د. مي محمود عبد اللاه :
ثغرات حياتية , وفجوات نفسية
- اليوم وضمن سلسلة مقالات ( ثغرات حياتية وفجوات نفسية ) نتحدث عن الأسباب المنسية في الخلافات الزوجية !! ..
- لا
زواج بدون خلافات واختلافات و هزات تعيد نسجه وتضفيره فتجعله نسيجا متشابكا يشتد
ويقوى بعد كل مرة .
كالملح والفلفل للطعام, و كتوم وجيري الكارتونيين,
وكعضة الحب القاسية الحانية, و كبحر يتلاطم فيه الموج حاضنا بعضه الآخر .
ومع هذا كله هناك الكثير من الخلافات والمشاكل الزوجية التي تأبي أن تنصهر لتستقيم معها الحياة الأسرية رغم فتوى كل ذي فتوى,وتدخل كل صاحب أطروحة, و يلجأ فيها الأطراف للاستسلام مستمرين في حياة تعيسة باهتة بائسة أو للانفصال .
أشارت
المنشورات الفيسبوكية و الفيديوهات اللوذعية عن فن العلاقات و عن أطروحات "تزوجيه فارسا يهزم كل الأعداء و يشق
كل الهموم و يزيل كل العثرات " و تزوجها هيفاءا " ، ودعوات كوني له
"نيلةً" فيكون لك "ستين نيلةٍ" ، و اصبغي له شعرك أحمرا
لتستطيعي فتنة كرشه المتدلي من فانلته البيومية الفؤادية البيضاء ...
وكل ذلك جميل و قد يلمع فكرة فعلا أو قد يؤتي بثمار وقتية أو دائمة ربما .... ولكن ..
سبب كتابتي لهذا المقال أنه هناك أسباب منسية
وخفية قد لا تندرج تحت هذه النصائح و الأطروحات و تختلف أيضا عن خلافات سنوات الزواج
الأولى المعروفة (لأسباب عدم الخبرة أو التخبط في فهم الآخر أو التربية و النشأة
المختلفة للزوجين ) .
أو
بمعني آخر للسؤال هل استثنينا الأسباب المرضية العضوية و النفسية التي قد تؤثر في
سير العلاقة الزوجية ؟!
ولا
يهمني كثيرا في هذا المقال -وان كانت مهمة جدا في العموم- الأمراض المعلنة
والمعروفة التي يعرف فيها صاحبها أنه يحتاج لعلاج و يسعي إليه إن آجلا أو عاجلا والتي
من أمثلتها في الطب النفسي : الذهان و الاكتئاب والقلق والرهاب والوسواس القهري
وغيرها .
ولكن ماذا عن بعض الاضطرابات والأمراض النفسية
التي تكمن في كيان الشخص عمراً بحاله ولا يعرف ولا يشعر للحظة أنها اضطرابات تحتاج
لعلاج و هو ما نسميه في الطب النفسي egosyntonic
والتي يكون فيها الفرد متصالحا مع ذاته ، لا
يسبب له اضطرابه مشكلة يتأذي منها شخصيا ، ولا تعيقه في الغالب عن الاستمرارية في
وظيفته أو عمله ، ولا تعنيه كثيرا العلاقات وشأنها ليدرك وجود خلل فيها أم لا ؟
... فيكون كل المتأذي هم من معه في العلاقات القريبة جدا التي تضيق فيها المساحات
وتنكشف فيها المآسي .
و الزواج أقرب علاقة بين شخصين فيتضرر أحد
الطرفين بشدة دون معرفة المشكلة الحقيقية و يعيش تائها عمرا بحاله ...
هذه الأسباب المنسية هي اضطرابات الشخصية personality disorders
والتي سأذكر عن كل نوع فيها نبذة تقرب الصورة ( وهي نبذة منقوصة ، لا تسمح لتشخيص
علمي ، ولا تحمل قارئها على الجرأة في إلقاء التشخيصات على غيره من مجرد قراءة أمثلتها
، فقط هي مثل جرس انذار أو إلتفاتة أو كشاف قد ينير فكرة غائبة فربما نلجأ بعدها
لمتخصص لنعرف هل من علاج أو هل نحتاج أصلا لعلاج ؟!
ولا
تندرج تحتها كل أسباب المشاكل الزوجية فالخيانة و فراغة العين و مشاكل بيت العائلة
وغيرها لا زالت أسباب فيما عدا هذه الأسباب المنسية التي سأذكرها) .
