عبد الناصر: ولا جريدة داخله دماغى.. عاوز صحافة ثورة؟!

أقلام حرة – مقالات – أشرف مصطفى توفيق يكتب :
وقال عبد الناصر مرتين الأولى لثروت عكاشة والثانية للسادات:
ولا جريدة داخله دماغى..عاوز صحافة ثورة؟! – الرئيس جمال عبد الناصر
مرة آخرى يعود الكاتب الصحفي الكبير أشرف مصطفى توفيق ويروي لنا من أوراقه قصة الصحافة في زمن عبد الناصر وهي القصة التي ضمنها كتابه الشهير المعنون الصدام والوئام في صحافة مصر , وقد كتب عن هذه الحقبة فقال :
لم يرتح عبد الناصر للصحافة فى الأربعينات فقد كتب بمجلة الكشكول كيف شاهد الناس النحاس باشا يطرطر في سكة الهرم؟!..
وتساءلت الكشكول عما إذا كان هذا العمل الفاضح يتفق مع رئيس الوزراء؟!
تشوية الحياة الثقافية في مصر
ورأى عبد الناصر أن الانجليز شوهوا ثقافة الناس ففي سنوات قليلة فتحت مصر أبوابها للأوروبيين ولكل الغرباء، ونسج الأجانب مجتمعهم بمختلف طبقاتهم وظهر تناول الخمور ومتعة الحفلات الصاخبة،وتعلم المصريون كل شيء من البنطلون إلى الرقص وحفلات الباللو،بل استبدلوا بلافتات الخط العربي والآيـــات القرآنية،اللوحات الزيتية.وأخيرا شرعوا في مجاراة الأجانب حينما فتح هؤلاء الخمارات والفنادق والمطاعم وبيوت الدعارة وأصبح هناك تذوق جنسي للحياة خلقه عساكر الانجليز الذين كانوا يتسكعون فى شوارع وسط البلد، وفى مدن القناة،ينشرون الرزيلة والعهر.
وصارت الأغاني خليعة عارية..أغان تحولت في نهاية الأمر إلى دعوی صريحة للشهوة والخطيئة فغنت (منيرة المهدية):
(بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة).. (وأقعد معاك على هواك.. ولا فيش هناك غيرنا)..(وبلاش كتر الخشا) ويغني “صالح عبد الحي” : (عاشق وليه بتلوموني بين النهود خلونی) !!
اتهامات متبادلة
وعاد الجيش من حرب فلسطين 48 وقد أيقن أن الأصلاح يحب أن يكون من الداخل،فالاعتراف بالمسئولية عن الهزيمة في حرب 1948 يحتاج إلى شجاعة غير متوافرة آنذاك لدى الأطراف الثلاثة المسئولة معاً عن الهزيمة بدرجات متفاوتة,فراحوا يتبادلون الاتهامات فيما بينهم بشأنها حيث وجه الملك “فاروق” اتهاماً بسوء القيادة والتوجيه لقائد عام الجيش الفريق”حيدر باشا“ورئيس الأركان اللواء”عثمان المهدي” اللذان اتهما من جانبهما الضباط المقاتلين أنفسهم بالإهمال والتراخي,فرد هؤلاء باتهام الملك”فاروق”شخصياً بتوريد أسلحة متخلفة عجزت عن مواجهة الأسلحة الأحدث التي كانت في حوزة عصابات البلطجة الصهيونية وهو ما أصبح معروفاً بعد ذلك بصفقة الأسلحة الفاسدة.
وعندما تسابقت القوى الأجنبية على مقدرات مصر مع الحرب العالمية الثانية. لم تكن دار المقطم بعيدة عن مخططات بريطانيا، ولا كانت دار الاهرام بعيدة عن أحلام فرنسا. عدا بعض الصحف منها (المصرى، ومصرالفتاة، وصحف الإخوان)كانت تحمل توجهات خاصة،ففيها تيار الوفد،وفيها مسحه راديكالية،وفيها إسلام سياسى ورأى جمال معها عدم تمثيلها هى ايضا لمصر الثورة وحنق عبد الناصر على مدرسة (اخبار اليوم) فهى مدرسة تسير على نهج الصحافة الأمريكية فى الإثارة وفضح الحياة الخاصة،والفضائح، ولم يستوعب ناصر أن يكون “مصطفى أمين” ضمن حاشية محمد حسنين باشا بالقصر أو أن يقبل “التابعى” الذهاب مع الاسرة الملكية فى رحلة بحرية لأوربا، لعدة أشهر، دفعت تكاليفها الملكة نازلى؟!
