فجأة وبلا مقدمات وضعت الصين أول علامة استفهام حول وفاة زعيمنا عبد الناصر..
الكاتب الكبير / أشرف مصطفى توفيق يواصل رحلته في الحلقات المسلسلة :
حكايات وأسرار على هامش ثورة الضباط الأحرار
الكاتب الكبير / أشرف مصطفى توفيق يواصل رحلته في الحلقات المسلسلة :
حكايات وأسرار على هامش ثورة الضباط الأحرار
مع الحلقة الآخيرة وهي من جزئين :
الجزء الاول : كيف قتلوا جمال عبد الناصر؟
والجزء الثاني : تشريح جتمان جمال عبد الناصر ..
---
فقد سأل شواين لاي أول وفد سياسي مصري يزور بكين بعد وفاة جمال عبد الناصر":لماذا مات جمال عبد الناصر؟!
فوجئ أعضاء الوفد بالسؤال، ويمكن أن نقول إنهم ذهلوا، أو صدموا، ولم يرد أحد على السؤال..
لكن رئيس الوزراء الصيني كان مصراً عليه فسأل:
لكن رئيس الوزراء الصيني كان مصراً عليه فسأل:
"متى ولد عبد الناصر؟!"
وكانت الإجابة: "في 15 يناير سنة 1918"
وسأل: "ومتى توفي؟"..
وكانت الإجابة:"28 سبتمبر 1970"
فقال: "إذن فقد مات عن 52 سنة و8 أشهر و 13 يوما"..
ثم أضاف في دهشة: "هل هذا ممكن؟!"
حس أعضاء الوفد بالحيرة من جديد، فردوا: "هذه مشيئة الله!"
فقال لهم "يجب ألا تحمل الله مسئولية ما نفعل لابد من سبب..لقد مات عبدالناصر شاباً، فسن الـــ52 هي سن صغيرة؟! إنني الآن في الثانية والسبعين،ولا أزال أعمل،وفي صحة جيدة..إنني لا أستطيع أن أتصور كيف مات..وكانت تتوافر له أفضل العناية الطبية كيف سمحتم له بأن يموت؟!!.
سأوضح لكم السبب :
لقد مات من الحزن والقهر..مات كسير القلب..أما الذنب فهو ذنب الاتحاد السوفيتي فقد خدعه السوفييت ودفعوه إلى مأزق ثم تخلوا عنه وتركوا فؤاده يتحطم ويتكسر!!
ويخرج من ذلك بتأكيد للنتيجة التي أفصح عنها الزعيم الصيني، وهي :
أن موت عبد الناصر لم يكن شكلاً طبيعياً ويصل الشك إلى حد أنه قتل أو اغتيل!!
عن :"جمال سليم" في كتابه "كيف قتلوا عبد الناصر؟"
وإذا كان ما قاله "شواين لاي" لم يثر أحد في الوفد السياسي المصري لكنه آثار فيما بعد كتاب وصحفيين في مصر والعالم الغربي، وكانت الاتجاهات مختلفة في البحث عن سر الموت المفاجئ الذي جاء فأصاب عبد الناصر في سن صغيرة؟! وهو وسط أهله؟! ومع أصدقائه ورجالات الدولة؟! وقبل ذلك وبعده في بيته وحوله كل الأطباء الذين اختارهم لعلاجه؟! ومع مرور السنون وبعد الذهول والدموع والتشنج كان من الطبيعي أن نسأل كيف مات عبد الناصر؟! وهل هناك شبهة جنائية في وفاته؟! وإذا كان فمن الذي قتله؟!
