أقلام حرةمقالات دينيةهذا ديننا

محمد العلي: الإسلام المقدس بالمدنس

أقلام حرة – محمد عبد المحسن العلي :

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ أنه قال: بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء ) صحيح مسلم .

إن بعض أفكاري وتصوراتي وخواطري حول الإنسان والكهف الفكري المعنوي والسفينة والاعور الدجال ومسائل أخرى كثيرة، يستغربها بعض الأخوة والأخوات القراء كما يستغربها من تنقل إليهم بواسطة القراء، وأنا أعتبر ذلك أمر طبيعي لعدة أسباب، من أهمها :

* شيوع الفكر التقليدي الذي أنتجته المدارس التقليدية القائمة على التلقين وحفظ النص وإظهاره فقط .

* وشيوع الفكر الفاسد الذي تنتجه المدارس السلطانية المتلاعبة بالدين.

* شيوع الفكر الفاسد المحسوب على مدرسة الأولياء الله الصالحين كبعض آل البيت وغيرهم .

فتلك المدارس لها أتباع يستغربون ويستنكرون بعض الأفكار والتصورات والخواطر، خاصة تلك الأفكار التي تكمن وراء مقدس طارئ موضوع لديهم يمنعهم تجاوزه ويحرمهم من التفكر والتدبر والتأمل والمراجعة.

فالمقدس الطارئ الموضوع بمثابة صنم يعتم القلب ويطمس البصيرة ويغيب الوعي ويسلب الشعور ويكبل العقل ويفسده ويسد الأفق الفكرية ويبقي المسلم في الضلالة .

فهناك مقدسات استحدثت أثناء مسيرة الأمة عبر الزمن لقرون طويلة، كتقديس بعض الصحابة وبعض آل البيت وبعض الأولياء الصالحين، وهذا التقديس أوجده المنتفعين بضلال الناس، فمنهم حكام ومنهم متاجرين بالدين ومنهم أعداء للمسلمين، والتقديس أعنى به إضفاء صفات على الشخص تجعله في مقام الألوهية، أو إضفاء عليه العصمة، أو اعتبار تبديل شرع الله أو السنة التي سنها الله في محكم كتابه اجتهاد يؤجر عليه المبدل لأنه صحابي ! وعمله عمل مقدس لا يؤثم عليه وقابل للتقليد من الحكام، وهذا ما ابتليت به الأمة .

وتقديس الأشخاص والأفكار التي ابتدعها وابتكرها المنتفعين من ضلال الناس غَّيب الحقيقة ومزق شمل الامة بعد ما تعددت الولاءات، فلم يعد الولاء لله جل قدره ولا لأفكار الرسالة، فبعد قرون طويلة من الملك العاض والجبري لابد أن يتجه المؤمن للبحث عن الحقيقة التي غيبها المغضوب عليهم المنتفعين من ضلال الناس .

وفي حالة البحث عن الحقيقة وعن أفكار الرسالة النيرة الصحيحة التي غيبت علينا التوكل على الله عز وجل (وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) (160) آل عمران.

 كما علينا ان نسلك المسلك الصحيح لكسب العلم وهو (التقوى) قال تعالى (…وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)) البقرة

 فبالتقوى ننال (العلم) الذي يجعلنا ندرك حقائق الأشياء وعما نبحث عنه، وهذه من الحقائق الغائبة المبعدة من مناهج التربية والتعليم، والسبب معروف، فحكام القهر والغلبة في خصام دائم مع (التقوى) وكذلك علماء السلطة والمتاجرين بالدين والمدلسين، ولذلك لم يتذوقوا ثمرة التقوى، ومن سمع ليس كمن ذاق، فإبعاد الدين عن السياسة، أي عن إدارة شؤون المجتمع المسلم، في حقيقته (جريمة) يرتكبها الحاكم بحق نفسه وبحق الناس، وفيه حرمان المسلمين من الانتفاع ببصائر الوحي، وهو انتفاع يأتي بعد ممارسة تطبيقات عقيدة التوحيد في الحياة الاجتماعية والسياسية، ومن جهل التطبيقات لا يحق له حكم المسلمين، وهو سيؤثم على ذلك.

وعالم السلطة سيشاركه في الإثم، فأنا لم أرى ولن أرى عالم سلطة يدرك حقائق الأشياء، فمن يدرك حقائق الأشياء لا يجعل من نفسه كالحصان (الهجين) الذي يجر عربة الملوك، فالعاِلم كالحصان الأصيل الذي لا تربط عليه عربة ليجرها .

والتقوى تعني اتقاء غضب والله وعقابه الدنيوي والأخروي، واتقاء التصادم مع سننه وقوانينه، وذلك يستلزم أن نعرف مراد الله عز وجل، وما يجلب غضبه وسخطه حتى نتجنبه، وما يجلب حبه ورضاه حتى نتوجه له، وأن نعرف سنن الله وقوانينه حتى تكون حركتنا الفكرية والعملية متوافقة معها، وحتى نتجنب التصادم بها، وتقديس المقدس الطارئ المستحدث على الدين يجلب غضب الله عز وجل وهو تصادم مع سننه وقوانينه، وعدم الحنف والميل عنه يؤدي إلى الشرك والضلال .(قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۚ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161)) الأنعام .

إن سيدنا إبراهيم وسيدنا محمد عليهما الصلاة والسلام (حنفا ومالا) عما جعلوه قومهم مقدسا، فكان حينها الأصنام وما يتعلق بها من أفكار ومفاهيم وتصورات أعمت القلوب وأفسدت العقول وطمست البصائر، وأما بعد انتهاء زمن الخلافة الراشدة بدأت تظهر مقدسات جديدة طارئة على الدين وتزداد وتتعدد مع تقدم الزمن، وعلى هذا الأساس سيعود الإسلام غريبا كما بدأ، فتلك المقدسات الطارئة المستحدثة بالدين دنست الإسلام وشوهته في الأذهان ونقلت العقول إلى أفاق فكرية تهيم بها عقول المغضوب عليهم والضالين وهي تختلف عن الآفاق الفكرية التي ترتادها عقول الذين أنعم الله عليهم بالهدى ونور اليقين .

فعلى المسلم أن يهتم بمسألة (الحنف والميل) عن المقدسات الطارئة التي استحدثت في الدين بعد انتهاء زمن الخلفاء الراشدين، فإنها من عمل أولياء الشياطين .( … وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)) البقرة . فالحنف والميل عن المقدسات الطارئة على التوحيد كان منهج سيدنا إبراهيم ومن بعده سيدنا محمد عليهما الصلاة والسلام، فلا هدى إلا لمن إتقى وبالنبي قد اقتدى.

بقلم / محمد العلي 

مفكر عربي كويتي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

قم بإيقاف اضافة حجب الإعلانات لتتمكن من تصفح الموقع