الضباط الأحرار والصحافة في مصر
ولم تعجب الصحافة الحزبية الضباط الأحرار، رأوا أنها تعبر عن الإقطاع والبشوات،ومصالح خاصة وكان الحل إستصدار مرسوم بقانون رقم 179 لسنة1952 لمنح الاحزاب مهلة شهر لتعيد تكوين نفسها، ولما وجدوا أن المرسوم لم يجدِ،أصدروا إعلانا دستوريا بحل جميع الأحزاب ووقف صحفها الحزبية، وقبل اكتمال العام الأول لثورة 23 يوليو 1952 «كانت هناك أشياء ملفتة للانتباه فى العلاقة بين الصحافة والثورة فقد صدر قرار وزارى فى 26 مايو 1953 بتوقف (42) صحيفة بحجة عدم انتظامها فى الصدور فى المدة (من 10/ 1953 إلى 3 /1954) منها :
الأساس، المقطم، البلاغ، الثقافة، الدستور، السياسة، نشرة وكالة الأنباء العربية، الجريدة المسائية، الرسالة، الحوادث، الأحوال، الخبر المساء، الرياضة، الوادى، دليل الشرق، الشيخ، صوت الشعب، الناس، الرأى الحر، البورصة)»
صحافة الثورة وقصة جريدة التحرير
بل وفكرت حركة الجيش أن يكون لها صحافتها وعرض عبد الناصر على “هيكل” أن يتولى الأمر واعتذر هيكل، واعتبرها خطوة إستباقية فالصحافة القائمة لم تعادى أو تعارض الثورة،بل أنها فرحه بها،ومؤيدة لها وكان وقتها هيكل رئيس تحرير لمجلة “آخر ساعة” فأصدرت إدارة الشئون العامة للقوات المسلحة، مجلة جديدة هى مجلة (التحرير) فى16سبتمبر53 وعهد بها ناصر لأحمد حمروش أحد الضباط الاحرار وكان له توجه شيوعى،فاتفق مع عبد الرحمن الشرقاوى، وحسن فؤاد وصلاح حافظ، ويوسف ادريس.وبلغ توزيع العدد الأول 100 آلف نسخة ورغم النجاح ابعد عبد الناصر حمروش عن رئاسة التحرير- بعد العدد الثانى- بدعوى أن المجلة تسير فى اتجاه شيوعى، وعين بدلا منه ثروت عكاشة وقال له عبد الناصر:
“حمروش عمل لنا نشرة شيوعية .. عاوز صحافة ثورة؟!”
كان الأختيار مناسبا فعكاشة حصل عل دبلوم الصحافة فى 1951 وأصدر عدة كتب قبل الثورة واستمر بالمجلة،من العدد 3 حتى العدد 30 ولكن طوال الوقت كانت هناك مشاكل ..
فمثلا طلب”محمد فؤاد جلال” وزير الإرشاد القومى إعادة النظر فى هيئة تحرير المجلة، واصر ثروت عكاشة على إنهم وطنيين وشرفاء، وهو مسئول أن لايجنح أحد فيما يكتب للماركسية وتصيد الوزير”محمد فؤاد جلال” لعبد الرحمن الشرقاوى نشره قصة عنوانها “الشاويش عبد الله” وادعى تعرضها للواء “محمد نجيب” لأنها تدور فى السودان، وتصف احواله ،وكان محمد نجيب له أصول سودانية فصدر الأمر باعتقال الشرقاوى، ولولا العلاقة المميزة بين عكاشة واللواء نجيب ماكان هناك إلغاء للأمر !!
