ابداعاتقصص قصيرة

معايدة .. قصة قصيرة بقلم تهجد شرف الدين

في تمام الثانية عشر المنذرة عن دخول الثالث والعشرين من أغسطس .. يأبى جفناي التنازل أو حتى التراخي، يحاربان بشدة، ويكمل الناقص عقلي الباطني، يا للهزل!

أتذكر كيف عايدتك في أول عيد مولد لك قبل ثلاث سنوات؟ كانت عبر أحد مواقع التواصل .. “الواتساب” أظن !

حينها أتذكر ملياً كم أعجبتك حروفها لدرجة أنك نقلتها للبريد الإلكتروني خوفاً من أن تفقدها .. ثم ماذا حدث؟ فقدنا كلينا !

أتذكر عيد مولدك الثاني قبل عامين؟! أصبح وجودك أعمق مما كنت سابقاً لذلك، لم يكن أحد المواقع مناسباً للتعبير عن مدى سعادتي بتلك المناسبة، لذا تلك المرة اتخذت من بريد الرسائل النصية هدفاً لتقريب الدافع المعنوي كوسيلة للتعبير عن مدى إمتناني لهذا التاريخ المقدس على وجودك .. ثم ماذا حدث؟ أصبح يوم عادي لا يسمن ولا يغني من جوع! اللعنة !

وها هو ” الفيس بوك” يرسل لي إشعاراً للتذكير بيومك هذا ! أيحسبني أغفل عن تاريخ العابرين؟

ثم ماذا عن ثالث عيد مولد؟! عجباً ! لم تُجْدِ تلك الوسائل ، ولا حتى الرسائل النصية ! لم يكن لدي خيار سوى أن أحادثك هاتفياً ، لا أستطيع نسيان أحداث وتفاصيل تلك المكالمة ! كانت قبل دقة عقرب ساعة منتصف الليل ببضع دقائق ثم سكون ثم معايدة ثم سكون ثم ساعة تسرقنا بحديث هامس، يلامس كلتا أرواحنا ، كلانا فقط لا ثالث لنا سوى هدوء الليل، ثم سكون مجدداَ ثم صوتك بضحكة شقية : افتحي التلفاز ممثلك المفضل في فيلمي المفضل .. ثم نتابعه أنا وأنت ، وكنا عبر الأثير! وكأنك تجلس بجانبي! تربت على كتفي ، تخبرني أن أعظم المصائب يمكن حلها بمشاركتنا ضحكة عميقة على مشهدك المفضل ألا وهو أن البطل يحمل نفس اسمك ويظل يردده أحدهم بطريقة كوميدية

 ثم ماذا حدث؟

ثم أنني أصبحت أبغض ذاك الفيلم بسببك ! تأبى نفسي يا صديقي أن أقطع عادتي ، أن لا اعايدك أو حتى أحادثك حتى في مثل هذا اليوم ! أعلم أن لا أحد غيري يتذكره ولا أحد سواي يؤذيه أن يحدث ذلك، ولكن على أي حال سيحدث يوما

 جهادي في سبيل صمودي وتجاوز تلك الحروف يضعف ويتلاشى ، صبري ينفذ!

ألا يوجد دساتير قانونية تحاكم عودة الحنين لذكرى معينة؟

ألا يوجد مواد محتواها المنع وأن لا يحق لنا العبث في تفاصيل الماضي ؟

ألا يوجد عقاب لحنين قلوبنا!  كإعدام أو تأبيد مثلا؟

السجن أرحم كثيرا من اغلاقنا في صندوق يعج بالذكريات لا حرية فيه .. والإعدام أرحم من أن تموت أرواحنا ويتلاشى شغفنا حد الصفر، ونصبح في الأخير جثث تتنفس مُر الايام التي لا تمر..

معايدة

الثالث والعشرين – الثامنة صباحاً لم يكن بوسعي الصمود أكثر، تنازلت كما كنت أفعل كعادتي ! تجاوزت كل مشاعري السيئة تجاهك ، فاز لينُ قلبي ، وهزمتني رغبتي العارمة في جعلك سعيد ولم أفهم ذاك الشعور بتاتاً .. ربما النزاع بين عقلي وقلبي، كثرة أخطاءك وقسوتك قبل ذلك الحين خيلت لي أنك سوء العالم يمشي بقدمين، ولا يريد خافقي تصديق ذلك ..

 أتأرجح بين أمواجك التي هاجت فجأة فلا أنت بشيطان بغيض ولا أنت ذاك الكيان الملائكي الذي لطالما كان بجانبي !!

يعز علي أن يمر هذا اليوم دون أن أعايدك ، حملت هاتفي واتخذت من الوسيلة التي استخدمتها في أول عيد لك طريق لنقل حروفي ، وكأن عقلي الباطني يريد اخباري أنك عدت غريب .. يالا العجب كيف لك أن تكون عزيز غريب وقريب ؟! “

يعز علي أن يمر هذا اليوم كغيره من الايام، وهذه الرسالة ليس لديها أي شأن في تغيير كيف تسير الأمور ، دع كل شيء بجانب وكل عام وأنت بخير مع تمنياتي أن يكون عام أفضل

كان هذا محتوى ما كتبت يدي مع تمنياتي للمزيد من الأمنيات السعيدة ..

وصلني ردك بعدها وأنت تأمن على دعائي، تجاهلتها وحذفت المحادثة حتى لا تراني صديقتي وتوبخني على ما فعلت .. وما لبست أنت حتى أرسلت مجدداً” : شكراً ، لم يتذكر أحد ذلك سواك ومتصفح الانترنت

أجبرتني كلماتك على الرد ، أتذكر ملياً انني حاورتك حول ان هذا اليوم يوم سعدك فلتستمتع محاولة مني كإنهاء النقاش ولكن فاجئني ردك بإن “ليس لدي رغبة في شيء

ماذا يا صديقي القديم؟ ألم تكن السبب في حدوث نفس الشيء لي يوم عيد مولدي؟ حين كان كل جهدك المبذول لمعايدتي رسالة باردة خالية تشبه ورقة بيضاء عليها نقطة من حبر أخضر!

