حقيقة التنظيم السري للإخوان المسلمون داخل الجيش المصري

لمتابعة الحلقات السابقة اضغط هنا
وهذه هي الحلقة الثالثة , يقول :
يعد صدور كتاب (النظام الخاص ودولة الإخوان المسلمين) للباحثة سوزان حرفي، هو احدث دراسة عن الثورة والإخوان عبر سنوات الصدام ..
تصف موسوعة الإخوان المسلمين، الصاغ “محمود لبيب” بأنه وكيل الإخوان المسلمين للشئون العسكرية ومؤسس تنظيم الضباط الأحرار
وهو نظام عسكري أسسته الجماعة هدفه إعداد نخبة منتقاة من الإخوان المسلمين للقيام بمهمات خاصة والتدريب على العمليات العسكرية بما يخدم مشروع حسن البنا.
من هو الصاغ محمود لبيب مؤسس تنظيم الضباط الأحرار ؟
ولد الصاغ “محمود لبيب البقلي” في 1882م بالمنوفية، وجده الأكبر هو الشيخ البقلي المعروف، وله زاوية هناك تسمى زاوية البقلي
وقد ترك الصاغ محمود لبيب الجيش عام 1936م برتبة صاغ لاختلافه مع عقل باشا مدير مصلحة خفر السواحل فطلب تسوية حالته فأحيل إلى المعاش .
لماذا أراد حسن البنا تكوين تنظيم داخل الجيش ؟
العلاقة المبكرة بين الإخوان المسلمين والجيش المصري
وفي ديسمبر1941 أرسلت إلى القصر الملكي عريضة باسم “الجنود الأحرار” تطالب بمنع ما يتعارض مع الإسلام وإلغاء معاهدة سنة 1936م،ومنح الجندي الحق في الامتناع عن أي عمل يناقض الشرع !!
ووزعت منشورات داخل وحدات الجيش بمضمون هذه العريضة التي وقعت باسم “الجنود الأحرار”
(وهذا ما أكدته تقارير الأمن العام والبوليس المخصوص- محفظة 34 – في 7 ديسمبر سنة1941.).
وكان الصاغ محمود لبيب هو سنارة الإخوان التي تدلت بين الضباط في الجيش فاستطاع أن يجتذب”يصيد” بعضاً منهم.
وكانت أكبر الرتب التي أقبلت إلى الإخوان ( عبد المنعم عبد الرؤوف، جمال عبد الناصر ، أبو المكارم عبد الحي، كمال الدين حسين)
ونظراً لحساسية وضع الضباط فقد رئي آلا يكون نشاطهم في شعب الإخوان بالمجال العام حتى لا يكونوا عرضة للمحاكمات العسكرية
والفصل والقوانين التي تحظر على الضباط الاشتغال بالسياسة أو الانتماء إلى منظمات سياسية،ولذلك تقرر إلحاقهم بالنظام الخاص وتم اتصالهم بعبد الرحمن السندي.
ولما كثر عدد المنتسبين من الضباط في النظام الخاص للإخوان (44 ضابط) كما جاء فى مذكرات”حسن العشماوى”،أفرد لهم حسن البنا قسمًا خاصًّا يرأسه الصاغ محمود لبيب.
وبدأ استقلال محمود لبيب بعمله في هذا القسم عام 1944م مستعينًا بالطيار عبد المنعم عبد الرءوف الذى بدأ في الانتشار وسط زملائه الضباط،واختبارهم لقبول تلك الفكرة والعمل لها،
وفي أكتوبر1944م قام بدعوة البكباشي جمال عبد الناصر، لحضور درس الثلاثاء لحسن البنا بدار المركز العام للإخوان،
ثم أتبعه بالملازم أول حسين أحمد حمودة والملازم كمال الدين حسين؛ ثم دعا الملازم أول حسين أحمد حمودة ضابطين هما شقيق زوجته الملازم أول سعد توفيق, والملازم أول صلاح الدين خليفة ..
ويقول خالد محيي الدين:
كنا في نهاية عام 1944م وكانت الحيرة تغلفنا جميعًا بحثًا عن طرق لنا ولمصر، وذات يوم مر على عبد المنعم عبد الرؤوف،وعرض على أن نلتقي بضابط آخر يحمل ذات الهموم، ويبحث عن إجابات لذات الأسئلة
وأخذني لأقابل جمال عبد الناصر، وكان لقائي الأول معه.