(الاتجاه الأول) وهو الغربي ويرى إذا كان عبد الناصر قد تعرض لأكثر من حادث اغتيال
وحدث شروع فعلي في قتله (الشروع تعبير قانوني يقصد به البدء في تنفيذ الجريمة، ولكنها لا تحدث ويخيب أثرها لسبب لا دخل فيه للفاعل، وتعاقب عليه معظم القوانين في كل بلاد العالم) وكانت هناك أوراق رسمية ومحادثات مسجلة وأوامر لمخابرات أمريكية وإنجليزية ويهودية بقتله وأحياناً مؤامرات عربية
وحدث شروع فعلي في قتله (الشروع تعبير قانوني يقصد به البدء في تنفيذ الجريمة، ولكنها لا تحدث ويخيب أثرها لسبب لا دخل فيه للفاعل، وتعاقب عليه معظم القوانين في كل بلاد العالم) وكانت هناك أوراق رسمية ومحادثات مسجلة وأوامر لمخابرات أمريكية وإنجليزية ويهودية بقتله وأحياناً مؤامرات عربية
فلماذا لا يكون قد مات من إحداها؟!
فلا يوجد زعيم في العالم الثالث تطاول على الغرب نصف ما فعل ناصر ونجا؟!! وفي هذا الاتجاه كتابات كثيرة , فقد صدر كتاب (وكالة المخابرات المركزية) تأليف "بريان فريمانتل" وهو صحفي إنجليزي، وأول فصول الكتاب عن محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر،وذلك بعد فشل العدوان الثلاثي فقد دبرت بريطانيا مع فرنسا وإسرائيل عدواناً على مصر لأنها أممت قناة السويس،وأيدت أمريكا العدوان سراً،وعارضته علناً.بل إن أمريكا أدانت الدول الثلاث بأنها اعتمدت على ميثاق الأمم المتحدة
وطالبتها بالانسحاب فوراً، وكان الانسحاب عاراً قومياً لبريطانيا ونهاية لحياة أنتوني إيدن السياسية والصحية.
وأصيب إيدن بجنون اسمه "اغتيال عبد الناصر" ووافق آيزنهاور على اغتياله، كما وافق قبل ذلك على اغتيال رؤساء آخرين، واستعجل إيدن هذا الاغتيال، قائلاً إن علاجه الوحيد من جميع أمراضه هو: موت عبد الناصر..
واجتمعت إدارات المخابرات الأمريكية يبحثون عن الطريقة التي سوف يغتالون بها عبد الناصر، وكان رجل المخابرات في مصر في ذلك الوقت هو "مايلز كوبلاند" الذي ألف كتاب "لعبة الأمم"، وكان صديقاً للرئيس عبد الناصر، ويتردد على بيته في أي وقت دون إذن سابق.
وكانت جلسات طويلة مع كوبلاند ليعرفوا من هو وما هو وكيف هو عبد الناصر، آكلاً وشارباً ومدخناً، وأين نقاط الضعف فيه، أي المداخل إلى نهايته؟؟؟
وعرفوا أن جمال عبد الناصر :
يدخن كثيراً جداً، وأنه يفضل سجائر"كنت" الأمريكية،ووجدوا أن هذه هي البداية وكلفوا رجلاً اسمه "د.سيدني جوتليب"بالمهمة العاجلة.
هذا الرجل هو"حاوي" المخابرات الأمريكية،فهو يدير معملاً كيميائياً ضخماً يساعده مئات من العلماء والكيميائيين، ويشتغلون في إعداد السموم القاتلة
واهتدى "د.سيدني جوتليب" إلى صنع سجائر "كنت" مسمومة، إذا دخن عبد الناصر واحدة منها فسوف يموت بعد ساعة،وأعد علبة سجائر مغلقة لا يمكن أن يشك فيها حراس عبد الناصر إذا رأوا ضرورة تفتيش كوبلاند،وكان لابد أن يفتحها ميلز كوبلاند أمامه وأن يدخن واحدة مسمومة،ولكن قبل أن يجيء للقاء عبد الناصر، لا بد أن يحقن نفسه بعقار مضاد لسموم السجائر، وسافر الجاسوس كوبلاند إلى القاهرة ولكنه أبرق بأن هذه الخطة لايمكن تنفيذها فعبد الناصر يعتبرها عيب أن يتناول من سجائر ضيوفه؟!.
وكانت هذه إحدى المحاولتين اللتين أعدتهما المخابرات المركزية، ولم يشرح أحد بعد الأسباب التي جعلت اغتياله مستحيلاً..