ويكتب أحمد حمروش فى كتابه “قصة ثورة 23 يولية” : أنه بعد خروجه من مجلة التحرير (حضر ثروت عكاشة من عند جمال ومعه قائمة بفصل معظم المحررين باعتبارهم شيوعيين وأعترض عبد المنعم الصاوى، واتصل بعبد الناصر وأوضح له أن المجلة تسير على هدى منشورات الضباط الأحرار، واهداف الثورة فرضى ببقاءهم)..
وينكر عكاشة ذلك فعبد الناصر لم يقدم له قائمة بشىء، بل قابله فى حضور خالد محيى الدين، وطلب منه أن تكون عينه مفتوحه ولا يكرر خطأ أحمد حمروش ويحذر من السيطرة الشيوعية على المجلة..
ونجحت المجلة ولأنها مجلة الثورة سارع بالكتابة فيها عبد الرحمن عزام وطه حسين ويوسف السباعى وفكرى أباظة ومصطفى محمود، بل كتب فيها رجال الثورة : عبد الناصر وخالد محيى الدين وصلاح سالم.
طه حسين أول من أطلق على حركة الضباط الأحرار “ثورة”
ولقد كتب “طه حسين” مقال قال فيه (ماقام به الاحرار ثورة وليس حركة، ولا انتفاضة، فلم يكن الأمر إنقلاب ضد الملك،بل ثورة شاملة كالثورة الفرنسية فى يدها كود وخطة تنفيذية له)،كتب طه حسين وقال (أنا لا أخجل من أن أسميها ثورة لأنها بالفعل ثورة على أوضاع ظالمة وتحمل كل مبررات الثورة)
واستراح الضباط لقولة طه حسين وراجت مقولة : “ثورة 23 يوليو”. ونسيت ونسينا الحركة، والحركة المباركة، أما عبارة إنقلاب فقد هوجمت بعد قيام الثورة ب48 ساعة، واعتبر من يقولها من فلول العهد البائد..
وزاد توزيع المجلة ولما كانت توزع كل اربعاء فقد بدى أنها تؤثر على توزيع مجلة مشهورة ثابتة هى”آخر ساعة” ورئيس تحريرها محمد حسنين هيكل وطلب عبد الناصر نغيير موعد الاصدار (للثلاثاء) بحجة أن المجلتين سيكسرا بعضهما البعض فى التوزيع، ويجور كلا على قارىء الآخر.
واعتذر عكاشة قائلا: (بأنه ماصدق يتابعه قارىء ويعرف تاريخ إصداره.. ولنترك التنافس للسوق) ولم يلح عبد الناصر.
وفى عيد الثورة الأول كتب ثروت عكاشة مقال الأفتتاحية للمجلة بعنوان: “هكذا قمنا بالثورة” وكان المقال عن ما أداه سلاح الفرسان ليلة قيام الثورة، وقبل الطبع صدرت أوامر من صلاح سالم باعتباره وزيرا للإرشاد القومى وقتها بعدم الطبع، وعند رفع الأمر لمدير المخابرات، حاول أن يثنى عكاشة عن المقال مع الموافقة على الطبع بدونه لحساسية المقال فليس فيه إلا دور سلاح الفرسان فى الثورة.
وعرض الأمر على عبد الحكيم عامر فوافق على مافيه وسأل لماذا لم يرد أسم صلاح سالم بالمقال وهو من الفرسان، فتعجب ثروت عكاشة وهو يفكر المشير أن صلاح سالم كان وقتها على قوة العريش؟!
وفوجىء ثرت عكاشة بعد صدور العدد بالمقال ببيان فى الإذاعة من وزير الإرشاد يعلن فيه أن مجلة التحرير لم تعد تمثل حركة القوات المسلحة
واحتج ثروت عكاشة وقدم استقالته، كما قدم أعضاء هيئة التحرير استقالتهم.. وبشىء من الغضب قصد ثروت عكاشة دار الهلال التى كانت تطبع المجلة فيها واستولى على أصول العدد المعد للنشر، مما اوقع مجلس قيادة الثورة فى مأزق فصدر الأمر بتعيين عكاشة ملحق عسكرى فى”برن” واستعجل سفره.