اصطحبت عثمان فوزي لمقابلة عبد المنعم عبد الرؤوف في جزيرة الشاي بحديقة الحيوان حيث قابلت الصاغ محمود لبيب الذي عرفت فيما بعد أنه مسئول الجناح العسكري في الإخوان المسلمين
وبدأ محمود لبيب يتكلم في تؤدة ويتطرق إلى موضوع الدين دون تعجل، وتحدث عن القضية الوطنية بنكهة إسلامية،فاشتم”عثمان فوزي-الضابط الماركسى” رائحة الإخوان من الحديث..
ويقول عبد المنعم عبد الرؤوف في مذكراته التى اسماها (أرغمت فاروق على التنازل عن العرش) :
“في أواخر مايو 1942 التقيت حسن البنا ومحمود لبيب لأول مرة وأَقتٌرحت تكوين مجموعة إخوانية من ضباط الجيش ووافق البنا ولبيب
وفي أكتوبر 1942دعوت عبد الناصر لحضور جلسات الإخوان وحسين حمودة وكمال الدين حسين وكونا مكتبة إسلامية واستمرينا إلى 1946في ضم ضباط لتنظيم الإخوان بالجيش
وفى نهاية1946 تم الاتفاق على تدريب شباب الإخوان عسكريا.وذهبنا نحن (خالد محيي الدين وناصر وكمال الدين حسين وانا وحسين حمودة وسعد توفيق) إلى بيت بحي الصليبة
وقمنا بالقسم على السلاح والمصحف بحضور عبد الرحمن السندي ،وقمنا بتدريب شباب الإخوان على حرب العصابات من كتاب مترجم وعلى السلاح والمتفجرات
وجهزنا لاحقا كتيبة من 280مجاهد للذهاب لفلسطين ..
ويضيف عبد المنعم عبد الرءوف في مذكراته:
مع اغتيال المرشد (حسن البنا) والحملات ضد الإخوان ضعف التواصل بشدة بين التنظيم والجماعة وحوصرنا في الجيش
مما دفع المرحوم محمود لبيب إلى اقتراح تغيير اسم التنظيم للضباط الاحرار بدلا من ضباط الإخوان المسلمين..
عبد الناصر هو قائد تنظيم ضباط الاخوان المسلمين داخل الجيش خلفا لمحمود لبيب
وفي نهاية 1949طلب الصاغ محمود لبيب،وهو على فراش المرض،اثنين من ضباط التنظيم وهو على فراش الموت حتى يحملهما أمانة التنظيم وأسراره وأسماء أعضائه المنتشرين داخل الجيش من بعده
وهما الطيار عبد المنعم عبد الرءوف،والضابط جمال عبد الناصر الذي كان علاوة على انتمائه لتنظيم الضباط التابع للإخوان المسلمين كان منتميًا لتنظيمات تتبع أحزابًا وحركات سرية أخرى..
غاب عبد المنعم عبد الرءوف عن الموعد لأسباب عائلية، وذهب عبد الناصر ليفاجأ بأن الصاغ “محمود لبيب” يطلعه على أسرار التنظيم ويعطيه خريطة تنظيم الضباط (وفقا لكتابنا)
يقول المفكر أحمد رائف:
“وبعد وفاة الصاغ محمود لبيب قائد التنظيم الخاص انتقلت القيادة إلى جمال عبد الناصر؛ لأن محمود لبيب قبل وفاته أبلغ عبد الناصر أن الانقلاب كان موجودا في رأس حسن البنا،
ولبيب على فراش الموت جهز قائمة بأفراد التنظيم الخاص والمشاركين في التخطيط والتدريب من المدنيين والعسكريين، وكان الوحيد الذي يعلم هذه التفاصيل بعد لبيب هو عبد الناصر ..