وفي كتاب"صائد الجواسيس" جاء أنهم حاولوا اغتيال عبد الناصر بوضع عقار الهلوسة في جهاز التكييف،وفي كتاب عن أعمال التجسس السرية اسمه (الألعاب القذرة) جاء أن وكالة المخابرات المركزية، تخلصت من عبد الناصر بحقنة أنسولين مسموم!؟!
وهناك اعتراف آخر أدلى به أنتوني ناتنج في مذاكراته، وكرره في برنامج وثائقي لهيئة الإذاعة البريطانية أن إيدن قال له:
"أريد جثة (ناصر)!! أريده مقتولاً"
وأنه قام باستدعاء السير جون سينكلير رئيس المخابرات البريطانية “M.I.G”وطلب منه تصفية جمال عبد الناصر في أسرع وقت!
ولم تكن – بالطبع - المخابرات البريطانية وحدها هي التي تعمل في مجال تصفية جمال عبد الناصر،فقد كانت بالطبع تستعين بالموساد (المخابرات الإسرائيلية) وكانت هذه الأخيرة تنفرد في محاولات كثيرة للقيام بهذا العمل الذي لم توفق أبداً فيه!!
محاولات الموساد اغتيال عبد الناصر
فيذكر كتاب "عملية ياخنين" لمؤلفه شمونيل سيجيف، وهو الكتاب الذي ظل حبيساً في الرقابة الإسرائيلية لمدة 15 عاماً، يذكر أن منظمة "النطاق" التابعة للموساد،وهي المنظمة التي كانت تعمل على تهجير اليهود من المغرب تستعد لاستقبال "لجنة الدار البيضاء" التي دعاها الملك محمد الخامس لبحث مسألة الكونغو،واجتمعت اللجنة في 3 يناير سنة 1961بمشاركة كل من: جمال عبد الناصر، وفرحات عباس رئيس جمهورية الجزائر المؤقتة، بالإضافة إلى رؤساء كل من غانا وغينيا ومالي وممثل عن حكومة ليبيا..
وكان يهود المغرب قد ارتدوا الثياب السوداء احتجاجاً على زيارة عبد الناصر،وقبضت الشرطة المغربية على بعضهم ووضع (أرسين) رئيس جماعة النطاق التابعة للموساد خطته لاغتيال عبد الناصر بالمغرب وكانت الخطة تقوم على وضع المتفجرات في فراش الرئيس بواسطة عامل الشاليه الذي يقيم فيه عبد الناصر
ولكن رجال الأمن المصري اعترضوا على وجود غيرهم بالشاليه، فاستبدل بالاقتراح إرسال باقة من الزهور مشحونة بالمتفجرات وعندئذ قررت السلطات المغربية تنظيم رقابة قوية وفعالة على وجبات الطعام التي تقدم للرئيس ناصر ومرافقيه خوفاً من دس السم لهم؛ فالسم طريقة يهودية للتعامل مع الأعداء منذ حياتهم القديمة في "يثرب" وقد حاولوا ذلك مع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ،وقصة ذراع الشاه الناطقة معروفة في الأدبيات الدينية؟!
ويقول عن ذلك "محمود الجبار مدير مكتب (ناصر)":
بالطبع حدثت أكثر من مرة محاولة لاغتيال جمال عبد الناصر، ولكن كان هناك ترويج لإشاعات وهمية عن محاولات لم تحدث لاغتيال الرئيس وتصورات غير صحيحة لمؤامرة للتخلص منه وكان ذلك من بعض القوى المعادية داخلياً وخارجياً، وذلك بقصد تقليل حركة الرئيس ومنعه من الزيارات الميدانية أو الاتصال المباشر بالجماهير والناس واستفاد من ذلك فيما بعد صلاح نصر!!
وفي كتاب (الجبار يتذكر) الذي سجله معه الصحفي الصديق (سليمان الحكيم) نجد هذا السؤال وهذه الإجابة وبعدها لا تعليق..
وكان السؤال : ولكن لماذا حاول هؤلاء منع الرئيس من الاتصال بالناس وما هي مصلحتهم في ذلك؟
وجاءت الاجابة: حين كان الرئيس يتصل بالناس اتصالاً مباشرا كانوا يقدمون له الشكاوي مكتوبة أو شفهية؛ فأرادوا منعه من الاتصال بالجماهير حتى لا تكون هناك فرصة ليعرف عبد الناصر شكاوى الناس..!
