Header Ads Widget

مذكرات شمس بدران .. آخر مذكرات الضباط الاحرار بقلم أشرف مصطفى توفيق


كتب : أشرف مصطفى توفيق :
 كان شمس وزير الحربية اثناء نكسة 5 يونيو 1967.. وفى قصر الرئاسة ومعه آخرون لتقديم شكرهم الى الرئيس السادات على قراره بالافراج عنهم فى 23 مايو1974بعد سنوات قضوها فى السجن بدأت فى اغسطس 1968 وفى هذه المقابلة انشغل الحاضرون بسؤال ماذا سيفعلون فى المستقبل ؟؟.
سأله الرئيس السادات "ماذا ستفعل ياشمس؟؟".
شمس بدران

     فرد شمس: سوف اسافر؟
    واصل السادات والى اين ستسافر؟"
     فاجاب "الى باريس "..
ودون تردد قال السادات: 
سوف امنحك جواز سفر دبلوماسى ليسهل عليك عملية السفر
والإنتقال.                                                                                         
كان "بدران يقضى عقوبة الاشغال الشاقة المؤبدة باعتباره المتهم الاول فى قضية "قلب نظام الحكم ..والاستيلاء على السلطة بالقوة ".. وكان معه فيها عباس رضوان وزير الداخلية وصلاح نصر رئيس جهازالمخابرات وحمزة البسيونى مدير السجن الحربى ..وجلال هريدى مؤسس سلاح الصاعقة (وهؤلاء هم المعرفون برجال المشير عبد الحكيم عامر) وكانوا رأس حربة فى  قصة الصراع الشهير الذى تفجر بين ناصر وعامر بعد نكسة يونيو 1967وانتهى بانتحار المشير عامر والقبض على هؤلاء ال50 وتقديمهم الى المحاكمة ..
بدران،الذى كان يعتبر خزانة أسرار الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، قال فى مذكراته ( إنه بعد مرور كل تلك العقود يفتح خزانة أسراره، ويروى للمرة الأولى بعد صمت طويل ما جرى خلف جدران القصور الرئاسية وفى مقرات مفاصل الدولة المصرية)
شمس والسادات
شمس بدران لا يتحدث فقط فى الشأن السياسى،إنما يطل على الجوانب الإجتماعية والنفسية فى حياة كل شخص من الذين يروى عنهم،كما يكشف عن نزوات بعضهم،نقرأ أيضاً قصة تعيينه لساعات عدة رئيسا للجمهورية كما يكشف عن الأسباب الحقيقية لهزيمة يونيو 1967 وتآمر الروس والأميركيين على بلاده، ودور أنور السادات فى توريط مصر بحرب اليمن وعلاقة عبدالناصر بحمزة بسيونى،بالإضافة إلى العديد من الأسرارعن أهل الفن وعلاقتهم بصناع القرار فى مصر فى تلك المرحلة.
واللافت أن الرجل احتفظ بأسراره لنفسه إذ لا يعرف حتى أفراد أسرته الكثير عن شخصيته العسكرية ودوره فى مصر، ولذلك فى إحدى المرات حذر "حمدى الحسينى" كاتب المذكرات من الاستفاضة بالحديث مع زوجته عن شخصيته العسكرية ..والمثير ان اسرته بما فى ذلك زوجته لايعرفون اى شىء عن ماضيه السياسى فى مصر كما اكد هو فى مذكراته.؟!