ويضيف عبد المنعم عبد الرءوف في مذكراته :
في سبتمبر 1949 أبلغني عبد الناصر نيته ضم ضباط من تيارات وأخلاقيات مختلفة لاستحالة تنفيذ انقلاب يخطط له للتغيير وسط شروط أخلاقية ودينية للضباط المنضمين وزي زوجاتهن ورفض طاعة تعليمات مكتب الإرشاد ووصفها بالتزمت
ورفعنا الخلاف “لعزيز المصري” الذي طلب استمرار التعاون وعدم الانفصال والقتال ضد الإنجليز
أيدني محمود لبيب في الرأي وأصيب بالمرض وقبيل وفاته سلم عبد الناصر ورقة بها أسماء كل ضباط التنظيم والمبالغ المالية الخاصة بالاشتراكات
ومنذ تأسيس التنظيم الإخوان في الجيش كانت تجمع اشتراكات من الأعضاء للاستعانة بها في التدريب والمساعدات الاجتماعية للأفراد في حالات الضرورة
وفي 25 من مايو 1949 استدعى جمال عبد الناصر لمكتب رئيس الوزراء إبراهيم عبد الهادي بتهمة الانتماء إلى الإخوان المسلمين وتدريبهم
وذلك بعد وصولهم كتابًا عن القنابل اليدوية موقع باسم جمال عبد الناصر مع أحد الإخوان المسلمين، فأجاب جمال عبد الناصر أن أحد الإخوان استعاره منه في حرب فلسطين، وقتل شهيدًا
وبذلك استطاع أن ينفى هذه التهمة عنه. وأسرع الصاغ محمود لبيب المسئول عن تنظيم الإخوان الضباط بإرسال مرتب شهر لزوجة جمال عبد الناصر،وإبلاغها اهتمام إخوانه الضباط بموضوع التحقيق،وأنهم لن يتخلوا عنه
مما أثبت قوة ارتباطنا ماديًا.
وبمناسبة هذا الحادث اقترح علينا الصاغ محمود لبيب استبدال اسم تنظيم الإخوان الضباط باسم “الضباط الأحرار” لإبعاد اسم جماعة الإخوان المسلمين المكروهة من الملك والأحزاب العميلة والإنجليز
ويقول الفريق طيار عبد المنعم عبد الرءوف:
إنه “في سبتمبر 1949 أبلغني جمال عبد الناصر أنه لا يستطيع تجميع الضباط حول مبادئ الإخوان المسلمين وإتباع هذا الأسلوب المتزمت في اختيارهم
المتمثل في أن يشترط في الضباط الذين يُراد ضمهم للتنظيم اجتناب الخمر والميسر والنساء الساقطات
وضرب لي مثلاً بقوله:
إن خالد محيي الدين تركنا 1947 واعتنق المبادئ الماركسية، وانضم إلى منظمة اسكرا الشيوعية.وطال الجدل بيني وبين جمال عبد الناصر، واستغرق عدة ساعات، وظل كل منا متمسكاً برأيه
وفي كتابه “الآن أتكلم” أدلى خالد محيي الدين بتلك الشهادة:
كانت اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار تحت إشراف عبد الناصر الذي أصر على استقلالها الكامل عن كل الجماعات الأخرى
سواء داخل أو خارج الجيش، وعلى الأخص،كان عبد الناصر مصمماً على عزل الحركة عن الإخوان المسلمين..
الإخوان وثورة يوليو 1952 من التوافق إلى التصادم
بينما كان الإخوان يحاولون تجنيد أكبر عدد من ضباط الجيش عن طريق كبار مندوبيهم وأحد هؤلاء المندوبين كان عبد المنعم عبد الرءوف عضو اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار،وعن ذلك يقول أنور السادات:” فوجئنا بالبكباشي عبد المنعم عبد الرءوف وهو ينادي بضم تنظيم الضباط الأحرار كله إلى الإخوان المسلمين”. هنا حدث خلاف في الرأي للمرة الثانية – على الأرجح – بين جمال عبد الناصر وعبد المنعم عبد الرءوف،ولكن هذه المرة بخصوص تبعية هذا التنظيم السري – تنظيم الضباط الأحرار- للإخوان المسلمين، ورفض جمال عبد الناصر تبعية التنظيم للإخوان المسلمين ووافق باقي الضباط على رأي جمال فانسحب عبد المنعم عبد الرءوف من تنظيم الضباط الاحرار،كما تم إسقاط عضويته من اللجنة التأسيسية لالتزامه وارتباطه بجماعة الإخوان المسلمين بدلاً من تنظيم الضباط الأحرار.
وكان الصدام الأول الذى بدأ فى 14 يناير 1954بقرار مجلس قيادة الثورة بحل جماعة الإخوان،ثم تلتها فى مارس 1954أزمة الصدام الدامى الشهير كمرحلة ثانية
حين أطلقت ثمانى رصاصات على عبد الناصر فى الإسكندرية لتعقبها مرحلة السقوط فى تاريخ العلاقة، كانوا فى ذلك الوقت أحرارا خارج المعتقلات
على عكس عديد من الأحزاب والقوى الوطنية التى ضربت بعد حريق القاهرة،كالحزب الاشتراكى،والحزب الوطنى، وأنصار السلام،والتنظيمات الشيوعية.