خاصة وأنهم يتحكمون في كل مصادر المعلومات المهمة الخاصة بالرئيس، سواء في مكتبه أو في الداخلية أو المخابرات ولم تكن تصل إليه إلا المعلومات التي تتناسب مع مصالحهم..
لهذا كان الرئيس يلجأ إلى وسيلة الاتصال المباشر بالناس ليقف على أحوالهم مباشرة دون المرور بطريق هؤلاء، فأرادوا بقصص المؤامرات الوهمية أن يعزلوا الرئيس عن الناس بحجة الدواعي الأمنية
وقد علمت أن مكاتب جديدة تم إعدادها للرئيس ومعاونيه بقصر القبة، لكي ننتقل إليها بديلا عن مكاتبنا بمجلس الوزراء بشارع القصر العيني، كما علمت أن هناك اقتراحا أيضا بنقل سكن الرئيس إلى قصر الطاهرة المقابل لقصر القبة بدلا من سكنه بمنشية الكبرى.وقد أخبرني الرئيس بأمر المكاتب الجديدة، وقد استمعت إليه دون أي تعليق فسألني عن رأيي مستغربا سكوتي وصمتي بعد سماع الخبر؛ فقلت:
"ماذا تريدني أن أقول؟..هل تريد سماع رأيي؟"
قال: "نعم"..قلت: "بدون زعل؟"..قال:"لا".
سألته: "هل أنت خائف؟"
اندهش الرئيس، وسألني مستغربا:خائف من ماذا؟..
قلت له:"إذن ما الذي يجعلك تقبل مثل هذا الاقتراح وخاصة أنه سبق أن عرض عليك من قبل ورفضته؟"..
قال ضاحكا: "المسألة كما قالوا لي هي تأميني من التعرض لأي محاولة اعتداء،خاصة أن المسافة طويلة بين منشية البكري وشارع القصر العيني"
قلت للرئيس: "إذا كنا حنخاف من المشي في شوارع القاهرة ، إذن لا داعي للاستمرار في الحكم، المسألة في حقيقتها هي رغبتهم أن يبعدوك عن الناس"..
فكر الرئيس قليلا ثم قال: "حين تذهب إلى قصر القبة بلغ صلاح الشاهد بإلغاء كل هذه الترتيبات".
وبالفعل ذهبت وقمت بإلغاء أمر الانتقال إلى قصر القبة.
أما المحاولة الوحيدة المنشورة بالتفاصيل، والتي دخلت مراحل التنفيذ، وفشلت فهي محاولة (الإخوان) لاغتيال عبد الناصر في يوم 26 تشرين الأول (أكتوبر) 1954 بميدان المنشية بالإسكندرية.
وفي مساء ذلك اليوم وأثناء إلقاء الرئيس لخطابه أطلق شخص كان يجلس بين الجماهير أمام المنصة، تسع رصاصات على الرئيس قاصدا قتله ولكنه أخطأه.. وأصيب بعض الذين كانوا يقفون بجواره بإصابات سطحية، ومن بينهم السيد ميرغني حمزة
وزير خارجية السودان الذي أصيب برصاصتين.
قبض على المتهم واتضح أنه يدعى "محمود عبد اللطيف" ويعمل سمكريا (بإمبابة) واعترف بأنه من جماعة الإخوان المسلمين، وأنه كان ينوي اغتيال الرئيس، وأن الذي كلفه بتنفيذ هذه المأمورية محام بإمبابة يدعى "هنداوي دوير" الذي ألقي القبض عليه، وأسفرت التحقيقات عن أن الحادث مدبر ومخطط له
كانوا بانتظارا لما سيسفر عنه الاعتداء..
فإذا نجح بادروا بالظهور منتهزين فرصة الفوضى والاضطراب الذي سيسود مصر
أما إذا فشل فسيمضون في الفرار والتخفي..
كما كشفت التحقيقات عن شخصيات أعضاء الجهاز السري للإخوان بأكمله وتم القبض عليهم جميعا، عدا بعض أفراد تمكنوا من الفرار خارج البلاد.
