ندى نسيم الرواية ومعاناة ولادة الشخوص
الرواية ومعاناة ولادة الشخوص

أنت لاتعرف نفسك عند وقوعك أسير، رهين حالة المخاض الفكري الذي سيضع مولوده على الورق ، ربما بعد حدوث النزيف العاطفي أوإستشعار الزلزال الذي يهز عرش الكيان ليحدث ثورة عارمة شعارها الكتابة، تضيع في عالم الشخوص و أنت تتلبس شخصية الحزين.
ثم تنتقل الى تلك المرأة المسنة وأنت تصف عكازها وتعود الى ذاك البائس الذي يجمع قوت يومه و قد ينتهي بك المطاف عند تلك العاشقة التي تبكي على الأطلال ، تعيش تفاصيلهم جميعاً ، ترى ملامحهم ، يستوطنون في داخلك ، ربما يزورونك في أحلامك أو قد تصادف من كتبت عنه في الطريق، تسمعهم و هم يتحدثون و أنت تدون أحاديثهم، يطاردون خيالك ويجعلونك تحدث نفسك أحياناً ، ، و لاعجب فأنت مجموعة إنسان خلال الفصل واحد ، وبعد كل فصل ينتهي تكون في حالة مزاجية مختلفة ، ملامح القنوط قد تعتريك و أنت تترجم الشقاء و الدموع قد تحاصر عينيك و أنت تكتب عن الرحيل ، أما اذا توردت وجنتيك فأنت في فصل الربيع تكتب عن الهوى و تغني بين الحقول .
أن من يتوغل في كتابة الرواية يعيش أحوال متعددة في كل فصل ، و هو يتقمص الشخوص حتى يبلغ ذروة المشاعر فيدون ما هو إنعكاس للخيال الجامح و ربما هناك مزيج من الذاتية التي قد تفرض نفسها أثناء الكتابة و التي قد لاينجح كل الكتاب في الإنفصال عنها ، إنما المهارة في تكوين التوليفة التي تخلق الشخوص سواء أكانت من وحي الخيال أو إنعكاس الذات فالأهم هو الشعور بنبضات الشخوص التي يستتشعرها القارىء و يتفاعل معها .
إن ما يصل للقارىء من كلمات و حبكات و حكاية سردية هو خلاصة معاناة يعيشها الكاتب إلى أن ينجز العمل الروائي ، و رغم ما تفتضيه المعاناة من الألم النفسي أحياناً و خاصة عند ترجمة مواقف الحزن الشديد ، إلا أن فرحة وصول المنتج الروائي ليد القارىء فرحة لا توصف بعدها تخف المعاناة تدريجياً و يبدء الانفصال الطبيعي عن الشخوص .
ندى نسيم -كاتبة بحرينية
رواية : بديع المحيا
منقول من مجلة انهار
تعليق واحد