ولهذا فإن ما يرويه شمس بدران هو فى جانب منه سبر أغوار هذه الشخصية التى حاولت لسنوات طويلة الاحتفاظ بأسرارها إلى الأبد،لكن هناك فى المنفى حيث يقيم حتى اليوم فى بريطانيا استطاع فتح هذه الخزانة ربما لأن بدران أيقن بعدما وصل إلى هذه السن (مابعد ال80) أن من حق المصريين عليه معرفة ما خفى عنهم فى تلك المرحلة ..ومما يحكيه أنه  كان جاهز بمذكراته  منذ 1980 وفى 1980 تعاقد بالفعل على نشر مذكراته التى أرسلها إلى إبراهيم نافع لتنشرها (الاهرام) وحدث أن قام صلاح منتصر المحرر فى جريدة الأهرام بنشر خبر على الصفحة الأولى لأحد المتهمين فى قضايا السرقة والتهرب من الجمارك، يقول فيه إن شمس بدران كان يمرر الموتوسيكلات على بطنه والحقيقة هنا أننى لم أر هذا المتهم فى حياتى،ولم تكن تلك القضايا تخصنى،بل كانت المباحث العسكرية تقوم بالتحقيقات فى هذا الموضوع بتكليف من عبدالحكيم عامر..- وتبع ذلك أن كتب الأخوان على طريقة التعذيب بالموتوسيكل معهم بالقطع زورا وبهتانا ووتاثرا بمقال الاهرام-  وبعد نشر تلك المقالة قمت بإرسال خطاب ب«التليكس» لإبراهيم نافع معتذرا عن تنفيذ العقد لنشر مذكراتى،ليتاخر الأمر حتى 2016?!
المهم باح رجل الصمت وقال(بعد النكسة قاد عملية تنفيذ الانقلاب على عبد الناصر بتنفيذ الخطة  "نصر"..وتقضى كما يذكر هو فى مذكراته بنقل عامر من طائرة هليوكبتر الى وحدات الجيش لحشد الرأى العام فيها ضد عبد الناصر ثم نقله الى القيادة العامة فى حراسة قوات الصاعقة ليعلن فيها مطالبه فى مواجهة عبد الناصر التى تتضمن اعادة جميع الضباط المفصولين بعد النكسة الى الخدمة وعودة المحالين للتقاعد والمعزولين ) ويذكر بدران صراحة ( ان هذه الخطة تم نقلها الى امريكا عبر احد رجال العاملين المصريين الذين كانوا يعملون جواسيس لصالح السفارة الامريكية بالقاهرة ..وكان صلاح نصر هو صاحب هذا الاقتراح لمعرفته بهذا الجاسوس من خلال رئاسته لجهاز المخابرات ولم يذكر بدران من هو هذا الشخص ولكنه يؤكد انه يعمل فى مجال السياحة ومازال على قيد الحياة )..فشلت الخطة بعد ان تم حصار فيلا المشير عامر بالجيزة فى عملية قادها الفريق اول محمد فوزى وزير الحربية بعد نكسة 1967 واستسلم الضباط جميعا الذين يقيمون حول المشير ..وجرت محاكمتهم جميعا فى محاكمة عسكرية وكان بدران اول المتهمين وحصل على حكم بالاشغال الشاقة المؤبدة ..حتى قرر السادات الافراج عنه..ويكشف فى مذكراته انه بعد تولى السادات السلطة بعدوفاة عبد الناصر فى 28 سبتمبر 1970..توسط له عدد من الضباط والاصدقاء المشتركين بينهما للافراج عنه وعن ال خمسين ضابطا الاخرين الذين تم محاكمتهم عسكريا.. ولكن السادات طلب تاجيل هذه الخطوة وانهمك فى التخطيط لحرب اكتوبر ونسى الامر ..ثم تذكره بعد النصر شمل قرار الافراج صلاح نصر وعباس رضوان ويتذكر "بدران "بعدها بايام ذهبنا للقاء السادات فى قصر الرئاسة لتقديم الشكر..ولم يطلب منا السادات سوى شىء واحد هو الابتعاد عن العمل السياسى ..وانه مستعد لتشجيعهم لعمل اى نشاط تجارى بعيدا عن السياسة.
ويرفض بدران  فى مذكراته اى كلام قيل عن صفقة وقعها مع السادات للافراج عنه كما ينفى سماح السادات له بتهريب مبالغ طائلة تصل الى 6مليون جنيه ،آى أنه لم يتنازل عن ثروته التى تصل ل6مليون للدولة..ولم يسمح له بتهريب مبالغ طائلة تصل الى 6مليون جنيه ..