وقد استمر وقتها عبد الناصر على المنصة وارتجل عدة كلمات أعادت الهدوء للمكان، ولكنها لم تعجب عباس العقاد ولا أنيس منصور؟! بحجة أن الشعب هو الذي يعلم عبد الناصر وأهله الكرامة وليس العكس؟!
ومن أقوال عبد الناصر وقتها:( إن جمال عبد الناصر منكم ولكم وحياته فداء لمصر وللوطن.أيها الناس..ها هو جمال عبد الناصر مازال بينكم.. لا تروعوا لا تخافوا.. فأنا لست جبانا..لقد ثرت من أجلكم ومن أجل عزتكم ومن أجل كرامتكم.. إن دمي من دمكم، وسأعيش حتى الموت مكافحا في سبيلكم، ومن أجل حريتكم ومن أجل كرامتكم وعزتكم..ليقتلوني..فقد أودعت فيكم العزة.. ليقتلوني فقد أنبت في هذا الوطن الحرية والكرامة..
ليقتلوني من أجل مصر..
من أجلكم..
من أجل أبنائكم وأحفادكم.
يا أبناء مصر: كافحوا واحملوا الرسالة والأمانة
لقد ثرت من أجلكم وسأموت في سبيلكم.)..
ولكن أصعب ما في هذ الاتجاه الغربي أنه ينتهي إلا أن عبد الناصر قتل !
وأنه قتل بالسم مدهونا به أومدسوسا عليه في حقنة أنسولين مسمومة !
ويترك لنا علامات الاستفهام ويأتي ذلك من رواية هيكل نفسه، قدس أسرار عبد الناصر
والتي كتبها يوم 16 أكتوبر1970 تحت عنوان:
(بصراحة: 28 سبتمبر..الأربع والعشرون ساعة الأخيرة)
فيقول: (وصلت إلى مكتبي بالأهرام في الساعة الثامنة والنصف من صباح اليوم (الاثنين 28 سبتمبر) وحين دخلت، كان أول ما قيل لي:
"إن الرئيس اتصل بنفسه وسأل عنك، ولما عرف أنك لم تحضر بعد، قال: إنه لا داعي لأن تطلبه، لأنه خارج إلى المطار الآن، وسوف يتصل بك هو عند الظهر".
ولم أذهب إلى وزارة الإرشاد كما أفعل عادة في الحادية عشرة صباحا، وإنما بقيت في الأهرام قريبا من التليفون الذي يطلبني عليه عادة , كان تليفونه قبل الثامنة والنصف أول اتصال أجراه ذلك اليوم.
ثم قام – كما علمت فيما بعد – إلى حمام الصباح، ثم جلس إلى إفطاره، وأكل تفاحه واحدة من صندوق تفاح جاء به الوفد اللبناني إلى مؤتمر القاهرة ثم فنجان قهوة مع السيدة الجليلة قرينته، وقالت له هي قبل أن ينزل إلى أول وداع رسمي ذلك اليوم في المطار :إن "الأولاد" سيكونون جميعا على الغداء اليوم.
وسألها عن أحفاده قائلا:.. و"هالة" و"جمال"؟..وقالت هي إن "جمال" هنا منذ الصباح الباكر، جاءت به "منى".
ثم رددت بعد صحف لبنان وصحف الأردن أن عبد الناصر مات بتفاحة من هدايا الوفد اللبناني؟!
إلا إن إشاعة أن عبد الناصر مات بالموت البطيء عن طريق السم الذي سرى في دمائه بالتدليك لساقه بواسطة الدكتور علي العطفي مدير معهد العلاج الطبيعي بالقاهرة كانت أقوى، وابتلعت حكاية "التفاح اللبناني" المحقون بالموت، وبخاصة بعد ما ثبت اتهام علي العطفي بالتجسس لصالح إسرائيل في القضية رقم 4 لسنة 1979 أمن دولة عليا وحكم عليه فيها بالسجن مدى الحياة.