الساعة العاشرة قبل يوم منه ! المذهل في الأمر أنه بدل الاحتفال كان اثنين ! ووصلني كم هائل من الهدايا القيمة ومعايدات لا حصر لها والمزيد المزيد من التهاني والأمنيات السعيدة ولكن كان كل شيء ناقص !

الشاهد على الأمر أنك موجود ! أدركت في ذاك اليوم أن ما ينقصني هو روح أحساسك ! روح وجودك ، رغبتك في الوجود!  كأن أسوء يوم يمر علي منذ أن أصبحت ذا أثر! لأنني علمت ملياً ان لا وجود لك حي وقد ماتت الرغبة بيننا ! وماذا الان ! أساعدك انا ان تعيد ترتيب الأمور وان عليك أن تعيش هذا اليوم وعليك التخلص من كل هذا البؤس ، والعجيب في الأمر انني اتذكر ملياً سؤالي لك “كيف أجعلك سعيد؟!”

حينها قلت لي أنك لا تريد مني أن أكرهك ! أتدري لماذا تجاهلتك حينها؟ لأن لا فائدة من ذلك ، فقد فعلتها تهاني الحارة،

أوصلتني لما تريد .. جعلتني خاضعة ، تتمرد نفسي على نفسي ، أوهمتني أن لروحك السمردية بقاء ، وبقائك غاية واستغللت أنني اؤمن بالوعود تملكت ولعبت بقلب متعلق وليد لحظة إيمان وعد ، ثم المزيد من الكذب والوهم تحت مسمى كاذب ، ثم ماذا؟

ثم أصبحت جسد يطفو بلا إرادة! الا تريد مني أن أكرهك ؟ فلتطمئن إذاً ، لم تمنحني أحقية هذا الخيار ، وماذا عن الاخر؟

لم تعطني الأحقية أيضاً ، لم أكن أُكِن لك أي مشاعر ، لا بغض ولا كراهية ولا حتى ود او حتى حب ، أمات كل شيء بهذه السرعة؟ أم أن سلبك حقي في الاختيار أصبح يعم حياتي ويلعب دور الجلاد علي قلبي ! خوضي لهذه التجربة القاسية كان كافياً ليجعلني افضل الوحدة والبقاء غريبة لا مزيد من القرب لا مزيد من الألم ولا مزيد من الذكريات ..

الأن في الثالث والعشرين من أغسطس وبعد أن مرت ثمانية أعوام رأيتك تقف بيساري بعد أن تعمدت إشارة المرور أن تشعل لونها الاحمر

جذبتني تسريحة شعر تلك الصغيرة ذات الشرائط الملونة ، يا لعينيها الجميلتين أظن أنها تحمل نفس لون عينا تلك الفتاة التي لطالما حدثتني عنها ، كما انها تحمل نفس ابتسامتك التي كنت تبادلها إياها في ذات الوقت عندما أشارت لك أمامها ، أعتقد كانت تخبرك انه تبقى فقط عشرون ثانية ليتحول لون الإشارة إلى الاخضر ! اتذْكُر عندما اخبرتك ان لك نوعان من الابتسامات والثالثة قد اختفت ؟ كانت تلك هي الثالثة التي زالت مع زوال فتاتك لطالما كنت أخبرك ذلك ، والان يسعدني عودتها ، كما يسعدني انك وجدت سبباَ للإبتسام من جديد ..

مرت الثلاثون ثانية بسرعة البرق فانطلقت مسرعاً لتبرهن لي أنك عُدت للحياة وعاد شغفك ، ليتك لم تنطفىء ..! أصوات صفير السيارات من خلفي ، أفزعني ! قُدت سيارتي مسرعة أيضاً ، فإني بل أدنى شك كنت قد تأخرت على موعد الطائرة .. أتمنى عندما أعود في المرة القادمة لأرض الوطن أن تسرقني ثلاثون ثانية أخرى لأخبرك فقط أنني حققت جميع أحلامي اعلم ان هذا سيسعدك ، وأخبرك أيضاً انك لم تكن كما كان يصور لي ! و انك لست قاسياً وحشياً . ليتني اعود لأخبرك ان فشلي بك جعلني أكسب بنفسي .. مررت بحياتي عابر ، أصبحت ضلعي الثابت وكتفي الثالث ، لم أتفهم شعورك عندما كان الكون عنيف معك، ولم أُقدر ان فقد من نحب يجعلنا نقسوا على أنفسنا قبل من حولنا ، لم أفهم ذلك إلا عندما كدت أخسر زوجي جراء حادث    !!

يا لا جهلي لم أكن أفهم اننا كنا على خط واحد ولكن كل منا على نقطة نهاية نبعد كما تبعد نقاط خط الاستواء ! ليتني كنت افهم ان لكل عابر عذر ، و ان لكل باقِِ أجل وميعاد مؤقت ، وان كل مقيم راحل .. وفي عيد مولدك الثاني عشر أتمنى لك دوام النِعم ولكن هذه المرة في خاطري فقط ..!

النهاية

بقلم / تهجد شرف الدين

كاتبة وقاصة من جمهورية السودان

اقرأ أيضا : في الساعة الثانية ظهرا .. قصة قصيرة بقلم تهجد شرف الدين

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

قم بإيقاف اضافة حجب الإعلانات لتتمكن من تصفح الموقع