وسافر شمس بدران الى بريطانيا ليعيش هناك ويتزوج من بريطانية ويرزق منها بأبناء ويتحول لتجارة الجبنة "كل انواع الجبنة" ينقلها من اوربا للبلاد العربية، والغريب أنه يرجع موهبته فى التعرف على انواع الجبن،وتذوقها لعمله مع عبد الناصر. فيقول بمذكراته : " كان بمنزل جمال مخزن للجبن بكل انواعها وكان يحب الريكفورد وجبن مطبوخة فرنساوى..فهو عاشق للجبن وليس الجبنة البيضة وحدها"
يقول بدران "فى أحد الأيام وجدت مأمورالسجن أمامى،وقال لى إنه يرغب بالحديث معى فى مكتبه وهناك رن جرس الهاتف وسلمنى السماعة وغادر.كان المتحدث عبد الناصر،وبصوت مليء بالحزن لم أعهده فيه من قبل عاتبنى عتابًا قاسيًا على موافقتى ومشاركتى فى الانقلاب- مع جماعة المشير عامر- وأمور من هذا القبيل، ثم أبلغنى أنه فى أمس الحاجة لوقوفى إلى جانبه،وأنه يثق أننى من داخلى غير راض عما حدث منذ اللحظة الأولى للخلاف
شمس بدران
بعدها فاجأنى أنه مستعد للإفراج عنى شرط أن أقدم اعتذارًا مكتوبًا عن مشاركتى فى الانقلاب حتى يتسنى له تبرير قرار الإفراج عنى أمام الرأى العام لم أعلق على طلبه وأبلغته أننى سوف أدرس الموقف وأرد عليه وأنا فى داخلى كنت رافضا لهذا التصرف مهما كانت النتائج، لأننى عندما قررت الوقوف إلى جانب المشير لم يجبرنى أحد على ذلك، وكنت أعلم أن الأمر ربما ينتهى إلى هذا الوضع" ..ويقول "بناء على رفضى الاستجابة أو الرد على طلب عبد الناصر قدمت للمحاكمة على رأس قائمة تضم 50 متهمًا منهم: عباس رضوان (عباس عبد الوهاب أمين رضوان - 1921 2000-) والذى كان واحدًا من ستة ضباط اقتحموا مقر قيادة الجيش واقتادوا كبار قادة الجيش إلى سجن الكلية الحربية، كان له دور بارز فى حل أزمة الفرسان 1954م والتى جعلت عبد الناصر يعينه وزيرا للداخلية) وصلاح نصر، وحمزة البسيوني (اللواء حمزة البسيونى تخرج فى الكلية الحربية، وانضم إلى تنظيم الضباط الأحرار ليشارك فى ثورة 23 يوليو 1952 وهو برتبة رائد، وكلف بإدارة السجن الحربى فى عهد جمال عبد الناصر قبل أن يطلق الرئيس محمد أنور السادات سراح المعتقلين)، وجلال هريدى (الفريق فخرى (اللواء) جلال محمود هريدي، أسس أول فرقة صاعقة مصرية عام 1955، وقد نجا من حكمين بالإعدام، أحدهما فى سورية عندما كان قائدا للقوات فى محافظة اللاذقية خلال فترة الانفصال عن مصر عام 1961، كما حاكمه عبد الناصر بتهمة محاولة قلب نظام الحكم مع 70 ضابطا ليحكم عليه بالإعدام، وخفف بعدها الحكم إلى السجن المؤبد).

