من أهم المسائل التي اثارت ولا تزال تثير العقل البشري , هي مسألة الدين , والتي هي أساس علم الأديان ..
ومن بين الأسئلة التي كانت تصلني في الفترة التي كنت فيها أناظر وأجادل الملحدين والمشككين هذا السؤال التالي
- و كيف ترد على الذى يقول أن الدين ليس من عند الله و إنما هو من اختراع البشر؟
----
الرد :
للجواب نقوم بتعريف الدين بصورة مبسطة :
الدين هو تواصل بين الخالق ومخلوقاته
ثم بعد ذلك نسأل انفسنا التالي :
هل تواصل الخالق مع خلقه , ممكن عقلا ام يستحيل تصور ذلك في العقل ؟
-الجواب : ممكن عقلا
واذا كان من حيث الامكان والاستحالة ممكن الحدوث وليس مستحيلا , فهل حدث في الواقع ؟ ام لم يحدث ؟!
- الجواب : توجد ادعاءات بحدوثه في الواقع من قبل جماعات دينية مختلفة
وهنا يتحول مسار البحث الى الكيفية التي ندرك بها وجود الدين الحقيقي طالما اثبتنا انه عقلا ممكن الحدوث و ايهم هو الدين الصحيح الصادر من الله ؟
س : تواصل الله مع مخلوقاته تواصل سلبي ام ايجابي ؟
ج - تواصل ايجابي
وطالما تواصل ايجابي , هل هو نافع أم ضار ؟ أم يدور بين النفع والضرر ؟
ج - طالما ايجابي اذن لابد ان يكون تواصل نافع واستحالة يحمل اي قدر من الضرر وإلا كان ذلك جهلا من الخالق بطبيعة خلقه وما يصلحهم واستحاله الخالق يكون جاهلا بخلقه
س : اذا كان تدخل نافع , فهل هذا يعني ان الدين الحقيقي يهتم بالانسان روحا فقط ام جسدا فقط ام روحا وجسدا ؟
ج - يهتم بالانسان روحا وجسدا
س : ملائم لطبيعة الانسان ام غير ملائم ؟!
ج- ملائم
س : الدين الحق يكون جامداً أم مرناً يأخذ في الحسبان تغيرات الزمن ؟!
ج - ان الله يستحيل ان يجهل تأثير الزمن على الاشخاص فاذا وضع لهم دينا فيجب ان يكون الزمان وتغيراته في الحسبان , ده المهندس الناجح بيبني البيت ويضع في حسبانه الكوارث والزلالزل وتسرب المياة الجوفية حتى لو كانت احتمال حدوثهم ضعيف جدا , فالله ليس اقل اتقانا من بعض مخلوقاته
س : الوسيلة التي يتواصل بها الله مع مخلوقاته , في استطاعتهم استيعابها ام تتطلب تطوير جديد في " سيستم البشر " كي يتم التواصل ؟
ج - الاله الحقيقي قادر على التواصل مع خلقه من غير اضافة " اوبشنات " جديدة وإلا كان خلقهم بغير قدرة على الاستجابة له عند تدخله في شئونهم " عيب مصنع " , أ] عدم إتقان الصنعة , ومعاذا الله ان لا يكون متقنا في خلقه
س : اذن التواصل يجب أن يدرك بوسيلة من وسائل الادراك في المخلوق : اما بالسماع واما بالرؤية واما بهما معا , واما رمزا ( بالترميز ) مثال الرؤية او الحلم والتواصل الاخير يحتاج الى من لديه قدره على فك الترميز وهذا وان كان نادر ان يوجد بين الشر لكنه غير مستحيل , ومن حيث الواقع لم يقع إلا مع من يفهمون في فك الترميز او يتيسر لهم ذلك كالانبياء والصالحين ..
أليس هذا صحيحا ؟!!
أليس هذا صحيحا ؟!!
ج - كل ذلك ممكن
س : هل يجوز ان يكون التواصل مباشر كما يجوز ان يكون بوسيط مرسل ؟ أم لايجوز ؟
ج - نعم يجوز وغير مستحيل
س : اذن يكون وجود رسل من البشر أو حتى من غير البشر امر ممكن الحدوث ؟ صح ؟
ج - ممكن الحدوث
س : وكيف نتأكد ان الذي يدعي انه رسول انه مرسل من الله وان الرسالة التي ينقلها هي من الله ؟
والجواب على ذلك وببساطة :
(( لما اقولك سمعت قناة الجزيرة بتقول ايه ؟ فيه اللي هيقولي مش عايز اعرف عشان دي قناة كدابة اصلا , لكن لو القناة دي عندك من القنوات الصادقة اللي بتنقل الاخبار الصحيحة اكيد هتكون متلهف تعرف ماذا اذاعوا ونقلوا واخبروا منذ قليل !! ))
اذن : أهم شرط في ناقل الخبر هو ان يكون صادقا , فاذا ثبت صدقه انتقلنا الى ما يحمله من اخبار ونقول له : هات ما عندك
اذا كان ما عنده :
( ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي )
نقوله كلام معقول لانه يتصور عقلا ويكون مقبولا لديه ان الله يأمر بذلك فعلا
أما إذا قال :
ان الله يأمر بالفحشاء والمنكر والبغي والزنا وشرب الخمور والحشيش ..الخ
نقوله هذا خبر غير مصدق في العقل , لانه يستحيل في العقل ان يأمر الله بذلك , وبالتالي القضية مرفوضة منذ البداية .