أنماط الإضطرابات الشخصية وأنواعها :
*الشخصية التشككية Paranoid personality disorder :
أشوف الموبايل ، جت لك رسالة .. ايه هي ؟ ،
رايح الشغل متأخر ليه ؟ ، طيب رايح الشغل ليه بدري ؟ ، قفلت المكالمة أول ما جيت ،
الناس وحشة بتكرهني ، فلان عمل دة ليه ؟ ، اكيد لسبب مش تمام ، هو ابننا دة ابننا
؟ لا بهزر ، هي بنتنا مش شبهنا ليه ؟ لا بهزر ، اللايك دة معناه ايه ، الكومنت دة
ليه ؟
وهكذا سلسلة شكوك لا ترقي لدرجة الضلالات
المثبتة ، صاحبها شاكك فقط دون وجود أي دليل
(ومن السهل هنا توقع كل خلاف يحدث بعد كل جملة تقال من مثل هذه الجمل
).
*الشخصية الشبيهة بالفصام Schizoid personality disorder:
شخص
متوحد مع الذات ، لا يؤمن ولا يلجأ للشراكة ، لا يميل للجنس وممارسته ، لا يهمه
النقد ، لا يفرحه الثناء ، بارد المشاعر ، جاف عاطفيا ، ليس عنده علاقات عميقة
كلها سطحية لا تعني له شيء .
والمتضرر الأول لحزمة الصفات هذه بالطبع شريك
الحياة لأن شراكة الحياة الزوجية ضد كل هذه الصفات.
*الشخصية الفصامية Schizotypal personality disorder:
شخص
متوحد مع الذات بشكل مرضي ، أفكاره غريبة ومتطرفة ، يصعب عليه التفكير المنطقي ،
يفتقد المشاعر والتعبير عنها ، ردود فعله غير ملائمة للموقف ، يسمع ويري أشياء
غريبة يفسرها بطريقة غريبة
( وكل هذا بشكل لا يرقي لكونه مريض فصام بالشكل التشخيصي الكامل ولذلك هو
الأصعب في التشخيص).
*الشخصية العدوانية Antisocial personality disorder:
لا
تهمه مشاعر الآخرين ، قاسي في تعامله ، متورط بسهولة في جرائم و أفعال لا شرعية ،
من الصعب عليه اقامة علاقة قريبة ، لا يشعر بالذنب تجاه أي أذي يسببه ، ولا يتعلم
من تجاربه السابقة المؤلمة, شعاره : ( أنا كدة كويس وتمام ).
*الشخصية الهيستيرية Hysterical personality disorder:
مشاعر قوية ولكن سرعان ما تتغير بسرعة، صخب في
الأداء العام والتصرفات، يميل للاغراء ، الصور الكثيرة و الفانتازي ، لفت النظر
بأي شكل، كل كلمة والتانية : آااه قلبي ودوني عند الدكتور ، اداؤه يشبه أداء سيدة الانتخابات الصائحة : يا سيسي ، يا سيسي ثم
ختمتها بثالثة يا سيسيييييي مع اغماءة ..
مثال
آخر : المريضة التي يحضرون لها الطبيب الأصلع في الأفلام القديمة الذي يقول :
الهانم عندها انهيار عصبي ومحتاجة ترتاح يومين في العزبة .
*الشخصية النرجسية Narcissistic personality disorder:
(أنا)
جبت ، (أنا) عملت ، (أنا) سويت ، فلوسي ، حياتي ، انجازاتي ، أبويا ، أمي ، أهلي ،
شغلي ، لبسي ، يحب أن يكون الكل في الكل ، لا يري ناجحا غيره ولو رآه تجاهله عمدا
....
كل كلامه ومشاعره منصبة نحو ذاته ( أنا وفقط) دون الالتفات لحظة
لمشاعر و طموحات وعمل و أهل الآخرين ومن ضمنهم شريك الحياة , شعاره ليس فقط ( أنا
ومن ورائي الطوفان ) ولكن ( أنا
و كيف سأنجو من الطوفان ؟ حيث لا آخرين هناك أصلا ) .
*الشخصية الحدية Borderline personality disorder:
مشاعره من النقيض للنقيض ، اليوم أنت تتأرجح معه
في سابع سماء و غدا أنت مدفون بقدمه تحت الأرض يأكلك الدود ، يؤذي نفسه ،يتصرف بتهور
واندفاعية ، يقيم علاقات بسهولة وسرعة و ينهيها بسهولة وسرعة أيضا .
( وهو
من أكثر الاضطرابات التي يسعي فيها المحيطين لطلب العلاج لذويهم نظرا للأفعال
الغير متوقعة وايذاء النفس الذي يرتكبه ومع ذلك الشخص نفسه يشعر أنه بخير صحة و
حال ولا يحتاج لعلاج ).
*الشخصية الاعتمادية Dependant personality disorder:
هناكل
ايه ؟ معرفش ، هنجيب ايه للأولاد ؟ معرفش ، هنشتري ايه للبيت ؟ شوفوا انتوا ،
هنخلف امتي ؟ أما ماما تقول ، هنروح المكان الفلاني ؟ أما آخد رأي بابا ...