قلب نظام الحكم :

ويقول لم يتوقع ناصر رفضى لكل عروضه مقابل الإفراج عني، فكانت النتيجة أننى أصبحت المتهم رقم واحد فى قضية قلب نظام الحكم، والاستيلاء على السلطة بالقوة،تحملت الاتهامات بكل ما تضمنته من تلفيق،وظل يسيطر على هاجس أن الشخص الذى ينبغى وقوفه فى قفص الاتهام هو عبد الناصرنفسه ، لأن سياساته المتهورة وأفكاره الأحادية هى التى أدت بنا إلى هذه الحال المتردية ومع ذلك فإن الواقع فى مصر غالبًا ما يأتى على غير المتوقع، كأن هذا الشعب مكتوب عليه أن يزداد الظالم ظلمًا، والفقير فقرًا، والمريض مرضًا والجاهل جهلاً، فلا أمل حتى فى الثورة التى تعلقت آمال وطموحات الناس فيها لتخلصهم من الفساد والظلم والتسلط،فإذا بعبد الناصر ينفرد بالحكم ويحدد بمفرده مصير الأمة، كأننا ندور فى حلقة مفرغة،والضحية عادة يكون الشعب المغلوب على أمره! ويقول"فى السحن وبعد المراجعة وصلت إلى ان ديكتاتورية ناصر كانت سبب كل البلاء، وكل الحروب 56 و67..

يقول "واجهت بشجاعة المحاكمة،وفندت التهم التى وجهتها لى هيئة المحكمة التى رأسها حسين الشافعي وأحد أبرز الضباط الأحرار وشارك بدور كبير فى نجاح ثورة 23 يوليو 1952) تكررت المشادات الساخنة بينى وبين المنصة حول أكثر من نقطة أو تفصيل، لأن مَن يحاكموننى كانوا بعيدين عن السلطة، ولم يكن لدى غالبيتهم ما توافر لدى من معلومات وحقائق، كانوا غير مطلعين عليها، مما أوقعهم فى حرج شديد أمام ممثلى وسائل الإعلام المختلفة.طبعًا لم أكن مقتنعًا بالمحكمة ولا بالمحاكمة،هذا ما يبدو من خلال الصور والتسجيلات، فكان لسان حالى يقول للجميع: نحن أبرياء، وإذا أراد عبد الناصر أن يحكم علينا بالإعدام فعليه أن يعدمنا بعيدًا عن مهزلة المحكمة التى كنتُ أراها صورية، وليس لديه أدلة كافية لإدانتنا.لم يكن هذا هو انطباعى وحدي، بل يشاركنى فيه جميع المتهمين فى القضية، لكن كنتُ أنا وصلاح نصر الأكثر شراسة فى التعامل مع هيئة المحكمة، لأننا كنا جزءًا مهما من نظام عبد الناصر،ونعرف الكثير عن أسلوبه فى إدارة شئون الدولة أكثر مما يعرفه ..لم تصدمنى الأحكام، بل على العكس توقعت أن يصدر الحكم بالإعدام، لكننى كنتُ واثقًا من أن عبد الناصر لن يوافق على إعدامنا،ولا أعرف الأسباب بدقة، بل كان مجرد شعور تملكنى بعد صدور الحكم.

تكررت محاولات عبد الناصر بالعفو عني، وربما عن صلاح نصر وعباس رضوان،لكن المؤكد أنه كان يأمل فى إخراجى من السجن لمساعدته فى السيطرة على ملف القوات المسلحة،لأنه لا يأمن لغيرى تنفيذ هذه المهمة،وهو واثق ومطمئن.وكما تكررعرضه بالإفراج عنى تكرر أيضاً رفضى تقديم الاعتذار، واستمر الأمل يراود عبد الناصر أن أعتذر وأندم على انضمامى إلى جانب المشير حتى وافته المنية، وبقى كل منا على موقفه، هو أصر على أن يقدمنى للمحاكمة،وأنا أنفذ الحكم القاسي، ومن جانبى قررت تحمل تبعات قرارى مهما كانت المعاناة..لا أعرف على وجه الدقة لماذا اتخذتُ هذا الموقف من جمال عبد الناصر؟ رغم قربى منه، وثقته في، واهتمامه الدائم بى منذ أن تقابلنا للمرة الأولى على أرض فلسطين حتى يوم 7 يونيو 1967 فى أعقاب الهزيمة، وتراجعه فى آخر لحظة عن ترشيحى رئيسًا للجمهورية بعد مشاوراته مع المشير التى انتهت باستقالتهما وتكليفى إدارة شئون البلاد كرئيس للجمهورية فى مرحلة ما بعد الهزيمة.