أدبصدر حديثا

مختارات من قصص آنا ماريا ماتوتي

اشتهرت الكاتبة والروائية الإسبانية آنا ماريا ماتوتي (1925 – 2014) بأعمالٍ مختلفة مهدت لها الطريق نحو جوائز أدبية عديدة، أهمها “جائزة ثربانتس للآداب” التي توجت بها عام 2010، وذلك اعترافًا بمنجزها الأدبي المميز الذي يُعدُّ، بحسب تعبير الروائي البيروفي ماريو فارغاس يوسا، واحدًا: “من بين أغنى أعمال الأدب المعاصر باللغة الإسبانية”.

share

تتناول آنا ماريا ماتوتي في قصصها مواضيع سياسية واجتماعية وأخلاقية مختلفة، تدور جميعها في فلك التهميش والظلم الاجتماعي

ولكن شهرة ماتوتي الواسعة هذه، محليًا وعالميًا، لم تصل إلى العالم العربي الذي تعرف قراءه إليها عبر ترجماتٍ متفرقة لبعض قصصها القصيرة، قبل أن ينقل السيد محمد واصل إلى لغة الضاد روايتها “أرانمانوث، أو شهر الحصاد”، التي صدرت عن “المركز القومي للترجمة” في العام التالي لتتويجها بحائزة ثربانتس، ولكن دون أن تحقق ما هو مرجوٌ منها، إذ فشلت في إثارة اهتمام القارئ العربي بكاتبتها.

كتاب “مختارات من قصص آنا ماريا ماتوتي”

صدر حديثًا عن “سلسلة آفاق عالمية” في “الهيئة العامة لقصور الثقافة”، بالعاصمة المصرية القاهرة، كتاب مختارات من قصص آنا ماريا ماتوتي ترجمة نجوى عنتر ومراجعة هيام عبده، هو الإصدار الثاني للكاتبة الإسبانية باللغة العربية بعد روايتها “أرانمانوث أو شهر الحصاد”، ويضم بين دفتيه مجموعة قصصٍ قصيرة مُنتقاة من مجاميعها القصصية التي تهيمن على معظمها أجواء سريالية بحتة ممزوجة بالواقعية الشعرية.

تتناول آنا ماريا ماتوتي في قصصها هذه، مواضيع سياسية واجتماعية وأخلاقية مختلفة، تدور جميعها في فلك التهميش والظلم الاجتماعي، وعجز الآخرين عن التواصل مع بعضهم البعض. وتتخذ مؤلفة “الملك المنسي غودو” من زمن ما بعد الحرب الأهلية الإسبانية، مسرحًا لمناقشة تلك المواضيع، بصفتها المرحلة التي أُعيد فيها صياغة تركيبة المجتمع الإسباني، وتشكيل طبيعة العلاقة بين مختلف مكوناته.

وسعت الكاتبة الإسبانية في الوقت نفسه، إلى ترجمة ونقل ما راكمته تلك المرحلة الزمنية من ذكرياتٍ ومواقف مؤلمة، الأمر الذي يُفسِّر ربما نبرة التشاؤم التي تطغى على قصصها، تلك التي تنشغل بمعاينة خوف الفرد من الفقد والخسارة، ذلك أن الحياة، بحسب تعبيرها، هي: “توالي فقدان الأشياء. أنا لست متشائمة فحسب، وإنما متشائمة جدًا”.

وإلى جانب التشاؤم والفقد ومعاينة أحوال الفرد ما بعد الحرب، تولي آنا ماريا ماتوتي عناية مكثفة بمرحلتي الطفولة والمراهقة في قصصها، باعتبارهما مراحل تؤسس، غالبًا، لما سيأتي بعد انقضائها. وفي هذا الإطار، تحاول تصوير واقع الفرد في هاتين المرحلتين وسط التشوهات التي لحقت بمحيطه بفعل الحرب، وتسليط الضوء على الكيفية التي تعامل معها من خلالها.

share

تتخذ ماتوتي من مرحلة ما بعد الحرب الأهلية زمنًا لقصصها، باعتبارها المرحلة التي أُعيد فيها صياغة تركيبة المجتمع الإسباني

يقول الناشر في كلمة الغلاف حول كتابات ماتوتي عمومًا، وقصصها القصيرة خصوصًا، إنها: “تجسيد لشخصيات في مرحلة المراهقة، أو في مرحلة الطفولة المحاطة بظروف عائلية يغلب عليها الشعور بالافتقاد والعوز. الكثير منها أيتام، أو يفتقد للشعور بحنان الأبوين، وبالأخص الأم. تعيش حالة من البؤس والتيه وسط عالم الكبار، وهي إحدى السمات الثابتة في العالم (الماتوتي)”.

