بتول يوسف ونص أدبي بعنوان “السن”

ابداعات – نصوص – بتول يوسف :
/السِّن/
فناءٌ مهدَّم ..شخصان مضرجان بالدماء يستندان إلى أحد الأعمدة ..يتمسك الأول بالثاني و يطرق مهمهماً:
_لا تفكر بالألم ..
كل ما نفكر به نشعر بوقعه أكثر ..
لا تفكر بالهراوة التي تهوي مراراً فوق جلدك ..
نحن لا ننزف ..هذي الدماء ليست دماً ..إنها ماء ساقيه يشق طريقة نحو المحيط ..
_هل سينسكب الماء في بحرٍ ؟؟ (قال و كأنما استفاق)
_سينسكب حيث تريده أن ينسكب ..
_إذن ؛ فلا ينسكب إلا بجدول عذب ..لقد مللت طعم الملح في فمي …
_صحيح ؛ أسنانك تسبح بالدم ..
(يتأوه الأول ..ليعقب الثاني مستدركاً) أيهما أكثر ملوحه الدم أو البحر ؟
_الدم ..الدمع ..كل شيءٍ فيّ مالح هذا الذبيح يرش على جراحه ملح ..(قال مختنقاً باكياً)
_إذن هو يُعَدُّ للشواء ..(ردَّ ممازحاً ثم أردف مستكشفاً) تبسم أكثر ..وجدت شيئاً في فمك .
ردَّ هائماً:”لعلها الكلمات التي خشيت قولها ”
في حين هتف الآخر ضاحكاً :”إنه سن ! سنٌ منتصبٌ في بركة الدم لا يتزحزح من مكانه ..لديك سنٌ سليم !” ردد باغتباط .
_”و ماذا إذن ؟؟”
_”بوسعك أن تقضم تفاحةً أو جزرةً أو تكسر جوزة ! ”
_”بسنٍ واحد؟؟” قال مستغرباً .
_”بوسعك أن تأكل قطعه جاتوه هشة طرية !”
_جاتوه؟!! ..
_”جاتوه بالشوكولا ..فوقه قطعٌ من الأناناس و الفراولة!” .
_” يا إلهي ..أشعر ببركة كبيرة من الشوكولا في فمي !” قال حالماً . ثم هتف محاولاً النهوض
_:” اسمع ؛ لا أريد أن أحلم طويلاً ..غداً منذ الصباح سنزحف بحثاً عن قطعه الجاتو !..و لتعلم أنك إن لم تستطع المضغ سأمضغ لك بسني الباقيه ! ” ..
يتذوق به ما شاء من الحلوى..قطعه حلوى و ليلة تمتلىء فيها السماء بالنجوم قمرٌ يشع ،ثم يستلقي على القش بقرب ساقيةٍ هانئةٍ تشق طريقها بين الصخور ..يغفو بعد أن تملكه التعب و يغمض عينيه ثم ….” و غفا هو الآخر بغير أن يتم كلامه .
في الصباح ؛ وُجِدت جثتان في فناءٍ متهدمٍ ؛ تستلقي إحدهما باسمةً تصرُّ على سنٍّ وحيدٍ محدقةً إلى السقف الحجري!.
بقلم بتول يوسف.