الانهيار المفاجئ للثقة بيننا كان بسبب إحساسى أنه يسعى إلى توريط المشير أو أنا أو أى طرف آخر لتحمل مسئولية أكبر هزيمة تتعرض لها مصرفى التاريخ المعاصر،رغم أنه صانع القرار الأول فى الدولة، وكان الجيش والشعب يسيران خلفه كالعميان،بسبب الثقة المفرطة فيه،كل هذا جعلنى أرفض قبول أى مبادرة للإفراج عني وخصوصا تلك المشروطة بالاعتذار المزعوم، كما أن ذلك الإفراج كان أيضاً يعنى العودة إلى التعاون معه وتحمل المسئولية إلى جانبه، وهذا ما كنتُ قد قررت الإقلاع عنه تمامًا، بل وتعمق لدى الابتعاد عن أى عمل عام أو رسمي لقد اعتاد عبد الناصر مساومتى بهذه الطريقة، حيث أذكر أنه فى أثناء أزمته الأولى مع عبد الحكيم عامر عندما لوح المشير بالاستقالة فى وجه عبد الناصر، وتحالف مع مجموعة من الضباط الأحرار فيما عرف ب"الانقلاب السلمي" للحد من انفراده بالسلطة المطلقة وحده عام 1962 حاول عبد الناصر وقتها إقناعى ومساومتى أن أكون وزيرًا للحربية بدلا من عبد الحكيم عامر، على أن يتم ترقيتى بعد ذلك للرتبة المناسبة لأكون قائدًا عاما للقوات المسلحة، وكنت لا أوافق على هذا التفكير لسببين:
 الأول: أننى لم أكن مؤهلا لهذه القيادة، فقد كنت برتبة ملازم أول عندما تركت الشئون العسكرية وانتهت مؤهلاتى عند التأهيل الأساسي، وهو فرقة قادة الفصائل، وفرقة الأسلحة الصغيرة وفرقة الشئون الإدارية اللازمة للترقية إلى الرتبة التالية، لكن عبد الحكيم عامر قبل أن يصبح قائدًا عاما كان فى رتبة الصاغ (رائد) وكان من خريجى كلية أركان حرب، وهى أعلى المؤهلات العسكرية فى ذلك الوقت.
 والثانى :هو أننى كنت قد قررت الخروج من الجيش مع عبد الحكيم عامر،حتى اننى عندما أقدمت على الزواج عام 1963 كنت قد أخبرت المهندس مصطفى رشدى والد زوجتى المقبلة، وقبل أن تتم الخِطْبة والزواج أننى لن أبقى فى منصبى إلا لفترة قصيرة، وقد أحدث ذلك هلعًا فى عائلة الزوجة، مما أدى بالمشير عبد الحكيم عامر إلى أن يدعو المهندس مصطفى رشدى إلى منزله ليطمئنه أننى عندما أترك الحكم فلن أكون معاديا للنظام، وبذلك حدثت الطمأنينة وتم الزواج...
جمال عبد الناصر وسعاد حسني

وبالمذكرات " فى أحد أيام سبتمبر عام 1970 كنتُ أجلس فى فناء سجن طرة إلى جانب سيف الإسلام حسن البنا ابن مؤسس جماعة "الإخوان" حسن البنا، وسمعنا نبأ وفاة عبد الناصر. فجأة شعرت بانقباض شديد، وانتابنى شيء من الألم والحزن العميق، ومر أمامى شريط من الذكريات التى جمعتنى بكل من عبد الناصر والمشير من أيام حرب عام 1948 ومعارك الفالوجا، ثم التخطيط للثورة، وما تلاها من أحداث كانت عاصفة... انفصلتُ عن المحيطين بى بعد أن تمنيت أن أطوى كل ما حدث وأشارك فى جنازته. لقد اكتشفت تقديرى وحبى لناصر رغم ادراكى لعيوبه،ولكن يبقى هو الثورة".. ويعود يقول " الآن وقبل أن نبدأ فى سرد المزيد من قصتى مع الإخوان المسلمين وقبل التطرق إلى وقائع التحقيق فى قضية تنظيم الإخوان عام 1965 أحب أن أعرض هنا أمورًا، أرى من الواجب التنويه عنها، أولا: أحب أن أقول إن جمال عبد الناصر هو الذى صنع «ثورة مصر» التى عجلت بهدم إمبراطوريات راسخة وامتد تأثيرها ليس فقط إلى آسيا وإفريقيا، بل حتى إلى «كوبا» فى أمريكا اللاتينية، ومن ينكر ذلك الآن من المتحذلقين والمتفلسفين يكون كمن ينكر شروق الشمس فى الصباح.
