يعرف كل مُطلع على الفلسفة الحديثة ان "ميشيل فوكو" هو احد رواد مدرسة "ما بعد الحداثة" إلى جانب كلً من "جان فرانسو ليوتار" و "جاك دريدا" ، و قد عنيت هنا بتقديم آراء "فوكو" في ما يخص ثقافتنا و ديننا و روحنا الثورية.
يقول "فوكو" في إطار فهمه للإسلام :
الإسلام يقدر العمل ، لا يمكن حرمان أحد من ثمار العمل ، الأشياء التي تعود ملكيتها للجميع ، (كالمياه، والأرض) لا يجوز لأحد الاستيلاء عليها ، الحريات ستظل محل احترام ، مادامت ممارستها لا تؤذي الآخرين. ستحظى الأقليات بالحماية والحرية والعيش بالشكل الذي ترغب به ، بشرط عدم إيذاء الأكثرية ، سيكون هناك مساواة بين الرجال والنساء ، وسيكون هناك اختلاف أيضاً ، نظراً لوجود فروق طبيعية بينهما. في الشؤون السياسية ، تؤخذ القرارات وفق رأي الأغلبية ، القادة مسؤولون عن الشعب ، وكما هو مبين في القرآن، فالحاكم عرضة للمحاسبة أمام أي فرد في المجتمع.
و يشير "زهير الخويلدي" في كتابه "مدنية الإسلام في مواجهة عولمة الإرهاب" إلى ان الكلمة السحرية التي وقف أمامها فوكو مندهشا ولم يقاوم فتنتها ورونقها هي politique spirituelle والتي تترجم بالروحانية السياسية ، حيث انه لم يفهم هذه الطاقة الهائلة التي لعبها العامل الديني في مقاومة الاستبداد والتخلف والاستعمار غير المباشر والتبعية للغرب وكل ذلك كان تحت شعار الروحانية السياسية!.
ربما السبب الأكثر وجاهة الذي جعل ذهن المفكر الفرنسي مشدودا إلى التحول الكبير في المجتمع الإيراني ويرصد الولادة العسيرة لحقبة تاريخية مغايرة لهذه الرقعة الحضارية الضاربة في القدم هو التلاحم الذي فهمه بين الفكر والناس وبين العقيدة والسلوك وقدرة الأفراد الرهيبة من خلال الأفكار الثورية على تغيير مجرى التاريخ والتأثير في الأشخاص والعقول وتحريرهم من الأوهام والخوف والدفع بهم إلى المشاركة في صنع المستقبل وترغيبهم في التضحية في سبيل الشأن العام.
اما عن المفكر الإسلامي الكبير "علي شريعتي" يذكر "فوكو" أنه من الذين هتف الناس باسمه زمن الثورة ورفعت صوره في الشوارع وكتب اسمه بالبند العريض في التاريخ ويلمح بأن التنوير الغربي لم يصدر فقط إلى الشرق الاستعمار والامبريالية والنخبة الراعية للاستبداد بل كون المفكرين الشرقيين الأحرار الذين يؤمنون بالبراكسيس والتغيير وينهضون بشعوبهم نحو الأفضل.
و يسمي فوكو شريعتي الحاضر الغائب ويقر بصداقته له ويبدى إعجابه بالمفكر إذ يقول عنه:" عند هذه النقطة نلتقي بشبح يتصيد كل الحياة السياسية والدينية في إيران اليوم ، إنه شبح "علي شريعتي" ، إنه الرجل الذي منحه موته قبل عامين هذا المنصب الرفيع في العالم الإسلامي الشيعي ،منصب الحاضر الغائب. أثناء فترة تواجده في أوربا للدراسة ، كان علي شريعتي على اتصال مع قادة الثورة الجزائرية ، ومع حركات مسيحية يسارية عديدة ، ومع تيار من الاجتماعيين اللاماركسيين. وقد حضر محاضرات عند "جورج جيورفيتش" ، كما قرأ علي أعمال "فرانز فانون" ، إضافة إلى "لويس ماسينيون".
----
بقلم / فهد اشرف