وهكذا سلسلة من السلبية و الاعتماد علي آراء
الغير و التخبط وسط الاحتمالات ، لا اتخاذ قرارات ولا يعتمد عليه و هذا النوع من
المشاكل عنوانها في الغالب ( ابن
أمه ) أو ( أمها خربت
عليها) .
*الشخصية الوسواسية Obsessive compulsive personality
disorder:
السعي
للكمال ، القلق الدائم ، اعادة فحص الأفعال و الأشياء بشكل مبالغ فيه ، ذو أحكام
كثيرة علي النفس والغير ، يهتم بتفاصيل التفاصيل ويغرق فيها و يأكل نفسه لوما
وتقريعا علي أقل تقصير .
كل
هذه الأنواع يكمن أهمية التطرق لها أنها غير واضحة التشخيص ، فأغلبها لا يشعر بها
صاحبها بغضاضة فهي نادرا ما ستؤرقه ذات ليلة ، ولن تنغص عليه حياته تأنيبا أو
تدميرا ، كل الضرر في الغالب علي الأطراف التي تتعامل معه عن قرب كمثل علاقة
الزواج ..
عنوان هذه المشاكل غالبا ما تكون : ( هو/ هي كدة ، لن يتغير ،
تأقلمنا علي تحاشيه ، طبعه غريب ، صعب المعشر ) .
نصائح للمقبلين على الزواج
ولذا
فنصيحتي :
أن
يلجأ كل اثنين مقبلين علي الزواج لفحص نفسي و كذلك كل زوجين قررا الانفصال وذلك قبل
الإذعان للقرار النهائي .
فربما طولة البال والاعتراف بالحاجة للعلاج ( الذي
قد يطول و يستمر لسنوات وليس كعلاج كلي ولكن علاج أكثر الصفات التي تندلع معها
الخلافات ) تكون سببا في تلائم أكثر مع حياة زوجية مشتركة ومستقيمة فتنجح العلاقات
ببعض البذل واكتساب المهارات .
نصائح هامة
و هذه نصائحي في تربية الأبناء لتجنب خلق شخصيات
تعاني من اضطرابات الشخصية مستقبلا :
*علم ابنك/ بنتك الاعتماد علي النفس و اتخاذ
القرارات و مقارنة البدائل بنفسه ومدي صلاحية تطبيقها.
*لا
تبرر لابنك/ بنتك أخطاءه أو تسقطها علي أشخاص آخرين أو جمادات أو ما شابه لاعفاؤه
من مسئولية ادراك الخطأ.
*لا
تعطي رسائل مزدوجة لابنك كمثل (افعل) ومن طرف مربي آخر الأم او الجدود ( لا تفعل)
وحدوا الرسائل التي تصل للطفل.
*احذر
الحماية الزائدة و الإستجابة والتلبية لجميع طلبات الطفل وكذلك احذر التجاهل و الإهمال
و التفرقة بين الأبناء بعضهم البعض فقد ثبت أن الإهمال والتجاهل يفوق أثرهم أثر
الضرب و الأذي الجسدي.
* درب
ابنك /بنتك علي مهارات حل المشاكل و التفاوض و التواصل الفعال.
*وأقل اليقين و أكبر الأثر علمه القراءة ليكمل ما تعثر فيه في طريقه عبر القراءة و
الاطلاع بدلا من القوقعة علي التجارب الشخصية المحدودة او غير الكافية لإقامة
العلاقات.
وأخيرا؛ :
الزواج تجربة تستحق البذل و الاجتهاد و تعلم المهارات لتليق بإنسانيتنا الناطقة المفكرة فهي لا تخضع لتجربة هرمونات ذكورية مع أنثوية بعضها البعض ومن قبلهم تجربة تحتاج اذن من السماء بالمودة والرحمة التي ان لم تنزل فمن ذا الذي ينزلها ؟!...
الزواج تجربة تستحق البذل و الاجتهاد و تعلم المهارات لتليق بإنسانيتنا الناطقة المفكرة فهي لا تخضع لتجربة هرمونات ذكورية مع أنثوية بعضها البعض ومن قبلهم تجربة تحتاج اذن من السماء بالمودة والرحمة التي ان لم تنزل فمن ذا الذي ينزلها ؟!...
فقط نأخذ ببعض الأسباب
.
د.مي
محمود عبد اللاه
أخصائي المخ و الأعصاب والطب النفسي
للمزيد من مقالات الدكتورة مي محمود عبد اللاه المتخصصة في العلاج النفسي اضغط هـنا
للمزيد من مقالات الدكتورة مي محمود عبد اللاه المتخصصة في العلاج النفسي اضغط هـنا