لمصلحة متبادلة تقوم على السياسة وليس على العواطف، فقد أعطى
"فاروق" تعليماته "لعلي ماهر" بأن يقنع أخته باستمرار الزواج،
وأن يوضح لها أهمية نشر نفوذ مصر في الشرق الأوسط، ومدى أهمية أن يكون حاكم إيران
المقبل نصف مصري، ووافقته
فوزية التي وصفها محمد حسنين هيكل بـ "العاقلة"، ولكن فوزية كما قالت
فيما بعد "كانت تشعر بأنها تلعب دوراً فرض عليها في رواية تاريخية وهو دور لم
تفهمه على الإطلاق"!!
ووقع الطلاق لم يكن مابين السنة والشيعة يسمح به رغم كونه زواجا شرعيا كما
افتى الشيخ المراغى وقد انغمست الاميرة "فوزية " بعد ذلك _ وبتدبير من
فاروق نفسه _ في أعمال البر، ومنحها فاروق رتبًة عسكرية وقامت بزيارة جرحى حرب
1948 في فلسطين، وقد صرحت ناهد رشاد في 31 مايو عام 1953 أثناء محاكمات الثورة بأن
الملك فاروق قد جعل الأميرة فوزية نائبة له وأنها تقابل زوجات الوزراء ورجال السلك
السياسي وتقوم بافتتاح الحفلات الخيرية، بل إنه بعد إبعاد الملكة فريدة عن القصر
كانت فوزية "أو العمة فوزية" هي التي تقوم بمصاحبة بنات فاروق في
نزهاتهن وبخاصة في الأوبرا
ولأن الشيء
بالشيء يذكر؛ فقد وجدت الأميرة فوزية لوحة زيتية لامرأة عارية في فيلا أنطوينادس
بالإسكندرية عقب استقبالها بمطار النزهة عند قدومها من إيران.
وحينما عين
فاروق "ناهد رشاد" وصيفة لها فيما بعد وأعطاها رتبة ضابط في الجيش، وقد
كانت تصاحب الأميرتين " فوزية وفايزة" في أعمالهما الخيرية تذكرت
الأميرة فوزية لوحة المرأة العارية وبخاصة أن ملامح المرأة ولون عينيها تشبهان _
لحد كبير _ ناهد رشاد فقالت لها عبارة نارية "أتمنى ألا تخلعي بعد ذلك زيك
العسكري!!؟"
هذه الصورة هي التي وجدها ضباط الثورة أعضاء
لجنة تصفية القصور الملكية فيما بعد وقالت عنها ناهد رشاد: لم تكن لي علاقة خاصة
بالملك فاروق أما الصورة التي طاردتني بسببها الشبهات وأسقطتني من عيون الناس فهي
مجرد لوحة زيتية مرسومة من خيال صانعها ولا ذنب لي فيها. نعم اللوحة وجهي والملامح
ملامحي والجسد جسدي ولكن لم يحدث أبداً أن سمحت بتصويري شبه عارية كما يدعي بعض
الضباط!
---
أشرف مصطفى توفيق
صحفي وكاتب مصري
نشر له العديد من الأعمال الأدبية
والمقالات والتحقيقات الصحفية