ومن يريد القول الآن بأنى كنت أخنق الاخوان المسلمون بيدى وأقوم بقتلهم، فإنى أقول له إننى لست ساديًّا، لكننى أمرت المحققين معى بأن يقوموا بالتحقيق بلا هوادة،فقد حملت مسؤولية لم أسع لها، فتحملتها وأمرت باستخلاص الحقائق، ولم أكن أدافع عن النظام بقدر ما كنت أدافع عن أبرياء سوف يتعرضون للقتل بلا ذنب على يد تنظيم «الإخوان المسلمين» ولقد حققت النتائج التى أدت إلى إنقاذ البلد من دمار وإنقاذ أرواح بريئة لا ذنب لها إلا أنهم كانوا «كفارًا» على حد قول المناوئين من الإخوان، ومن ينكر ذلك الآن يكون كمن يضع رأسه فى التراب.هذا وقد أرسلت مذكرة وأنا فى المنفى بعد أن خرجت من مصر وابتداء مسلسل الادعاء بقضايا التعذيب إلى المحققين فى جرائم التعذيب، أقول فيها إنى أنا المسؤول عن جرائم التعذيب، وكنت أنا الآمر بها،وكان المحققون يطيعون أوامرى ووثقتها فى القنصلية بلندن لأعطى لضباط المباحث الجنائية العسكرية حجة للدفاع عن أنفسهم فى أثناء محاكمتهم، لكن المحاكم لم تأخذ بها، وكان ذلك بعد موت عبد الناصر.لم تكن هناك فى ذلك الوقت من الستينيات فى القرن الماضى «سياحة» حتى نقول إن هدف «الإخوان» هو المرافق السياحية كما يحدث الآن، بل كان الهدف هو مؤسسات الدولة بمن فيها ومن عليها من الكبارى ومحطات الكهرباء والإذاعة والقناطر الخيرية، وقد تم ضبطهم وهم على أتم الاستعداد للخروج بالسلاح والمتفجرات، التى ضبطت معهم لتنفيذ هذا الغرض، فإذا كان هناك من يقول إن هذه القضايا مفبركة، فإنى أقول له هل فبركنا الأسلحة والرشاشات وأصابع الجلجنايت والقنابل اليدوية التى وجدت بكميات كبيرة فى بيوتهم، وفى ثلاثة أماكن مختلفة، فهل قمنا بوضع ذلك؟ وهل قمنا كذلك بوضع قنابل المولوتوف التى كانت تملأ إحدى الغرف للسقف فى إحدى شققهم؟ وهل فبركنا الرسوم الكروكية التى عملها المهندسون «الإخوان» للكبارى ومحطات القوى وسد القناطر الخيرية، موضحًا بها أماكن النسف ووضع الجلجنايت،وقد اعترف السيد قطب بكل ذلك فى مذكراته دون أى ضغط، فقد كان يتعاطى أدوية كثيرة لعلاج القلب وأمراض أخرى، وإذا كان كل ذلك فبركة فى فبركة، فهل فبركنا الكشوف المكتوبة بخط أيديهم بأسماء من يجب اغتيالهم؟ وهل فبركنا أيضا الوصايا التى تركها الشباب بخط أيديهم فى منازلهم لتوزيع كتبهم ومتعلقاتهم فى حالة استشهادهم؟ وهل كان المطلوب السكوت على كل ذلك حتى تتم الكارثة لإثباتها كما حدث فى السبعينيات عندما قام تنظيم إخوانى بقيادة «صالح سرية» بالهجوم على الكلية الفنية العسكرية للحصول على السلاح لقتل أنور السادات فى اجتماع اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى والاستيلاء بعد ذلك على الحكم، وقد قتل سبعة من الطلبة فى أثناء هجوم تنظيم «صالح سرية» على الكلية الفنية العسكرية والذى كان هو مبنى الكلية الحربية القديم الذى تخرج فيه أجيال الضباط الأحرار وكذلك من جرائم تنظيم الإخوان المسلمين عندما اختطفوا وعذبوا الدكتور الذهبى حتى الموت.