ولفتت“حرفي” فى كتابها إلى أن سعي (حسن البنا) من خلال التنظيم الخاص،كان لإنشاء «جيش بديل» عن الجيش المصري، هو «جيش المسلمين»
طبقاً لما أكده جمال البنا، وكذلك محمود الصباغ أحد قيادات هذا الجيش في أربعينات القرن العشرين.
وقد ذكر حسن البنا في إحدى رسائله الموجهة للتنظيم الخاص، وهي رسالة «المنهج» التي رسم فيها مراحل العمل وتكوين الكتائب ونموها
أن العدد المستهدف لهذا الجيش في مرحلته هذه هو اثنا عشر ألفاً،مضيفاً: “ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة“
الاخوان وفكرة الجيش البديل والتنظيم السري الخاص
. فكرة «الجيش البديل» هذه أسَرت محمود الصباغ عندما التقى حسن البنا لأول مرة عام 1939م في لقاء للتعارف رتبه زميله بالكلية مصطفي مشهور في دار الإخوان التي كانت تقع بمنطقة الحلمية الجديدة، بالقاهرة،حيث كان البنا يشرح الإسلام ودعوته.ولكنها ازعجت عبد الناصر والثورة. ويقول عبد الناصر: «رأيت أن كل ما يسوقه من آيات بينات رسمها الله للمسلمين شرعة ومنهاجاً في هذه الحياة تعالج ما نحن فيه في زماننا الحالي، فخرجت وأنا أقول: ولماذا التباطؤ في التنفيذ؟ خرجت مسلماً صحيح الإسلام، عضواً في جماعة الإخوان المسلمين، دون أن أكتب استمارة عضوية، أو أدفع اشتراكاً شهرياً أو سنوياً، أبحث مع مصطفى وسيلة لتنفيذ ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله، التي تجلت واضحة في مقاتلة العدو من خلال (جيش مسلم) سيتحقق له نصر مؤكد، لو صدق ما عاهد الله عليه»، ثم يضيف: «همست بما يجول بخاطري لمصطفي مشهور،فعرفني على أخي في الله المرحوم الأستاذ عبد الرحمن السندي، بصفته المسؤول عن إعداد (جيش المسلمين) في تنظيم الإخوان المسلم ».المهم أن مشاركة هذا الجيش الإخواني في فلسطين لم تكن كما يروجون، فإنهم – حسب ما ذكرته “حرفي” – لم يدخلوا إلا معارك قليلة جداً فيها، فقد صدرت من الشيخ محمد فرغلي،وهو المسؤول العام للمقاتلين الإخوان في فلسطين،الأوامر بعدم الدخول في مزيد من المعارك،بحجة أن هناك مؤامرة لتصفية المجاهدين،وظل الإخوان في معسكرهم لا يحاربون إلى أن عادوا من فلسطين.الحكاية إذن لم تكن محاربة الصهاينة في فلسطين كما روجوا،لكن هدف إنشاء النظام الخاص الحقيقي أوضحته “حرفي ” وهي تستشهد بما كتبه عبد الرحمن الساعاتي،شقيق حسن البنا، المراقب العام للجماعة: «استعدوا يا جنود، وليأخذ كل منكم أهبته، ويعد سلاحه، ولا يلتفت منكم أحد، وامضوا إلى حيث تؤمرون، خذوا هذه الأمة برفق، وصفوا لها الدواء، فكم على ضفاف النيل من قلب يعاني وجسم عليل. فإذا الأمة أبت، فأوثقوا يديها بالقيود، وأثقلوا ظهرها بالحديد، وجرعوها الدواء بالقوة. وإن وجدتم في جسمها عضواً خبيثاً فاقطعوه، أو سرطاناً خطيراً فأزيلوه، فكثير من أبناء هذا الشعب في آذانهم وقر، وفي عيونهم عمى»..أما عن المكانة التي كان يتمتع بها هؤلاء الذين اختارهم البنا لهذه المهمة، فقد كانت أعلى من غيرهم من المنتمين للجماعة، طبقاً لما أكده الشيخ أحمد حسن الباقوري، في كتابه «بقايا ذكريات« حيث أفاد الباقوري بأنه تم توجيه هذا الشباب الذي انضم للتنظيم الخاص على أنهم هم أعضاء الجماعة الحقيقيون، وأن إخوانهم المشتغلين في الدعوة العامة مع البنا هم أقل منهم درجة، فهم كانوا يحملون صفة تربوية، عرفها حسن البنا لهم بـ«الأخ المجاهد»، بينما المشتغلون مع البنا في الدعوة العامة كانوا يعرفوا بـ«الأخ العامل».