اذن :
بعد التحقق من صدق المخبر نتحقق من معقولية الخبر وقبوله في العقل , أي امكانية تصور حدوثه ووقوعه فعلا
فانت رجل صادق واخبرتني ان امريكا هزمت كينيا وامريكا عندي اقوى من كينيا وانت صادق والخبر لا يستحيل حدوثه بل ممكن الحدوث اذن الخبر صحيح إلى ان يثبت العكس بدليل اخر له نفس المصداقية او اقوى
اذن : الدين لا يمكن ان يتعارض مع العقل لا في اوامره ولا في عقيدته
كيف ذلك ؟
يعني اذا اخبرك الرجل الصادق ان البرتقالتين اللتين تراهما بعينيك إثنتين هما برتقالة واحده تجسدت في برتقالتين ..
ان هذه قضية او مسألة أو خبر غير ممكن في العقل وبالتالي غير ممكن تصور حدوثه في الواقع
واذا كان غير ممكن في العقل اذن انت امام احتمالين :
اما أن الرجل الصادق اصبح مجنونا , او أصبح كاذبا وعليك أن تلغي عقلك وتتبعه
اما أن الرجل الصادق اصبح مجنونا , او أصبح كاذبا وعليك أن تلغي عقلك وتتبعه
والدين الحقيقي لا يعطل العقل , لانه يعتمد عليه في التفرقة بين الحق و الباطل
فأي دين يأتي بصفة لله لا يقبلها العقل يجب ان نتوقف عندها ولا ندعها تمر وإلا كنا بذلك نقبل ان نتنازل عن عقلنا لشخص هو حاليا مجنون .
س : ربما تسألني وتقول ولكن الله في الاسلام مثلا: يغضب , ويمكر , ويكره , ويحب ويسخط , ويرضى ... الخ ؟!
في الحقيقة لم يكن ذلك عندي عائقا او مشكلة يوما ما , لان هذه ليست صفات وانما احوال يقابل الله بها افعال عباده عدلا منه وقضاء وليس لانها صفاته
فانت مثلا حين تقابل بالغضب شخصا خالف امرك وعصاه وتقابل بالرضى شخصا اطاعك فهذا لا يعني ان الغضب من صفاتك او حتى الرضى او الحب او الكراهية
بل يعني ان العدل من صفاتك
وانك لتجد القاضي مثلا يحكم على جاني باللوم والعتاب , ويحكم على اخر ارتكب نفس الفعل بعقوبة أِشد , ثم علمت أن الجاني الأول " حدث " وهي مصطلح في القانون تعني انه أقل من 1 عاما , بينما الآخر كان بالغا
حينئذ ستدرك أن الأمر لا علاقة له بالغضب .. وإنما بالعدل !
اما الخداع او المكر فهذه ايضا ليست صفاتا , فالاله استحالة ان يكون ماكرا او مخادعا , ولكن من مقتضيات العدالة ان يكون الجزاء من جنس العمل ( يخدعون الله والذين امنوا وما يخدعون إلا انفسهم ) , ( يمكرون ويمكر الله ) فالخداع والمكر هنا هو عقاب من جنس العمل
كما ان الغضب والرضى والمكر يأتي في القرآن في سياق " الجزاء " او الثواب والعقاب ولا يأتي مثلا في سياق وصف الذات الالهية فلا نجد مثلا وكان الله غضوبا ماكرا , ولكن على العكس من ذلك نجد : وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا
اما الذي يكون خداعا او مكرا هو ان تجد تلك صفات أصيلة يتعامل بها مع الجميع
فالإنسان المخادع .. يخدع الجميع , بل يخدع حتى نفسه
والإنسان الكاذب .. يكذب على الجميع , حتى انه يصدق كذبه فيكون قد كذب على نفسه أيضا
أما من يخدع من يخدعه , ويمكر بمن يمكر به .. فقد اعطى الجزاء المناسب .. الجزاء الذي هو من جنس ما عومل هو به من هذا المخادع !!.
اذن :
لا يستحيل صدور تواصل من الله مع مخلوقاته وبالتالي وجود الاديان السماوية امر جائز وان كان وقع فعلا , فعلى كل انسان ان يتحقق كما ذكرنا من صدق الخبر
اقرأ ايضا :
السنة النبوية بين الأخذ والترك - بقلم أحمد الأسيوطي
اقرأ ايضا :
السنة النبوية بين الأخذ والترك - بقلم أحمد الأسيوطي
--
أحمد الأسيوطي
قانوني وكاتب ومفكر
مؤلف كتاب : الطريق إلى الإيمان