ويحك عن ذلك ثروت عكاشة فى مذكراته :
(ولقد خيل لى أن الغرض إبعادى عن المجلة إرضاء لصلاح سالم، ولكن تبينت أن الغرض الحقيقى هو إبعادى عن سلاح الفرسان لما كان يعلمه مجلس الثورة من منزلة لى فى قلوب ضباط السلاح، فقد صور لهم خيالهم المريض، أنىى قد أستعين يوما بهذا السلاح فى جولة من الجولات، ومما يؤكد ظنى أن مجلس الثورة أبعد خالد محيى الدين كذلك وبنفس الطريقة بعد عدة شهور لسويسرا)..
وبسفر عكاشة تحرك سلاح الفرسان وطلب الإجتماع مع مجلس قيادة الثورة، فذهب لهم عبد اللطيف البغدادى،فقال له الضباط:
إذا كان هذا نصيب الرجل رقم 2 فى سلاح الفرسان، وقائد سلاح الفرسان ليلة الثورة فماذا سيكون نصيبنا نحن؟! ولم يكن العقاب لرئيس التحرير وحده،بل شمل المحررين الذين قدموا إستقالات من مجلة الثورة، وتم مصادرة الصحف التى راحوا يكتبوا فيها بعد ترك مجلة التحرير والتى هى بالأصل صحف ماركسية هى ( الكاتب – الملايين – المعارضة – صوت الطلبة – الواجب) مما يعنى ضرب عصفورين بحجر واحد؟ ثم ظهر فى الصحف اعلان عن صدور جريدة التحرير اليومية، تصدر عن دار التحرير للطبع والنشر، وتبين أنها الأسم المؤقت لجريدة “الجمهورية” المقترحة قبل صدورها.
وطلب عبد الناصر من هيكل تولى الاشراف عليها ويقول هيكل فى كتابه “بين السياسة والصحافة”:
(واعتذرت لتمسكى بأخبار اليوم وعملى فيها، وصداقتى مع أصحابها، ثم أن الفارق بين الثورة والحكومة كبير- وأن كان فى حالنا ضائع– ولكن الجمهورية تصدر عن الحكومة ، وأنا لا اتصور نفسى فى جريدة حكومية؟!
واخيرا لأن الثورة لاتحتاج لجرائد وكما اعتذرت عن مجلة التحرير فى السابق، كررت الأعتزار عن الجمهورية..ولقد كان اعتذارى عن مشروع (الجمهورية) سببا أضيف إلى دواعى الربط بينى وبين الأخوين على ومصطفى أمين بأخبار اليوم؟!)
وصدرت الجمهورية فى 7 ديسمبر 1953 خرجت من رحم مجلة التحرير فى ولاده قيصرية لها العجب. وقعها عن صاحبها هيئة التحرير آى جمال عبد الناصر سكرتير عام الهيئة وبتوقيع الضامن أنور السادات، وتعرضت لهزات عنيفة – بعد ذلك – نظرا للتغيرات السريعة والكثيرة فى قيادتها فقد تطورت الأمور بعد ذلك بإثارة عبد الناصر قضية تطهير الصحافة ونظرا للغمز واللمز على صحف أخبار اليوم، نشر محمد التابعى فى أخبار اليوم مقالا يدعو فيه لتشكيل لجنة لتطهير الصحف والصحفيين بأعمال قانون “من إين لك هذا“؟
ونشر هيكل فى”آخر ساعة” مطالبا نقابة الصحفيين بإيقاف المصروفات السرية، ونشر كشوف المصروفات السرية فى العهد الملكى!! ووجه صلاح سالم “وزير الارشاد” وقتها كلمة من الإذاعة قال فيها: (..هناك من باعوا أقلامهم فى الماضى وهم يعرفون أنفسهم،وحركة الجيش لا تريد أن تشهر بهم، ولكننا مستعدون لتقديم كل ما لدينا من معلومات لنقابة الصحفيين..)
حرب الفراولة
ولما لم تتحرك النقابة، أجتمع صلاح سالم بمجلس قيادة الثورة، متصديا لقضية “تطهير الصحافة”،وقدم مايفيد أن نصف اعضاء نقابة الصحافة والبالغ عددهم اثنى عشر تقاضوا مصروفات سرية ومتورطين.