أما حقنة الأنسولين فإنها شغلت فيما بعد الكاتب الصحفي "جمال سليم" حتى أنه جرى وراءها لمدة عشرة سنوات في كتابه "كيف قتلوا عبد الناصر؟"،فقد جرى وراء كتاب الغرب (الألعاب القذرة) وأجرى محاكمة صحفية لأطباء أو طقم أطباء عبد الناصر، ورفع في النهاية الكارت الأحمر في وجه د. الصاوي حبيب الطبيب المقيم الدائم لعلاج الرئيس !
ثم صدرت عدة كتب في لبنان ومعظمها مترجم ركزت على واقعة شديدة الحساسية وهي أن د.الصاوي طلب عصير للرئيس جمال بعد عودته من الهيلتون يوم موته فأسرعت زوجة الرئيس بنفسها لعمل العصير. ولكن قدم لعبد الناصر كوبين من العصير: كوب عصير برتقال وكوب عصير ليمون وكان السؤال لماذا كوبين ونوعين من العصير؟!وهل مع السرعة والعجلة تقوم الزوجة الملهوفة على زوجها بعمل نوعين من العصير أم نوع واحد للسرعة وإن كانت الروايات تردد أن عبد الناصر اختار كوب البرتقال وشربه ؟!
أما الاتجاه الثاني فهو لصحفيين ناصريين
حاولوا أن يقوموا بدور النائب العام طالما أن الشكوك غير كافية لتحريك الجهات الرسمية، ولأن الأمر يقرب من الاستحالة لأنه يتحتم معه تشريح جثة الزعيم؟! فلم يبدأ الشك يثور إلا بعد خروج الفريق فوزي، وفي عصر أنور السادات وبعد 10 سنوات من وفاة ناصر!!
أما السبب فهو ما أدلى به الفريق فوزي من أقوال بأن الفريق أول طبيب رفاعي كامل حضر له بعد دفن عبد الناصر وقرر أمامه بأنه وقع على شهادة الوفاة غلط، وأن عبد الناصر لم يمت بنوبة قلبية ولكنه يرجح أنه مات بغيبوبة السكر؟!
وبدأت رحلة مجموعة البحث عن الحقيقة
بالطبع أهمهم: الصحفي (جمال سليم) ثم (مصطفى بكري) ،فعادل حمودة ،وعبد الله إمام ،وسليمان الحكيم..(فقد اهتم جمال سليم بإعلان الوفاة من الأطباء وما حدث منهم ومسرح الأحداث وأثبت بالطريقة القانونية (شهادة الشهود) أن هناك شبهة جنائية في الوفاة !
أما مصطفى بكري وسليمان الحكيم فقد بحثا عن القصة الغريبة التي قيلت من جانب الغرب وإسرائيل عن مدلك للرئيس كان يدهنه بالسم على جرعات !
أما عبد الله إمام فقد انفرد بسامي شرف ليعرف منه الحقيقة؟!
وعادل حمودة جمع كل ذلك وأعاد ترتيبه ويعيد فيه النظر والتفكير) لرصد ظاهرة القيد ضد مجهول التي وصلت إلى عبد الناصر نفسه !
وأبدأ بالحديث القنبلة الذي فجرته جريدة الوفد في 9 يونيو 1988والذي أجراه "حمدي لطفي" مع طبيب قلب, وأترك الدكتور الفريق رفاعي كامل، يروي ذكرياته:
عملت في بداية خدمتي العسكرية طبيبا بالمدرسة الحربية وقمت بالكشف الطبي على دفعات الطلبة التي تخرجت بها طوال ذلك العام 1938 ومن بينهم عبد الناصر وأنور السادات وزكريا محيي الدين وحسين الشافعي وعبد اللطيف بغدادي والمرحوم جمال سالم وحسن إبراهيم..
وقد ذكرني بذلك عبد الناصر حين جاءني عام 1946، وكان برتبة نقيب وينتظر ترقية للرتبة الصاغ أو الرائد، يشكو من آلام يشعر بها في صدره، ولم أكن قد تخصصت في القلب بعد، ووصفت له الدواء.. ثم لم أعد أراه.