وهنا أود أن أذكر أن فى أمريكا بلد الحريات قانونًا يعطى الحق لرجال التحقيق الابتدائى باستخدام الوسائل غير القانونية لإجبار المتهمين على الاعتراف بشركائهم إذا كان هناك تدبير يعرض أمن المجتمع للخطر الداهم ويشكل كارثة قومية حتى تتمكن السلطات من وضع يدها عليهم قبل وقوع الخطر، ثم يعطى القانون بعد ذلك الضمان للمتهم بسحب أقواله أمام المحكمة، ويتم ذلك فى ما يطلق عليه «غرفة الدرجة الثالثة» وقد شاهدها بعض ضباطنا المبعوثين من البوليس الحربى فى أثناء بعثتهم فى أمريكا إلى ال«FBI»، ورغم ذلك فإنى أعتقد أيضا أن طرق التحقيق المتبعة قد تكون سلاحًا ذا حدين، فيكون ضرره أكثر من نفعه إذا استخدم بواسطة من يريد الوصول إلى أى نتيجة بطريقة عشوائية وبسرعة للحصول على الاعترافات التى يريدها المحقق ويقوم بتلقينها للمتهم دون أن يشعر وقد فعل بدران حسنا بحديثه عن مؤامرة الإخوان فى 1965 ورد عليهم وحبذا لو واتته القدرة والشجاعة على نشر وثائق تؤيد وتؤكد ما قاله، لو كانت لديه أو كان يعرف طريقها.. ويقول: " وكل ما حدث فى تحقيقات سنة 54 التى كانت تجرى تحت إشراف زكريا محيى الدين فى السجن الحربى، كان يحدث أيضا مثلها فى تحقيقات سنة 65 وكان جمال عبد الناصر فى كلتا الحالتين يعلم تمامًا بما يجرى فى أثناء التحقيق، وكنت قد طلبت من المباحث الجنائية العسكرية فى أثناء التحقيق بأن تقوم بالتفتيش المنظم والتفتيش المفاجئ على الزنازين للتأكد من سلامة معاملة المساجين بعد انتهاء التحقيق معهم،وفى أثناء اتصالاتى بعبد الناصر لإطلاعه على نتائج التحقيق حدث أن قال لى فى إحدى المرات: «لقد سمعت أنك ستفوض المباحث العسكرية للتفتيش على السجن والمعتقلين، وأنا أحب أن أوجه لك نصيحة، وهى أن السجن الحربى هو مملكة حمزة البسيونى،فإذاحاولتم التدخل فى شؤونه فيمكنه إعاقة التحقيق بعمل اتصالات بين المتهمين بعضهم ببعض وخلافه، والأحسن أن تتركوه حرًا فى مملكته» والمشكوك فيه هنا هو أنه كان هناك اتصال مباشر بين حمزة البسيونى وعبد الناصر غالبًا عن طريق سامى شرف، والدليل على ذلك هو أنه بعد الاعتقالات التى أجراها عبد الناصر فى ما عرف بمؤامرة «قضية المشير» (بعد 26 أغسطس 1967) كان حمزة البسيونى هو الوحيد من المعتقلين الذى كان يتمتع بالحرية الكاملة فى معتقل القلعة ويدخن الشيشة والجوزة ويلعب «الطاولة» مع المسجونين، ثم تم الإفراج عنه بهدوء قبل المحاكمة، ولم يتم تقديم أى ادعاء ضده رغم أنه كان من المقيمين فى منزل المشير وحضر بعض الاجتماعات التى تمت فى المنزل للتحضير للانقلاب الذى كان يتم التخطيط له ضد عبد الناصر.