وصدر قرار فى 16 إبريل بحل مجلس النقابة وتشكيل لجنة تدير النقابة من : (فكرى أباظة ووكيل وزير الإرشاد، ومحام عام والمدير المالى لحسابات الحكومة) وكان مصطفى القشاشى يشرف على الجمهورية وفى نفس الوقت سكرتير عام نقابة الصحافة، وتبين أنه من المتورطين بالمصروفات السرية فأستبعد من الجريدة، وتم شطبه من نقابة الصحفيين.. وبدأت متاعب الجمهورية.
وخرج “صلاح سالم” مرة آخرى ليعلن فى سخرية بأن الصحافة فسدت كما تفسد الفراولة، وإذا فسدت الفراولة صارت سامة، وقال أنه يعلن حرب الفراولة على الفساد وأعلن عن اسماء صحفيين وصحف متورطة فى المصاريف السرية قال” نصر الصحافة أن تنادى بالحرية والديمقراطية ورفع الرقابة ليأخذ الصحفيون المصاريف السرية.وذكر صحف طالب بسحب رخصها أو وقفها هى: روز اليوسف، الجمهور المصرى ،السودان، البلاغ، السياسة، بلادى، الدستور، المقطم، الزمان، صوت الأمة” ثم أعلن عن (23) صحفيا ثبت حصولهم على مصروفات سرية وكان منهم اربعة يعملون فى الجمهورية؟!
ولكن الغريب أن يكون من هولاء الصحفيون (إحسان عبد القدوس، كامل الشناوى، السيدة فاطمة اليوسف، مرسى الشافعى، رخا ، كريم ثابت، نعمة الله غانم. أحمدحسين المحامى، عبد الرحمن الخميسى) ؟!”
ولم تسلم الجمهورية من نقد عبد الناصر رغم تولى السادات امرها فقد اعترض على مقال للسادات، وعرف أن السادات ليس هو محررها وإنما وضع اسمه عليها بعد أن اوحى بفكرتها ل حسين فهمى فقال له: (نقرأ على الأقل المكتوب.. أو بلاش مقالات لينا أصلا) ولم يكن كُتاب الجمهورية على رأسهم ريشة لأنها جورنان الدولة، فقد قبض على الدكتور عبد العظيم أنيس بسبب مقال له بالجمهورية عنوانه “الحركة الوطنية العربية” فى حين عبد الناصر ينادى بالحركة القومية العربية، ووجه ناصر للسادات مرة آخرى اللوم قائلا:
(حنرجع تانى للنشرة الشيوعية بتاعة مجلة التحرير..افرز الكتاب مش عايز فى جريدتنا كاتب أحمر؟)
قصة جريدة الجمهورية
ويحكى السادات لأنيس منصور إنه ذهب لزيارة الرئيس جمال عبد الناصر في يوليو 1954 بأحد المستشفيات بعد إجراء عملية استئصال الزائدة له، ودار في تلك الأثناء حديث بين السادات وعبد الناصر عن صحافة الثورة، وتفاجئ في ذلك اليوم السادات بالرئيس يطلب منه الإشراف على إصدار أول صحيفة يومية تصدرها ثورة يوليو تتبنى أفكارها وتدافع عن سياساتها.وعقب يومين عاد السادات لناصر وأخبره أن الأمر مستحيل حيث إن هناك الكثير من التحديات التي تعرقل الأمر، فسأله عبدالناصر:”إزاى قمنا بثورة يا أنور وسط كل المصاعب اللي كانت حولينا،ا لثورة لا بد أن يكون لها صحافتها والجريدة لابد أن تصدر قبل نهاية العام، لقد اخترتك لسبق تجربتك مع الصحافة”
وبالفعل قبل السادات.فبدأ يتردد على “الهلال”، يسأل ويستفسر ويستمع إلى نصائح والخبراء في الإدارة والتحرير والتوزيع والطباعة والإعلان و أستأجر شقتين بالطابق الخامس في إحدى العمارات الجديدة في 36 شارع شريف، واجتمع مع مجموعة تم اختيارهم للعمل معه بالجريدة وكان على رأسهم حسين فهمى الذى تم ترشيحه ليكون أول رئيس تحرير للجريدة الجديدة. وكنا كلما غضب عبدالناصر على الشيوعيين قمنا برفد نصف الجورنال فاليسار والماركسيين كانوا من أفضل كتاب مصر– وقتها – وفى وقت من الأوقات كان عبد الناصر غاضبا من الشيوعيين فاعتقل منهم 200 من القيادات الماركسية!