- هل كانت الآلام التي شعر بها قبل قيامه بالثورة بست سنوات، في صدره بداية لانسداد شرايين القلب؟
- كان ذلك عام 1946،واعتقد أن القلب كان سليما، ولكنه التدخين والإرهاق والتعرض لنزلات البرد،وقد تخصصت في أمراض القلب بإنجلترا عام 1947 وعدت أخدم بالمستشفى العسكري العام، ولم أر عبد الناصر،وقامت الثورة ولم أسع إليه، ومررت بسلم الترقية حتى توليت رئاسة القسم الطبي للقوات الجوية المصرية عام 1959 وبقيت مؤيدا له بكل كياني كضابط طبيب، وفي عام 1963 عرفت أنه طلبني من المشير عبد الحكيم عامر كي أشرف على شئونه الصحية والعلاجية، وعدت أراه كثيرا مرة كل أسبوع أو أكثر، وكان يشكو الإرهاق وبعض الاكتئاب الذي أصابه بعد انفصال سوريا، وحطم كبرياءه إلى حد ما
ويستطرد الطبيب قائلا: في عام 1964 أو بعد ذلك بقليل اكتشفت إصابته بالسكر، ولم يكن بقادر على السيطرة على المرض،وتكتمت الأمر تماما، وشكرني على ذلك، ولكني وجدت أنه من الضروري أن نلجأ إلى طبيب آخر لضبط السكر، فاقترحت عليه اسم الدكتور المرحوم أنور المفتي
فوافق عبد الناصر.وقام المرحوم دكتور أنور المفتي بمهمته الطبية، ولكن طبيعة عبد الناصرالمتوترة دائما،وأعباء الحكم الذي ينفرد به وعدم لجوئه للآخرين لمعاونته إلا بقدر بسيط، وصراعه السري مع عبد الحكيم عامر حول قمة السلطة - وإخفاءه هذا الصراع - الذي ظل يؤرقه طويلا، حتى تردد أن عامرا هدده بالنفي ذات يوم، وقد أصبح عبد الناصر معزولا عن ضباط الجيش تماما غير قادر على الاتصال بهم للوقوف إلى جانبه..
كل هذه الاعتبارات جعلته ينهار ويصاب بأزمات نفسية شديدة الخطورة فاقترحت ضرورة اللجوء إلى طبيب أخصائي في علاج الجهاز العصبي، وبات الأمر أخطر من أن ينفرد به طبيب أو مسئول واحد مثلي أو مثل الدكتور المفتي أو سامي شرف أو محمد أحمد
فتكونت لجنة من المشير عامر وصلاح نصر رئيس جهاز المخابرات العامة،اشترك فيها سامي شرف، وقررت أن تقوم إدارة الخدمات الطبية للقوات المسلحة باستدعاء أخصائي أمراض نفسية وعصبية من إحدى دول أوروبا بحجة الإسهام في علاج بعض حالات القادة العسكريين المصريين، وبالفعل اختاروا طبيبا من"النرويج" جاء إلى القاهرة، وبعد عدة جلسات معه ذهب للكشف على عبد الناصر ثم كتب تقريرا اعتقد إنه كان في الخزانة الخاصة بعبد الناصر
وقد تحدث الطبيب النرويجي في هذا التقرير عن خطورة مرض"البارانويا" على عبد الناصر،وقال إنه ينصح بإبعاده عن إدارة شئون الدولة أو أي عمل يفصل فيه!
واتفقت مع الدكتور أنور المفتي على تكتم الأمر تماما، غير إنني فوجئت وكنت بين بعض زملائي لأطباء بكلية طب جامعة القاهرة بأساتذة أطباء يسألونني عن حقيقة مهمة الطبيب النرويجي الذي زارهم ووجدتهم لا يصدقونني!
والتقيت بالدكتور أنور المفتي ورويت له ما سمعت، فقال لي إنه تلقى ذات السؤال وإنه روى لزملائه بعض التفاصيل وتوقعت شرا لا محالة! وبعد أيام سمعت أن أعضاء نادي الجزيرة يتحدثون في سهراتهم عن مرض عبد الناصر، وازداد خوفي
- ألم يناقشك سامي شرف في هذه القضية؟ أو يسألك كيف تسربت؟
- لا.. لم يحدث، ويبدو إنهم عرفوا أن مصدر القصة هو المرحوم دكتور أنور المفتي ولهم أساليبهم العديدة.
