Header Ads Widget

مسجد في ميونخ - للكاتب أحمد المسلماني




أحمد المسلماني :
حظِى كتاب الباحث الكندى «إيان جونسون» عن العلاقات الأمريكية - الجهادية باهتمام واسع.. ذلك أن كتاب «مسجد فى ميونخ» يكشف عن أسرارٍ جديدة من جانب ويؤكد هواجسَ قديمة من جانب آخر.
وقد أحسنتْ وزارة الثقافة إذْ أصدرتْ الترجمة العربية من الكتاب.. ليكون هذا العمل المثير والجادّ فى آن.. فى يد القارئ العربى.
(1)
بدأ الألمان فى عهد هتلر تطوير سلاح العقل.. أى التلاعب بالعقول.. وهو سلاح قديم، لكن التطوير كان كبيراً، وكان من سوء حظ المسلمين أن «الإسلام السياسى» أصبح أداة أساسية.
كان السوفييت يقاتلون بشراسة ألمانيا النازية، ورأى الألمان أن استخدام «سلاح المسلمين السوفييت» سيؤدى إلى هزيمة موسكو.. حيث تمتلئ جمهوريات الاتحاد السوفيتى بعشرات الملايين من المسلمين.. وإذا ما تم استثمار الحركات الإسلامية المعارضة، فإن ذلك من شأنه تدمير الاستقرار وإرباك الدولة.. وهزيمة السوفييت من الداخل.
(2)
أسست ألمانيا لهذا الغرض «مسجد فى ميونخ».. كان دوره السياسة لا العبادة.. وانتصار النازيين لا انتصار الإسلام.
انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945 بهزيمة ألمانيا وانتصار الاتحاد السوفيتى ودول الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
احتل الحلفاء ألمانيا.. ورأت واشنطن أن «مسجد فى ميونخ» يمكنه أن يبقى.. وأن رسالته ينبغى أن تستمر. فقط هناك تعديل بسيط.. بعد أن كان الإسلاميون يعملون على هدم الاتحاد السوفيتى لصالح ألمانيا.. سيواصلون مساعى هدم الاتحاد السوفيتى ولكن لصالح الولايات المتحدة.
بدلاً من ألمانيا صارت أمريكا.. ولكن بقىَ الهدف هو استخدام «الإسلام السياسى» كسلاح دمار شامل أيديولوجى فى مواجهة موسكو.
(3)
تحوّل «مسجد فى ميونخ» من الراعى النازى إلى الراعى الأمريكى.. وتحولت معه مؤسسات دعم «الإسلام السياسى» من مخابرات هتلر إلى «سى آى إيه».
ويتحدث الكتاب عن لقاءات جمعت القيادى الإخوانى الشهير سعيد رمضان.. زوج ابنة مؤسس الجماعة حسن البنا.. ووالد المحاضِر الإخوانى الشهير طارق رمضان، مع قادة فى البيت الأبيض، كما يتحدث -بالوثائق- عن دعم المخابرات الأمريكية لبناء «مسجد فى ميونخ» الذى صار مقر التنظيم الدولى للإخوان المسلمين.
(4)
يتقارب ما جاء فى الكتاب مع ما أورده الأستاذ محمد حسنين هيكل فى هذا الشأن.. حيث يرى الأستاذ «هيكل» أن جماعة الإخوان قد تعاملت مع بريطانيا ثم الولايات المتحدة على التوالى.
وربما يكون أحد أجنحة الجماعة قد عمل مع بريطانيا وعمل جناح آخر مع ألمانيا.. على أمل استفادة الجماعة فى نهاية المطاف من أى نتيجة للحرب.. وأخذ العائد من أى طرف ينتصر.
(5)
كان المسلمون سيئى الحظ بصعود الشيوعية، ذلك أن «الإسلام السياسى» بات سلاحاً ناجحاً فى مواجهتها. ولقد خسر المسلمون مرتين فى صعود الشيوعية فى العالم.. مرة باستنزاف اليسار المتشدد للمشروع العربى الإسلامى، ومرة ثانية باستهداف الغرب للمشروع العربى الإسلامى، وذلك بدعم جماعات الإسلام السياسى لمواجهة الشيوعية.
(6)
سيقول الإسلاميون: إن ما يُنشر عن العلاقات الأمريكية - الإسلامية.. يحمل الكثير من المبالغة، وسيقول آخرون إنه غير صحيح وغرضُه تشويه الحركات الإسلامية. وسيقول ثالثون: إن لدينا رؤية واستراتيجية فيما نفعل، ذلك أننا نهدف إلى التحالف مع القوى الكبرى من أجل تحقيق مصلحة المشروع الإسلامى فى النهاية.. وعلى هذا فنحن نستغل الأجهزة العالمية، وهى تظن -خطأً- أنها تستغلنا.
(7)
لا يحتاج المرء إلى جهدٍ كبيرٍ ليدرك حجم تهافت ردّ الإسلاميين على كتاب مثل «مسجد فى ميونخ» أو كتب وأطروحات أخرى مماثلة.
فالحقيقة الكبرى فى استخدام الإسلاميين كورقة فى صراع القوى الكبرى، لا يمكن إنكارها.. أما اعتقاد الإسلاميين أنهم من يستغلون القوى الكبرى.. فهو اعتقاد ساذج لا يقول به إلا شخص ضحْل الفكر.. خالٍ من العقل.
النتيجة الواضحة للجميع بعد عقودٍ من لعِب أجهزة العالم بالإسلاميين.. واعتقاد الإسلاميين أنهم يلعبون بالعالم.. هى تلك المحنة التى باتت تُغطى جغرافيا العالم الإسلامى.. من الماء إلى الماء.
هى انهيار عواصم إسلامية واحدة تلو الأخرى.. وانحطاط صورة المسلمين لدى أمم الدنيا. هى ملايين القتلى والجرحى.. وملايين اللاجئين والنازحين.. ومئات الملايين من البائسين.. الذين حوصروا بين الفقر والدماء.
(8)
تحدثتُ فى كتابى «الجهاد ضد الجهاد» عن تلك المحنة الكبرى: «الإسلام ضد الإسلام» و«الإسلام ضد العالم».
لقد ساعد الغرب فى ترسيخ معادلة «الإسلاميين ضد السوفييت».. لتنتهى إلى معادلة «الإسلاميين ضد المسلمين».
إن الحل الوحيد هو أن تهزم رسالة «الإسلام الحضارى» حركات «الإسلام السياسى».. وأن يشهد العالم الإسلامى نقيض المعادلة المخابراتية الغربية: مسلمون بلا إسلاميين.
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر
---