اقرأ أيضًا: شاي بالنعناع كتاب جديد للكاتبة نسمة الجارحي

ويضيف: “استطاعت ماتوتي من خلال أعمالها أن تخلق تركيبًا بدا أعجوبيًا، يطرح مرات – كما لو أنه لعبة – نصب أعيننا تساؤلًا ملحًا: لو كان بإمكاننا اختيار العمر الذي نبقى فيه إلى الأبد، أي فترة سنختار؟”.

بعض المختارات من قصص آنا ماريا ماتوتي

 موسيقى

ابنتا الملحن الكبير ست و سبع سنوات ،كانتا متعودتان على الصمت.في المنزل لم يكن بالامكان سماع أي ضجيج ، لأن البابا كان يشتغل. كانتا تمشيان على رؤوس الأصابع ، بالأحذية ، وفقط في لحضات ، كان يكسر الصمت
بنوتات بيانو البابا ومرة أخرى الصمت.
في أحد الأيام ، لم يكن باب الأستوديو مغلقاً بشكل صحيح ، فاقتربت أصغر الفتيات في صمت من فتحة الباب. كان تستطيع أن ترى كيف كان البابا يميل في بعض الأحيان على قطعة من الورق ، و يسجل شيئا ما.
ثم ركضت الفتاة الأصغر سناً بحثاً عن أختها الكبرى. وصرخت، صرخت لأول مرة في صمت كبير:
– موسيقى بابا ، لن تصدقي ذلك …! يخترعها

MÚSICA

Las dos hijas del Gran Compositor -seis y siete años- estaban acostumbradas al silencio. En la casa no debía oírse ni un ruido, porque papá trabajaba. Andaban de puntillas, en zapatillas, y sólo a ráfagas, el silencio se rompía con las notas del piano de papá. Y otra vez silencio.
Un día, la puerta del estudio quedó mal cerrada, y la más pequeña de las niñas se acercó sigilosamente a la rendija; pudo ver cómo papá, a ratos, se inclinaba sobre un papel, y anotaba algo.
La niña más pequeña corrió entonces en busca de su hermana mayor. Y gritó, gritó por primera vez en tanto silencio:
-¡La música de papá, no te la creas…! ¡Se la inventa!

 السنة التي لا تصل

كان الصبي سيتم سنة. خرج إلى الباب ونظر إلى حافة الأشياء ، حيث وقع ضوء من لون مختلف عن كل الأشياء. وقال “سأكمل السنة  ، هذه الليلة ، عند العاشرة”. أصبح النور أكثر حيوية . انتشر و ملأ أديم السماء. مد الصبي ذراعيه وبدأ يمشي ، بشكل متعثر. كان لديه ، على كل قدم ، حقيبة صغيرة من الرمال الذهبية.
سمع أصواتا  شديدة للطيور  ، كانت صاعدة ، مثل رش الحبر ، نحو ذلك النور الجميل. “سأتم السنة ، هذه الليلة ، على الساعة العاشرة.” لكن أصوات الطيور اخترقت لحاء الضوء ، اللون الذي كان مختلفًا عن كل الأشياء ، وفي تلك السنة ،انفلت جديدا، أخضرا ، مرتجفا . انسل من خلال تلك الحفرة ، ولا يمكن إتمامه.

EL AÑO QUE NO LLEGO

El niño debía cumplir un año. Salió a la puerta y miró el borde de las cosas, donde se puso una luz de color distinto a todo. «Voy a cumplir un año, esta noche, a las diez», dijo. La luz se hizo más viva, extendiéndose, llenando la corteza del cielo. El niño tendió los brazos y empezó a andar, torpemente. Tenía, sujeto a cada pie, un saquito de arena dorada. Oyó el grito estridente de los vencejos Subían, como una salpicadura de tinta, hacia aquella luz hermosa. «Voy a cumplir un año, esta noche, a las diez». Pero el grito de los vencejos agujereó la corteza de luz, el color que era distinto a todas las cosas, y aquel año, nuevo, verde, tembloroso, huyó. Escapó por aquel agujero, y no se pudo cumplir.

