Header Ads Widget

زهور خلف الجدران ! بقلم بتول يوسف


 بتول يوسف - قصة قصيرة :
فناءٌ أسود قديم، جدرانٌ توشك على أن تتهاوى ، في حيَّز صغيرٍ بين الجدران شبَّت زهرةٌ صغيرةٌ تراقب شعاع الشَّمس الذي يتألق من زجاج النافذة المكسور ، تقترب الزهرة بصعوبةٍ من شعاع الشمس ، تحاول أن تعرف من أين يأتي؟ أين يعيش؟ ماذا تخفي النافذة خلف ثقبها؟
تتساءل الزهرةُ كثيراً والجدران تراقبها عن كثب ..

زهرة وشباك

الزهرة ذابلة محروقة الرئتين ، هي لاتدري أن لها رئتين محروقتين ، الجدران أحرقتها قبل أن تولد!
الزهرة تتمنى لو تطير أو لها جناحين ، الجدران تقص جناحيها كلَّ ما غفلت !

الزهرة عطشى سئمت من شرب الرطوبة ..الجدران تخبرها أنها لم تولد لتلحق بشعاع!

تقترب الزهرة أكثر من زجاج النافذة المكسور ، تصيح الجدران :"عودي قبل أن يقطع الزجاج ساقك "

تعود الزهرة مذعورةً بجسدها الذَّابل .

الجدران:"إلى أين تخرجين ؟"
الزهرة:"أريد أن أرى"
_"نحن لا نرى"
_"أريد أن أسمع "
_"نحن لا نسمع "
_"أريد أن أشم"
_"نحن لا نشم "
_"لكنني زهرة! "
_"ما معنى زهرة"
_"أنا أرى ..أسمع ..أشم ..أتكلم "
_" الزهور تزهر ولا ترى ..والجدران أيضاً تبنى ولا ترى
الزهور تعطر ولا تشم ..والجدران تتعفن ولا تشم ..
الزهور تمدح ولا تسمع ..الجدران تطرق ولا تسمع !!"
_"لكنني حية"
_"ما معنى حية"
_"انظري أنا ملونة ..لدي عطر ..أتألق بعد أن أشرب "
_"لا أحد يتألق بعد أن يشرب نحن نشرب بصمت "
_"بداخلي شيءٌ حي"
تتوجس الجدران :"ماهو؟" .."بداخلها شيءٌ ما" .."لربما اسمنت ".. "لكنها ولدت بيننا كيف تكون حيَّة ونحن أموات "..."أهي ولدت ونحن لم نولد؟" .."لربما بداخلها مطرقة"...
"مطرقه..."
"مطرقه.."
"الزهرة بها مطرقه ..ستدق بنا مساميرها ..مطرقه !!!"
"الفظوا الزهرة ..اخرجوها ..اقتلوها ..اذبحوها ..من كان يعتقد ..سيخرج من جسدها الذابل مطرقة !!"
الزهرة مرتعدة :" ليس لي شأنٌ بالمطارق !"
الجدران:" من يريد أن يخرج منا لا يخرج إلا بالمطارق ..من يريد أن يخرج ما في جوفه لا يخرجه إلا بمطرقة!!"
الجدران تؤنب :"الويل لك إذ ربيناك وحويناك كما نحوي الحصى الصغيرة ..هل تهدميننا بعد أن شربتِ عفونتنا !"
الجدران تهمهم:" الويل لها ستقتلنا "..
تريد أن تشم ..ونحن لا نشم
تريد إن تسمع ونحن لا نسمع
تريد أن ترى ونحن لانرى ..
ستهوي بنا أرضاً ونحن جدرانٌ كثيرة
ارموها خارجاً قبل أن ترمي بنا "
الزهرة باكيةً مرتجفةً :"لا ترموني ..لا أعيش من غير حفنات التراب التي بينكم لا أعيش من غير أن أشرب عفونتكم ..لا ترموني "
الجدران متعاليه :"ستبقين ولن تلحقي شعاعاً ..ستبقين ولن تراقبي نافذة!"
الزهرة بحزن:"موافقة" .

بقيت الزهرةُ أياماً تشيح بوجهها عن الشعاع إذا ما أتى ،

تتفقد ما بداخلها لتتأكد من كونه عطراً لا مطرقة ،
لم تقترب أبداً من النافذة المكسورة قد قررت الزهرة أن تكون جداراً!
ما هي إلا أيامٌ قليلةٌ حتى هوت الزهرة بسوقها وجذورها ميتة ! ، وتفتح ما بداخلها ليخرج رحيقاً طيباً وعطراً مستحباً ..
رحيق زهرة

الجدران :"من أنت ؟"
الرحيق :"انا من كنت بداخلها "
الجدران:"أين تخرج "
الرحيق:"أخرج لألحق بالشعاع"
الجدران:"لماذا؟"
الرحيق:" هناك من يشمني ..فيعرفني !"
---
بقلم بتول أحمد يوسف
كاتبة وقاصة سورية 
نشر لها العديد من القصص والمقالات