
العبث بالمصطلحات، والخلط بينها لإحداث بلبلة فكرية في المجتمعات المسلمة، يؤدي حتماً إلى الخلاف والشقاق والابتعاد عن الميدان الرئيس للمعركة إلى معارك الحواري الجانبية.
وهو هدف كل عدو لهذه الأمة المرحومة..
ومن هذه المصطلحات التي يتم العبث بها دينياً: التطبيع..
فالتطبيع مثلاً مصطلح سياسي معاصر ، يفهمه أهله على أنه عودة للحياة على طبيعتها بين فريقين متحاربين أو متخاصمين سياسياً..
وبهذا التعريف المجرد لا يمكن إصدار حكم شرعي على التطبيع بالحل أو الحرمة، ولابد من تفصيل..
لكنك تجد المفتين في هذا الزمان يجعلون كلمة التطبيع المجردة كافية لإصدار الحكم الشرعي بالتحريم والتكفير أيضاً عند الغلاة منهم..
فمثلاً مصطلح تعويم الجنيه مصطلح اقتصادي، فيحنما يأتي مفتي ليقول بحرمة التعويم لابد أن يذكر أدلة شرعية على التحريم لا أن يعتبر المصطلح محرماً بمجرده..
لكن بسبب مواكبة استعمال ذلك المصطلح “التطبيع” لنكبات الأمة المتتالية، فقد صار مصطلحاً سيء السمعة عند معظم العوام والخواص .
لكن حينما يأتي الموقع عن الله (المفتي) ليفتى في مسألة التطبيع بين أي دولة مسلمة وبين دولة اليهود التي أنشئت في قلب ديار الإسلام بالتأمر والغصب والخيانة.. إلخ قل ما شئت..
فعليه أولاً أن يتحرى القصد من عملية التطبيع وهل هي مجرد تبادل تجاري واتفاقيات دبلوماسية..
أم أن الأمر يصل إلى محظورات شرعية كالموالاة التي نحن بصدد بحثها هنا للفصل في الحكم الشرعي على مسألة التطبيع..
ما هي الموالاة؟
الموالاة : هي النصرة والتأييد..
والموالاة لأعداء الله والإسلام حرام قطعاً، وقد تصل للكفر والردة عن الإسلام لو كانت الموالاة حباً لظهور دين الكافرين على دين الإسلام..
أما لو كانت موالاة لمصلحة دنيوية فهي كبيرة من الكبائر.
أو تكون من باب المداراة للأعداء فتعود لفقه وتقوى الإمام المسلم (الحاكم) وحسابه على الله.
وهذا التفصيل في مسألة الموالاة، يفرق لك بين أهل السنة والجماعة وبين الخوارج قديماً وحديثاً..
فالخوارج يحتجون على تكفير الناس بمسألة الموالاة بدون تفصيل ليصلوا إلى هدفهم المنشود، وهو الخروج وسفك الدماء واستحلال الفروج..
وشيخ الإسلام لخص لك دين الخوارج في جملة ذهبية حينما قال رحمه الله وقدس روحه:
(( الخوارج دينهم المعظم مفارقة جماعة المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم..))
أحفظ هذا يرحمك الله وعض عليه بالنواجذ.. فيسلم لك دينك ومعتقدك من شبه الخوارج قديماً وحديثا..
نعود لمصطلح التطبيع والموالاة..
فالتطبيع قد يكون فيه موالاة فيحرم بالقدر الذي دخلت فيه تلك الموالاة، وقد يخلو من الموالاة ويكون لمصلحة يراها ولي الأمر المسلم فلا تكون إثماً فضلاً عن أن تكون كفراً.. بل قد تكون ضرورة ملحة..
وسبب الخلط بين المصطلحات، أن كثيراً من المتصدرين في الدين هم أصلاً متحزبين
ولهم ارتباطات حزبية سياسية، ويتحركون بدافع تلك الارتباطات ، لا بدافع تحرير المسألة تحريراً شرعياً مؤصلاً بالكتاب والسنة ومجرداً عن الهوى .