العيادةثغرات حياتية وفجوات نفسيةمي محمود عبد اللاه
د.مي محمود عبد اللاه : ثغرات حياتية وفجوات نفسية وكيف نواجهها ؟
بنيت الحياة علي الفقد و لم تبني أبدًا علي اكتمال الأمنيات ، فقد أشخاص محببة ، فقد أمنيات لصيقة بالفؤاد ، فقد طموحات ، فقد نعم مثل الصحة , الحب , الانجاب , والنجاح في كثير من الأحيان ..
الأمر الجميل والمفارقة المبشرة في ذلك هي أن الدنيا دائرة تدور، فما يفنيك اليوم يغنيك غدا ، و ما يؤلمك اليوم تجد له عوضا ولو بعد حين !!
” وتلك الأيام نداولها بين الناس” آل عمران 140
وإن كان ثمة خسارات كبري لا يعوضها شيء إلا الإيمان بقضاء الله وقدره , وهي منزلة لا يبلغها إلا المؤمن الحق
والسؤال الذي قد يطرح نفسه علينا الآن هو كيف يمكننا أن نواجه مرارة الفقد ؟ , وأن نجد ما يساعدنا – مع الإيمان – على تجاوز تلك الفجوات النفسية والتي هي الآثار أو التبعات التي يحدثها ألم الفقد بداخلنا .. خاصة آلام الفقد عند الصغار !!
وهذا ينقلنا إلى السؤال التالي :
كيف تعد طفلك للتعود علي الفقد ؟
الحقيقة أنه ليس هناك وصفة نفسية شاملة أو روشتة فورية من طبيب نفسي أو معالج ذاتي أو ناصح أو حكيم لتجنب تبعات الفقد و التأثر به فنحن بشر ، يؤلمنا الرحيل ، و يجرحنا الغياب ، و يغص وجع القلب فينا غصتة كل ليلة من فقد أحدهم ..
و لكن بمبدأ التمرين العقلي و “ما لا يدرك كله لا يترك جله” … أحببت أن تكون هناك خطة ما لتعليم أبنائنا و أطفالنا سنة الفقد و التعامل معها
وهذه بعض الأفكار و ” الإستراتيجيات ” التي من الممكن تطبيقها مع صغاركم ..
إستراتيجية المكسب والخسارة
من الجيد أن تعلم طفلك مبدأ المكسب والخسارة حتى في الألعاب البسيطة و هو يخطو الخطوات الأولى من وقوع و قيام ، علي درج طاولة التزحلق التي ينجح في درجة فيها و يفشل في التي تليها ، في تبادل الكرة و احراز الأهداف بين فريق خاسر و آخر فائز حتي لو كنت أنت الفريق الذي يلعب ضده ، أذقه نجاح الفوز كثيرا ، و فاجئه بإنتصارك عليه قليلا و علمه بأفعالك كيف له أن يتقبل الهزيمة ويكون ذلك تحديا له لا معجزا ومحبطا
استراتيجية العوض أو الإستبدال
عندما يفقد طفلك لعبته المفضلة لا تبادر بشراء واحدة نفس الشكل و اللون ..
اجعله يتقبل الفقد ،
اعطه الفرصة ليهدأ باحتوائك ،
نظم له أفكاره بضرب الأمثلة السابقة من حياتك أو حياة المحيطين من العائلة كالاخوة أو الأقارب الذين يعيهم الطفل وكيف تعاملوا مع مفقوداتهم
اذهب معه لشراء شيء جميل آخر …
هذا هو العوض الجميل عندما صبر وتقبل فكرة الفقد، جاءه شيئ جميل آخر
استراتيجية معايشة الفقد من خلال تربية حيوانات متوسط أعمارها قصير
تربية الطيور و الأسماك والحيوانات الأليفة فكرة جيدة جدا كتدريب لذلك ، ولكن قبل الشراء تحدث معه عن سنة الفقد و أن مصير الأشياءات الهلاك ثم الفناء ومصير الحيوات – جمع حياة – أن تنتهي بالموت ، تكلم عن رعايتهم وكيف سنقوم بالعناية بهم واحتوائهم وتوفير المأكل و المشرب و النظافة لهم ..
