
الأقلام النسوية التي اقتحمت عالم الكتابة يحسب لها الفضل في تناول شخصية المرأة كبطلة للروايات, حيث أتاح لنا ذلك التعرف على “كيف يفكرن” وما هي رؤيتهن للحياة .
وأغلب الكتابات النسوية تناولت المرأة من منظور “الحب” والرومانسية وجعلت الحب محورا للعمل الروائي أو “اثبات الذات” ومن النادر أن نجد عملا روائيا خرج من اطار هذه النظرة الضيقة
رواية عريس دوبلير .. مثالا
تأتي رواية عريس دوبلير للكاتبة شيماء عفيفي والتي صدرت عام 2022 عن دار غراب للنشر والتوزيع كمثال لتلك الروايات التي أفلحت في الإفلات من فخ الحب والرومانسية كمحور رئيسي للأحداث
فالرواية .. يمكننا وصفها بأنها رواية إجتماعية بإمتياز .. مع الأخذ في الإعتبار أن حياة المرء لا تخلو من الحب .. ولكن في هذه الرواية سلطت الكاتبة قلمها لإظهار جوانب اجتماعية في حياة فتاة من أسرة متوسطة وهي تلك الطبقة التي تكاد شخصيتها تختفي في المجتمع ..
من هي “حياة” بطلة رواية عريس دوبلير
حياة هو اسم الشخصية الرئيسية لبطلة الرواية التي تقع في خمس وعشرون فصلا وهي فتاة تنتمي للطبقة المتوسطة اجتماعيا ومتدينة أيضا متأثرة بالضمير الديني العام الذي يغلب على سمات هذه الطبقة
بل ومتأثرة على وجه الخصوص بالتيار السلفي حيث أن بطلة الرواية منقبة “تماما كمؤلفة الرواية”.
تواجه “حياة” الحياة بكل شجاعة رغم المواقف التي تمر بها من لحظة تغيب العريس المنتظر عن حفل الخطوبة وعدم مجيئة واضطرارها ووالدها إلى قبول فكرة “الدوبلير” عبد الله الذي يقبل إكراما لصلته بوالد حياة أن يلعب هذا الدور “الخطيب البديل”
“حياة” ليست بالفتاة الضعيفة ولا المغلوبة على أمرها ..فهي ترفض خطبة مدحت لها (صديق خطيبها الحقيقي شهاب) الذي تقدم لخطبتها لاحقا ولكنها رفضته .. فهي لا تقبل أن يخطبها أحد اشفاقا على حالها
كما أن حياة لديها من الشجاعة والإقدام على مساندة “عائشة” الذي تعرضت لإعتداء جنسي من زوج والدتها ووقفت بجانبها وساندتها .. بل واقترحت على والدها أن يقترحها زوجة على مدحت .. وبالفعل تتم هذه الزيجة
كما تقف إلى جوار صديقاتها وتساندهن وتقدم لإحداهن “نقابا” هدية
وهنا يظهر الدور الديني في حياة “حياة” ورغم أن الطبقة الإجتماعية في مصر أصبحت تتميز بالمظهرية الدينية على حساب الجوهر إلى أن الكاتبة تلقي الضوء على أن هذه المظهرية هي نتاج قناعة حقيقية وليس نفاق ..
فحياة تقوم بالاستخارة دائما في كل شئون حياتها .. وتعتبر العمل عبادة وتمزج أوقات الصلاة والأذكار في أعمالها اليومية
الرجل لا يزال سيد القرار .
بضميرها الديني لم تستطع الكاتبة تهميش الرجل في الحياة رغم قلة المساحة التي منحتها للأبطال من الرجال
فلا يزال الرجل هو سيد القرار والمصدق عليه مهما كانت الجهة التي اتخذته ..
كذلك الرجل ليس فاقدا لكل رومانسية .. ليس قاسيا دائما ..او ظالما .. أو منتقصا من حقوق المرأة .. بل هو يلعب دوره الإجتماعي بشكل طبيعي طبقا للبيئة والمجتمع الذي تدور فيه الأحداث
فنشاهد في الرواية الأب الكريم .. المحب الصادق .. والمخلص الوفي .. والمضحي .. وذو المرؤة ..
كما نشاهد النذل والمجرم
وحياة تلك الفتاة المنتقبة ليست كما نظن معدومة المشاعر أو الرومانسية أو أنها متاع لكل من يتقدم لطلب يدها .. فهي كما رفضت الخاطبون نجدها في نهاية المطاف وفية لقصة حبها الأول ومستعدة لقبوله من جديد وإلتماس اعذار المحبين له !
نقطة قوة تحسب للكاتبة شيماء عفيفي
عريس دوبلير ربما يذكرنا بصورة العاشق البديل الذي تضعه الأقدار في طريق البطلة فتنتهي بهما الرواية عاشقين مغرمين وقد تناست البطلة حبيبها الأصلي تماما .. بل نجد حبيبها الأصلي يأخذ دور “الشرير” في الرواية أو الشخص السيء في رواية أحدهم !!
ولكن الكاتبة لم تسر في هذا النمط والقالب المحفوظ .. وإن كان قلب “الدوبلير” أو البديل هف بحب حياة إلا أن حياته انتهت سريعا بشكل مأساوي قبل أن تتاح لقصة غرام بينهما أن تصبح ناضجة أو شبه ناضجة
والحبيب الأصلي يعود في النهاية ويصبح هو الزوج بعد عدة تطورات وتحولات درامية في الرواية !!
وبالنهاية .. أجد العمل ممتعا في جانب إلقائه الضوء على الفتيات الملتزمات من تلك الطبقة الاجتماعية وإبراز سمات القوة في تلك الشخصيات
أما ما يمكن أخذه على الكاتبة فهو كثرة التفاصيل والقصص الثانوية .
بقلم
أحمد الأسيوطي