..تابعت “حرفي” في كتابها قصة نهاية عقد الثلاثينات وبداية الأربعينات، وما ساقه بعض ممن ساهم في تأسيس خلايا وكتائب داخل النظام الخاص في تلك الفترة، كما كشفت أن فكرة الاغتيالات كانت مرحباً بها بين أعضاء الجماعة
وهو ما ظهر جلياً في ما قاله الدكتور يوسف القرضاوي، عضو تنظيم الإخوان سابقاً، بمذكراته «ابن القرية والكُتاب..ملامح سيرة ومسيرة» ..«قابلنا، نحن الشباب والطلاب،اغتيال النقراشي بارتياح واستبشار،فقد شفى غليلنا ورد اعتبارنا». ..ويلفتت النظر إلى أن الأهداف التي استدعت تشكيل النظام الخاص،بما فيها الدفاع عن«الدعوة»، وحماية ظهرها من الأعداء، كان بينها ضرب الخصوم.فالنظام الخاص أو التنظيم السري يعتبر تنظيماً عسكرياً هرمياً سرياً، هدفه ضرب الخصوم، والخارجين حتى عن الطاعة من داخل الجماعة نفسها.
وذكرت “حرفي” أن البنا كان يؤيد العنف بكل أشكاله ،وقد اتضح ذلك في المؤتمر الخامس للإخوان، الذي انعقد عام 1938، عندما وجه بأن «القوة شعار الإسلام،
وأول درجاتها قوة العقيدة والإيمان،ويلي ذلك قوة الوحدة والارتباط،ثم بعدها قوة الساعد والسلاح وإن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها»
وقد بدا ذلك تحولاً في نهج الإخوان من الاكتفاء بنهج التربية والدعوة إلى السعي للتغيير بالقوة، وتدشيناً لمرحلة جديدة من طور نمو التنظيم،بعد مرحلة«التعريف» بالانتقال للمرحلة الثانية،وهي مرحلة «التكوين»،وصولاً لـ «التمكين»، لإقامة دولة «الخلافةالإسلامية» التي تقترب من دولة الخلفاء الراشدين الأربعة
ولا سبيل لتحقيق تلك الغاية إلا بالجهاد المسلح، وهو ما أعلنه عدد من القيادات البارزة داخل تنظيم الإخوان،على رأسهم اثنان من مكتب الإرشاد،وهما محمود أبو زيدعثمان صاحب امتياز مجلة «النذير»، ومحمد المغلاوي مسؤول قسم الطلبة والعمال ،ومعهما محمد عطية خميس، والدكتور علي النشار، والشيخ حافظ سلامة
كما انضم لهم عدد كبير من كوادر الجماعة. وجاء هذا بوضوح في مجلة «النذير»،لسان حالهم بعد الانشقاق واللافت أن البنا لم يهاجمهم، ولم يقف رافضاً لما قاموا به
بل تبرع لهم للمساعدة في إنشاء مقرات، كما أن بعض قيادات الجماعة وقفوا الموقف نفسه، ووصفوهم بأنهم «شباب استعجلوا النصر»
.وكشفت حرفي أن البنا أصدر توجيهاته بأن يكون هناك لقاء أسبوعي «يوم المعسكر»، هدفه تسهيل إمداد النظام الخاص بعناصر جديدة تعوض الخسائر التي فقدوها بخروج مجموعة:«محمد عزت»و«شباب محمد».وكشفت أيضاً أن استعراضات الجوالة لم تكن مقصودة لذاتها دائماً،وإنما كانت ذريعة لإظهار قوة الجماعة ومظهرها العسكري،والإيحاء بأنها هي القوة العسكرية للجماعة، وصرف النظر عن التنظيم الذي يتم إعداده سراً، وفي كتمان تام بعيداً عن مظهريات الجماعة. وقد تطرقت المؤلفة لطريقة تكوينه، وبيعة أعضائه، وتشكيله العنقودي، وسريته التامة حتى داخل أعضائه أنفسهموأشارت “حرفي” إلى أن «القيادة» كانت تضم عشرة أشخاص، خمسة من بينهم لا يتصل أحد منهم اتصالاً مباشراً بأي من أعضاء النظام، وتم تحديد مهام «قيادة الجيش» بدراسة طرق التنفيذ لما يصل من خطط صادرة من الأركان، وإصدار بيانات يشترك فيها جميع الأعضاء، كذلك الإشراف على أحوال الجند، والاطمئنان على دوام قوتهم المعنوية، كما تقوم القيادة بالاتصال بالإدارة العليا، وتبليغ الأركان بكل ما يحتاج إليه من إرشاداتها، ويجب أن يكون كل فرد من الأفراد العشرة المكونين لمجلس القيادة على استعداد لتولي القيادة في أي لحظة.