وشهدت الجمهورية خلافات فى هيئة التحرير وتوالى عليها رؤساء مجالس الإدارة ورؤساء التحرير فعين بعد السادات (صلاح سالم وبعده كمال الحناوى،) وشهدت “الجمهورية” جانبا من الصراع بين ناصر وعامر ففرض المشير عامر “حلمى سلام” رئيسا لمجلس إدارة التحرير ورئيسا للتحرير وكان – مشروطا عليه عند تعيينه تخفيف العمالة،- فنقل 40 من المحررين لإدارات العلاقات العامة بمؤسسات الدولة وكان منهم (عبد الرحمن الخميسى، وإبراهيم الوردانى)
ولم تمض الأمور هادئة حتى طلب حلمى سلام من المشير عامر التدخل، فأرسل له المباحث الجنائية العسكرية للتحقيق؟! ورابط أفراد المباحث أربعة ايام فى مكتب التحرير واعتقلوا بعض الموظفين للتحقيق معهم. وتدخل عبد الناصر فأعفى (حلمى سلام) فى 18 مايو 1964، وعين”فتحى غانم” للأشراف العام ورئسا للتحرير، وتقرر أن يكتب “على صبرى” المقال الإفتتاحى بأعتباره الأمين العام للإتحاد الأشتراكى،فراى الفصل بين رئاسة التحرير ومجلس الإدارة وعين (مصطفى بهجت بدوى) لمجلس الإدارة.
وقد بلغ حجم الفوضى فى جريدة الجمهورية لحد أن مدير المباحث العامة أرسل خطابا لمدير عام مصلحة الاستعلامات،أشار فيه إلى الخناقات اليومية بالجريدة لتضارب السلطات والانقسامات الحادة بداخلها..حتى أن القيادة العامة أصدرت بيانا جاء فيه ” مع تقديسنا لحرية الصحافة وللحريات، نناشد صحافتنا الرشيدة أن تعلو بنفسها وبقرائها عن الاسترسال فى نشر مخازى العهد السابق، وان تتجه للعهد الجديد لبحث مشكلاتنا وتصحيح الأوضاع ودراسة المشروعات التى تساعد على خلق وعى قومى مستنير”
وكان المقصود جريدة الجمهورية وجريدة أخبار اليوم
وكتب أحمد أبو الفتح فى كتاب المعنون” جمال عبد الناصر” قال:
أعطى عبدالناصر شركة الإعلانات الشرقية وكل مبانيها ومطابعها وجرائدها وإعلاناتها،التي كانت تمثل أكبر قوة إعلانية في مصر، إلى دار التحرير التي تصدر جريدة الجمهورية وهى كلها من املاك “آل ابو الفتح” التى أممها عبدالناصر، والأن الشركة مفلسة.. وجريدة الجمهورية فى الحضيض وفى كتاب موسى صبرى (50 عاماً فى قطار الصحافة) ينضم موسى صبرى لأحمد أبو الفتح .
كتب عن جريدة الجمهورية وقد عمل بها كما يذكر بالغصب،يقول: ولم يكن أى صحفى مؤمنا على رزقه . كان وقف الصحفى يتم بتليفون من عبد الناصر أو سكرتيره. لم تكن هناك حاجة لأى قرار مكتوب, وقد أوقفت عن العمل ثلاث مرات فى عهد عبد الناصر وكان معروفا صحفيا أن جريدة الجمهورية لها موسما سنوياً للفصل، وفى مرة تجاوز الفصل 120 محررا ولم تكن المقاضاة واردة،كانت تعنى المقاضاة وقتها تحدى حكم عبد الناصر،وإذا فصل الصحفى أو أوقف عن العمل،فكل الجهات لاتتعامل معه،لا الإذاعة ،ولا التليفزيون، ولا الناشرون ، فالفصل هو قرار بالاعدام.
أشرف مصطفى توفيق
اقرأ أيضا : كيف سخر الفاجومي من زيارة الرئيس الفرنسي والست بتاعه؟