- هل تعتقد أن ما تحدث به الدكتور المفتي كان سبب الخلاص منه بالسم كما تردد وأشيع بعد وفاته؟
- لا أستطيع أن أجزم بشيء،ولكني سمعت القصة في وسطنا الطبي قبل وفاة عبد الناصر وبعد وفاته، وستظل حكاية المرحوم أنور المفتي واحدة من القصص المثيرة التي أفرخها الحكم الشمولي لعبد الناصر.
- وكيف بقيت علاقتك الطبية بعبد الناصر؟
- هذا هو أهم جزء في حوارنا..
كنت أراه دائما، وفي الفترة السابقة على وفاته اعتدت زيارته مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع، وفي كل مرة أجري له رسما للقلب، وأقف على سرعة ترسيب الدم لديه، وفي يوم 26 سبتمبر 1970 أجريت له الاختبار المعتاد وكانت سرعته الترسيب 22 % وهو معدل مطمئن، ويوم الوفاة أشفقت عليه من المجهود الذي يبذله في توديع الرؤساء والملوك العرب بعد عقد مؤتمر القمة الطارئ، وبعد الخامسة بقليل تلقيت مكالمة تليفونية للإسراع إلى بيت عبد الناصر، وفي الخامسة والنصف تماما كنت واقفا بجوار جثمانه وقد فارق الحياة
كنت أراه دائما، وفي الفترة السابقة على وفاته اعتدت زيارته مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع، وفي كل مرة أجري له رسما للقلب، وأقف على سرعة ترسيب الدم لديه، وفي يوم 26 سبتمبر 1970 أجريت له الاختبار المعتاد وكانت سرعته الترسيب 22 % وهو معدل مطمئن، ويوم الوفاة أشفقت عليه من المجهود الذي يبذله في توديع الرؤساء والملوك العرب بعد عقد مؤتمر القمة الطارئ، وبعد الخامسة بقليل تلقيت مكالمة تليفونية للإسراع إلى بيت عبد الناصر، وفي الخامسة والنصف تماما كنت واقفا بجوار جثمانه وقد فارق الحياة
ووجدت نفسي أسأل سامي شرف ثائرا: لماذا استدعيتني متأخرا، لماذا لم تكلمني فور إصابته بالأزمة؟
ولم أتلق جوابا! وعدت أسأل: هل أجريتم رسما للقلب وقياس سرعة الترسيب؟.. وجاءوا لي برسم القلب الذي أجري له الساعة الرابعة والنصف وكانت المفاجأة الكبيرة المذهلة وجدت سرعة الترسيب كما سجلتها في اليومين السابقين 22ِ% ومن الصعب أن تكون تلك النسبة سببا في الموت، لابد أن تكن سرعة الترسيب 80% مثلا كي يصاب بالتجلط وانسداد شرايين القلب، ومثل هذه السرعة لا بد أن تترك علامات بالقلب،وقلت لمن حولي هذا الشرح، وأكدت أن الوفاة ليست بسبب القلب، فإذا بهم يعلنون تأففهم وتبرمهم بحديثي، ويتساءلون: "ماذا تريد أن تفعل بالبلد؟!"
إلى اللقاء في الجزء الثاني من الحلقة الخامسة : تشريح جثمان عبد الناصر !!
---
بقلم /
أشرف مصطفى توفيق
كاتب وأديب ومستشار سابقا
صدر له العديد من الكتب والروايات
رواية جاسو
رواية غزوة وداد قرني
رواية نجمة يناير
كتاب نساء الملك فاروق
كتاب صباح الخير ايها العشاق
والعديد من الكتب الاخرى
---
بقلم /
أشرف مصطفى توفيق
كاتب وأديب ومستشار سابقا
صدر له العديد من الكتب والروايات
رواية جاسو
رواية غزوة وداد قرني
رواية نجمة يناير
كتاب نساء الملك فاروق
كتاب صباح الخير ايها العشاق
والعديد من الكتب الاخرى