يا تري عمرك اتمنيت تطلع عربجي..؟! أنا اتمنيت.. وكنت فاكر إن الورق المطلوب علشان الواحد يبقي عربجي.. ورقه تثبت إن الواحد بيعرف يسوق حصان.. أو حمار.. بس أنا كان طموحي إني أبقي باسوق حنطور مش كارو.. كنت معجب جدا بشكل الحنطور وخطوطه الانسيابية ولونه ودناديشه والكلاكس بتاعه اللي كان بيضربه العربجي برجله.. يا سلام علي شكل العربجي وهو متربع علي عرش الحنطور كده وماسك كرباجه في إيده ولا فتوات الحرافيش.. حبيت أوي الحنطور والعربجي.. لحد ما ابتديت أسمع جمل من ناس كان وجود لفظ العربجي فيها لا يدل علي إنه حاجة لطيفة.. زي مثلا: «بلاش شغل العربجية ده».. «إنت شكلك قليل الأدب وعربجي».. «ماتصاحبش الواد ده لحسن شكله كده عربجي».. «إنت إيه.. عربجي».. ولا جملة سمعتها علي العربجي كانت تبشر بالخير أو تشجع إني أطلعه.. ردود الناس خلتني أسأل نفسي كتير، هو العربجي وظيفة ولا شتيمة؟ ولو هي شتيمة زي يا كلب ويا حمار ويا صايع وكده.. يبقي الراجل اللي بيسوق الحنطور ده بيشتغل إيه؟! اسم شغلانته إيه؟! ولما إجابتي دايما كانت بتقول إنه «عربجي»، قلت أسأل حد غيري.. بس غيرت السؤال من، هو العربجي وظيفة ولا شتيمة؟ لـ هو العربجي ده حلو ولا وحش؟.. كلها كانت ردود وإجابات مش مقنعة بالمرة.. ناس قالولي طبعا مش حلو علشان طول النهار بيبقي قاعد في الشارع.. أمال يقعد فين؟! في جروبي.. واللي يقول وحش طبعا لأنه قليل الأدب وبيشتم.. طب وهو مين مابيشتمش.. ما كله بيشتم.. وبغض النظر عن الجملة التربوية اللي هاكتبها دلوقتي إن الشتيمة شيء سيئ وقبيح.. بس موجودة وبتحصل.. في سواقين ميكروباص بيشتموا وسواقين تاكسيات بيشتموا.. وميكانيكية وسباكين ونقاشين بيشتموا ودكاترة ومهندسين بيشتموا.. وأعضاء مجلس شعب بيشتموا.. ووزرا بيشتموا وأبهات وأمهات بيشتموا.. ولا الشتيمة بقي ليها ناس وناس.. ناس تشتم، فتبقي الشتيمة طالعه من بقهم زي العسل ودمهم خفيف أوي.. وناس تشتم تبقي شتيمهم وحشة وقولالات الأدب.. مش عارف أنا محير نفسي ليه! ما أسأل صاحب الشأن.. سألت عربجي وقلتله هو إنت بتشتغل إيه لو سمحت؟ قالي أنا خريج آداب بس حاليا عربجي.. قولتله هي العربجة بتاخد آداب.. قالي لا وتجارة وعلوم وحقوق وزراعة.. كله.. أي حد خريج أي كلية ممكن يشتغل عربجي عادي.. المهم يبقي عنده حصان.. أو حمار.. موضوع العربجي ده كان شاغل تفكيري من زمان أوي.. من صغري تقريبا.. لما كنت باركب الحنطور سواء كنت راكب أو متشعبط ورا.. لدرجة إنه لما كان حد من الضيوف بيسألني نفسك تطلع إيه؟.. كنت برد بمنتهي الطموح والسعادة، وأقولهم: نفسي أطلع عربجي.. وكان كل اللي حواليا يضحكوا.. وكانت أمي تبصلي بصة.. كانت كبيرة علي إني أفهمها.. بس كان معناها بيوصلني.. نظرتها كانت بتقول: «إيه اللي إنت بتقوله ده؟».. أنا مكنتش حاسس إني باقول حاجة عيب.. هو أنا مثلا قولت نفسي أطلع حمار.. أنا باقول عربجي.. ماكنتش عارف أمي بتبصلي كده ليه؟ وماكنتش فاهم الناس اللي حواليها ضحكوا ليه؟.. هو العربجي ماله! وحش في إيه؟.. وبعدين هو لو وحش.. ليه ماما كانت بتسيبني أقعد جنبه في الحنطور وإحنا رايحيين لجدتي يوم الخميس.. ولما كنا بنروح الهرم.. كنت باشوف الأجانب واقفين بيتصوروا جنب أبوالهول والأهرامات والعربجي.. يكونش الأجانب فاهمين قيمة العربجي وإحنا لأ!.. لأ مش جايز.. ده أكيد، لأني عمري ما شفت واحد مصري بيتصور جنب عربجي.. كنت هاموت وأعرف ماما زغرتلي ليه؟.. والناس ضحكوا ليه ؟.. هي المشكلة فينا ولا في العربجي؟.. حبيت ألعب اللعبة تاني مع ضيوف تانيين.. بس المرة دي قررت ميتزغرليش.. فغيرت الوظيفة.. وسألني ضيف من نوع الضيوف البايخين اللي وهو بيسألك يلعبلك في شعرك وينعكشهولك، وإنت بقالك ساعة بتسبسب فيه وبتلزقه بالفازلين.. وفي الغالب بيكون سؤاله أبوخ منه.. مش بسبب نوع السؤال تحديدا، ولكن بسبب تكراره.. ولأن في الغالب الضيف مبيبقاش عنده حاجه يقولهالك.. فيقول السؤال التقليدي الممل: وإنت نفسك لما تكبر تطلع إيه يا حبيبي؟.. بصيت لكل الضيوف اللي قاعدين وأنا مراقب ترقبهم للنطق بأمنيتي.. وكأنهم هايسمعوا حاجة جديدة.. مع إن كل العيال في السن ده بيقولوا يا إما دكتور زي بابا.. يا إما مهندس زي عمو.. يا إما ظابط عشان أقبض علي بابا.. قصدي ع الحرامية.. المهم بصيت لهم وأنا كلي سعادة وحب وأمل.. بصيت لهم وأنا مبتسم وفاتح بقي من الضرس اليمين لحد الناب الشمال.. قولتها بصوت عال وبالفم المليان.. يا جماعة أنا..أنا.. أنا عايز أطلع.. أطلع.. مهندس.. الضيوف انتبهولي يا دوب في الزمن اللي قولت فيه الكلمة.. بصوا لي مع ميم المهندس، ولفوا وشوهم مع انتهائي من سين المهندس.. وعااااااااادي جدا.. كل واحد كمل اللي بيعمله.. اللي بيشرب حاجة ساقعة شرب.. واللي بيحط سكر للشاي كمل حططان.. واللي بياكل بياكل.. ولا كأني قولت حاجة.. ولا ماما زغرتلي ولا الضيوف ضحكوا.. فاتأكدت إن العربجي عنده حضور وكاريزما أكتر من المهندس بآلاف المرات.. واللي حصل ده كان دافع قوي إني أفضل مُصر علي رغبتي في الطلوع زي ما أنا عايز.. وكان كل ما حد يسألني نفسك تطلع إيه يا حمادة.. أقوله: عربجي.. فيضحكوا.. وماما تزغرلي.. والعربجي يكبر في نظري أكتر وأكتر.. وماما تزغر، والضيوف مهما يتغيروا.. برضه بيضحكوا.. والعربجي بيعلا ويعلا.. ولما ابتدي مستواي يتراجع في الدراسة.. مسكتني أمي وقالتلي وهي بتزعق: «لحد إمتي هتفضل بليد كده».. لازم تذاكر وإلا مستقبلك هايضيع وتترمي في الشارع.. إنت إيه نفسك تصيع وتبقي عربجي.. وهنا كان مربط الفرس.. سبت كل الهيصة اللي حاصلة دي.. وقولتلها: أيووووووووه.. ماله بقي العربجي؟ بقالي سنين طويلة عايز أعرف ماله العربجي؟ فهميني.. وبعد شوية صمت ونظرات اللي كان ناقصهم شوية مزيكا سسبنس.. بصت لي وقالتلي: إنت عايز تجنني صح؟.. امشي من قدامي الساعاتي.. قصدي الساعة دي.. دخلت الأوضة وبرضه معرفتش إيه الوحش في العربجي.. يا جماعة لو حد يعرف يقولي.. هو العيب فينا ولا في العربجي.. ليه الناس الضيوف ضحكوا عليا لما قولت نفسي أطلع عربجي.. ليه ماما زغرتلي لما قولتلها نفسي أطلع عربجي.. إيه اللي ضايقهم.. فيه إيه في العربجي يضايق.. ليه محدش عايزني أطلع عربجي؟ حد يرد عليا.. يا أخوانا يا ناس يا خلقه.. يا عالم.. ياهووو.. هوو.. هو.. هـ.. (تنهيدة) واضح إن مافيش إجابة.. وبرضه معرفتش ليه محدش عايزني أطلع عربجي.. مش جايز العربجي هو اللي مش عايز يطلع زيي.
----
من كتاب : 28 حرف للفنان أحمد حلمي