تكلم عن أعمارهم و المتوقع لفقدهم يوما ما .
و تري ماذا يود الطفل عندما تنتهي حياتهم أن نحضر ثانية ..هل من نفس النوع ؟
أم طائر أو حيوان آخر نعتني به ؟
ودعه يختار ..
.فإن في اختياره تعود ضمني و تخيلي للفقد (هذا بعدما تؤصل فيه تأدية حقوق التربية و العناية لهم على الوجه الأتم ، حتي لا يتحول الأمر للا مبالاة أو يصبح من الأوغاد الذين ليس لديهم عزيز أو غال.
استراتيجية الإدخار
الادخار : فكرة عميقة تؤصل الصوم عن الرغبات الحالية و استبدالها بأخري قادمة ، كذلك الزهد ، والاقتناع بفكرة فقد اللذة الحالية في سبيل تحصيل متعة أكبر يوما ما .
عقبة التخلي عن الآن ، عن الإتاحية الدائمة … حاول معه في تطبيق فكرة إلجام الشهوات الحالية ، و في فكرة الإدخار أن يعي الطفل معني عدم سير الحياة علي ما نحب علي طول الخط ولكن نتنازل بعضا للغد الأجمل.
استراتيجية الترميم
الترميم : علمه ترميم الألعاب المكسرة و الأوراق التي من المخطط لها إلقائها في القمامة ، دعه يلونها ، ويصنع منها أعمالا فنية ، يزينها ويعلقها ، يوفر القصاصات ويتخيل فيها شكل آخر ..
فمن “بري” الألوان الخشبية نصنع سمكة، ومن الجرائد نصنع زينة، ومن البالون المفقؤ نصنع “زقزوقة” وطبلة، ومن الأكواب البلاستيكية نصنع مركب و تليفون وهكذا … ترميم الأشياءات سيدربه على ترميم روحه كل مرة يتعثر بها و يواجه فشلا ما أو فقدا ما
استراتيجية دورة الحياة والحياة الآخرة
الحديث عن الجنة وما بعد الحياة الدنيا يعزز فكرة “دورة الحياة ” و الايمان بالله والرجوع إليه و التوكل عليه و يقلل حدة الفقد والوجد والسهد.
استراتيجية البوح
علمه دائما كيف يعبر عن مشاعره وأوجاعه و آهاته و لا تكتم دموعه و تفهم ذلك منه و تواجد معه أيما مواجدة تحوي قلبه الغض.
استراتيجية البدائل
وفر له مهارة حل المشاكل و إيجاد البدائل ليستطيع ملء احتياجاته بنفسه اذا ما نفدت أكواب احتياجاته الإنسانية من معينها الذي كان يرويها أو اعتاد أن يرويها منه و يشبعها بوجوده… فلا يكون حينئذ متعلقا تعلقا مرضيا بشخص قد يفقده في أي لحظة لسبب أو لآخر
و أخيرا ، علينا أن نوظف نحن الكبار هذه الأفكار ما لم ندركه في الصغر من التمرين أو التدريب الكافي للفقد …ولم لا … فكلنا في الأصل رهن التغيير اذا أردنا و إن وجدنا الطريق فاللهم دلنا … و اجعلنا أغنياء بك و فقراء إليك و اغننا دوما عمن وعما أغنيته عنا و لا تعلق أفئدتنا بما ليس لنا و جنبنا وجع الفقد ..
د.مي محمود عبداللاه
أخصائي الطب النفسي و المخ و الأعصاب
عضو الجمعية العالمية للطب النفسي
عضو الجمعية المصرية للعلاج السلوكي المعرفي
كاتبة في المجال الاجتماعي النفسي و الظواهر المجتمعية المختلفة
وصدر لها كتابين :
كتاب قلب لونه جانجاه
كتاب صندوق الدنيا
اقرأ أيضا للكاتبة :
تعليق واحد