ويقول: " وأنا لا أحاول أن أتنصل فأقول إن عبد الناصر كان هو الآمر بالتعذيب، لكننى أقول إنه كان يعلم ذلك،وكنا نخبره ،وأحب أن أكرر أن التعذيب كان هو الروتين العادى الذى يجرى فى السجن الحربى منذ الحرب العالمية الثانية، ولم أكن أنا مسؤولًا عن ذلك، فالسجن الحربى فى ذلك الوقت كان يتبع وزير الحربية اسمًا «ولم أكن وزيرًا للحربية فى ذلك الوقت»، بل كان السجن الحربى فى بعض الأحوال يستخدم خارج نطاق وزارة الحربية،ورغم أنى لم أكن مسؤولًا عن السجن الحربى فقد كنت أستطيع أن أوقف التعذيب، لكنى لم أفعل. وإنى الآن وقد مضت السنون أقول لو أعاد التاريخ نفسه فسوف أفعل ما فعلت، فقد أديت الواجب .
ومن اغرب ماجاء فى المذكرات فى هذا المجال قوله " يتعين لى أن أقول إن عبدالحكيم عامر حاول إقناع عبدالناصر فى الستينيات بأن يتحول الحكم إلى ديمقراطية برلمانية، وأن يكون أنور السادات رئيسا للجمهورية، ويكون عبدالناصر رئيسا للوزراء، ثم يكون حزبا ناصريا تحت قيادته،ليدخل انتخابات حرة، تجعله رئيسا للوزراء بحكم الشعب،وقد اقتنع عبدالناصر بعض الوقت بهذه الفكرة،ولكن(محمد حسنين هيكل) أعاده مرة أخرى إلى فكرة الأسطورة
"وأنه الملهم - نصف آله" وأحب أن أقول الآن إنه إذا أعيدت انتخابات رئاسة الجمهورية فسوف أعطى صوتى بلا منازع لأىّ من أولاد عبدالناصر، لأنهم وقد انتهت فكرة الأسطورة سوف يكونون على أمانة أبيهم وشجاعة أبيهم، الذى مات فقيرا "  ..
وما كتبه بدران فى مذكراته يدخل فى نطاق ما يسميه علماء التاريخ بالشهادات الشفهية من معاصرى الأحداث والمشاركين فيها. وهذه الشهادات لابد أن تخضع وفق علم مناهج البحث التاريخى لما يعرف بالنقد الداخلى للرواية أو الشهادة، والنقد الخارجى لها، وهذا النقد هو الأداة المعاصرة المماثلة لعلم الجرح والتعديل الذى اتصل بروايات الحديث النبوى الشريف والذى كان من أهم قواعده أن يكون الراوى للحديث والناقل للرواية شخصاً سويًا، محلاً للثقة ليس فى مسلكه ولا عقيدته مثلب من المثالب،وهو الأمر الذى لو طبقناه على البعض لما صلحوا أصلا للشهادة
وقد بدى لى أنها ذكريات لا مذكرات،فلا وثيقة ولا جواب بخط اليد ولا محضر إجتماع رغم أنه كان من اقرب مايكون من عبد الناصر وعامر وتولى امور كثيرة بنفسه كأن يكون وزيرا للحربية
والغريب أن شمس بدران استباح لنفسه أن يروّج لمذكراته بأنها تتضمن حكايات عن الحياة الجنسية لجمال عبدالناصر وكيف أنه كان يعانى من الضعف وأنهم كانوا يحضرون له أفلاما لفنانة بعينها - وضعوها على غلاف المذكرات- لتعينه على وجباته الزوجية التى تأثرت بتأخر حالة السكر عنده.


يتبع..