 النار

التقط الصبي أقلام البرتقالية اللون، والقلم الأصفر الطويل و الآخر ذو طرف أزرق و طرف أحمر. ذهب معهم إلى الزاوية ، واستلقى على الأرض. كانت الزاوية بيضاء ، أحيانًا يكون نصفها
أسود و النصف الآخر أخضر. إنها زاوية البيت التي تعجب كل أيام السبت .
كانت عينا الصبي تتألمان من كثرة اللون الأبيض ، و من أشعة  الشمس التي تقطع عينيه كحد سكين . أقلام الطفل كانت برتقالية ، حمراء ، صفراء وزرقاء. أشعل الصبي النار في الزاوية بألوانه. أقلامه – خصوصا الصفراء الطويلة جدا – أوقدت في الستائر و المصاريع الخضراء ، و الكل يصدر طقطقة ، يتوهج ، في ظفيرات . انهارت على رأسه، في
مطر جميل من الرماد ، الذي قبله.

EL INCENDIO

El niño cogió los lápices color naranja, el lápiz largo amarillo y aquel por una punta azul y la otra rojo. Fue con ellos a la esquina, y se tendió en el suelo. La esquina era blanca, a veces la mitad
negra, la mitad verde. Era la esquina de la casa, y todos los sábados la encalaban.
 El niño tenía los ojos irritados de tanto blanco, de tanto sol cortando su mirada con filos de cuchillo. Los lápices del niño eran naranja, rojo, amarillo y azul. El niño prendió fuego a la esquina con sus colores. Sus lápices —sobre todo aquel de color amarillo,tan largo— se prendieron de los postigos y las contraventanas, verdes, y todo crujía, brillaba, se trenzaba. Se desmigó sobre su cabeza, en una

hermosa lluvia de ceniza, que le abrasó.

 ابن الغسالة

كان أبناء المدير يرمون إبن الغسالة بالحجارة لأنه كان يحمل دوما دلوا مليئا بالملابس خلف الثخينة أمه في طريقهما إلى المغاسل. كان أطفال المدير يصفرون عليهما عند مرورهما، و كانوا يضحكون عليه كثيراً كلما شاهدوا رجليه ، التي تبدوان وكأنها تماثيل صغيرة جافة ، من النوع الذي انشطر بالحرارة ، مما يعطي فرقعة مفاجئة. لقد سولت لهم أنفسهم  أن يفتحوا رأسه الصلعاء مثل شريحة البطيخ ، بالحجارة. كانت رأسه  طويلة ورمادية، مع غرز ، الرأس الغبي ، الذي كان غاضبا جدا.
ذات يوم غسلته أمه في حوض الحمام ، وضعت الصابون على رأسه المحفور ، رأس البطيخة، رأس الصخرة ، رأس الرأس العنيد ، التي كان عليها أن تكسرها مرة واحدة وإلى الأبد. لكن السمينة قبلته في الرأس الكبيرة والحارة، وهناك حيث طبعت قبلتها استخرج أطفال المدير الدماء  بالحجارة النظيفة ، حيث كانوا في انتظاره وراء العليق المزهر.

EL HIJO DE LA LAVANDERA

Al hijo de la lavandera le tiraban piedras los niños del administrador porque iba siempre cargado con un balde lleno de ropa, detrás de la gorda que era su madre, camino de los lavaderos. Los niños del administrador silbaban cuando pasaba, y se reían mucho viendo sus piernas, que parecían dos estaquitas secas, de esas que se parten con el calor, dando un chasquido. Al niño de la
lavandera daban ganas de abrirle la cabeza pelada, como un melón-cepillo, a pedradas; la cabeza alargada y gris, con costurones, la cabeza idiota, que daba tanta rabia. Al niño de la lavandera un día le bañó su madre en el barreño, y le puso jabón en la cabeza rapada, cabeza-sandía, cabeza- pedrusco, cabeza-cabezón-cabezota, que había que partírsela de una vez. Y la gorda le dio un beso en la monda lironda cabezorra, y allí donde el beso, a pedrada limpia le sacaron sangre los hijos del
administrador, esperándole escondidos, detrás de las zarzamoras florecidas.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

قم بإيقاف اضافة حجب الإعلانات لتتمكن من تصفح الموقع