أما «الأركان» فهي مجلس مكون من خمسة أشخاص،ويمكن أن يزيد عدده كلما احتاج الأمر،ومهماته وضع خطط لتنظيم القوات في كل من أوقات السلم والحرب،ودراسة المعدات عملياً،وتحديد ما يصلح منها لاستعمال الجيش،وإصدار بيانات بمميزاتها وطرق استعمالها وحفظها، كذلك تحديد الأهداف التي سيتم التعامل معها، ورسم خطة التنفيذ، من زمان ومكان والقوات المطلوبة، ودراسة كل ما يصل إليها عن طريق مجلس القيادة،من صعوبات ومشكلات عملية،ومطالب مستجدة، وإصدار بيانات بنتيجة الدراسة ترسل إلى مجلس القيادة، وبالنسبة لـ «الجنود» فمهمتهم الاستعداد الروحي والعقلي والطاعة والتنفيذ.ويعد صالح عشماوي ، هو قائد التنظيم السري بتكليف من حسن البنا بقيادة النظام الخاص كما استطاع محمود عبدالحليم،أن يجعل من الطلاب العنصر الأساسي في تكوين التنظيم. التنظيم شبه العسكري جرى تقسيمه إلى مجموعات عنقودية صغيرة لا تعرف بعضها مع تلقينهم برنامجا إيمانياً وروحياً مكثفا،إضافة إلى دراسة مستفيضة حول الجهاد في الإسلام وذلك لغسل أدمغة هؤلاء الشباب.وفي 16 يونيو 1941 انتقل محمود عبدالحليم للعمل إلى دمنهور ليعهد بتدريب الشباب على استعمال الأسلحة والأعمال الشاقة والمبالغة في السمع والطاعة في المنشط والمكره وكتمان السر إلى” عبدالرحمن السندي.” وفى عام 1948جرى فضح هذا النظام السري في قضية السيارة الجيب، بعد أن عثر البوليس السياسي على سيارة جيب بها جميع أسرار التنظيم الخاص، ومن بينها أوراق التأسيس والأهداف،وقدمتها حكومة النقراشي إلى محكمة الجنايات.يقول علي عشماوي، الذي كان عضوا بهذا التنظيم السري في كتابه «التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين»: «جرت محاولتان لاغتيال عبد الناصر والاستيلاء على الحكم ( 1954و 1965)» وحدثت مواجهات دموية بين نظام يوليو والإخوان المسلمين بالفعل، وتم إعدام عدد من قيادات الإخوان في المناسبتين
وكان الذي يقود الإخوان المسلمين في محاولتي الانقلاب والاغتيال والاستيلاء على السلطة تنظيم مدرب عسكريًا،من ذوي اللياقة البدنية العالية،وذوي التلقين العقيدي المتعمق، والمبرمجين على السمع والطاعة المطلقة، وكان هذا التنظيم شبه العسكري يعرف في صفوف الإخوان باسم«التنظيم الخاص» وفي دوائر السلطة باسم «الجهاز السري»..
يتابع عشماوى «أن قيادة التنظيم الخاص كانت مخترقة من الأجهزة الغربية الاستعمارية وتعمل لحسابها،وأن جميع الأعمال الكبرى التى يتفاخر بها الإخوان فى تاريخهم قد تم تفريغها من نتائجها بعد معرفتى بعلاقات العمالة والتبعية من بعض قادة الإخوان للأجهزة الغربية الصهيونية والتى أكدها لى المرحوم الأستاذ سيد قطب من أن أحد أصحاب المطابع الكبرى والذى كان أحد كبار الإخوان،كان عميلا للمخابرات الإنجليزية»..
بقلم / أشرف مصطفى توفيق
حلقات سلسلة : على هامش ثورة الضباط الأحرار
البريد الاليكتروني :ِ[email protected]
نسعد بالنقاش وتعدد وجهات النظر حول ماتم طرحه