أشرف مصطفى توفيق يكتب: مخاض الولادة على هامش الثورة

لم يحدث في تاريخنا الحديث أن إختلفت الأقوال التاريخية حول حقيقة أكثر مما حدث للتنظيم الذي عرف بإسم “تنظيم الضباط الأحرار” حدث خلط شديد بين التنظيمات السرية التي قامت داخل القوات المسلحة بأسماء مختلفة وبين إسم “الضباط الأحرار” وأصبح كله عند الكثيرين”ضباط أحرار“.وقد يرجع السبب في ذلك إلى نجاح مجموعة عبد الناصر وقيامها بالثورة، وإنضمام كل التنظيمات السرية الآخرى بالجيش لها.
مخاض الولادة : متى ولدت – نجمة يوليو – ثورة الضباط الأحرار ؟
يقول “كمال الدين حسين” :
أن مجموعة الضباط الاحرار سبقت كل التنظيمات السرية بالجيش وكانت عام1938فى منقباد بالصعيد، وهو مالم يقل به عبد الناصر نفسه.
اما أنور السادات فتحدث عن نشأة “الضباط الاحرار” بتاريخين مختلفين ..
ففى كتابه”قصة الثورة كاملة” وأصدره في حياة عبد الناصر، وكتابه “أسرار الثورة المصرية” وكتب مقدمته “جمال عبد الناصر” وصدرا عن دار نشر رسمية هي الدار القومية ،ذكر أنور السادات ما يفهم منه أن تنظيم الضباط الأحرار نشأ عام 1948،وقد لحقته خسـائر شديدة أثناء المعركة في فلسطين.
وفى كتابه “البحث عن الذات“وقد صدر بعد رحيل عبد الناصر وأصبح السادات في السلطة أخذ السادات راحته وتحدث عن دوره في تشكيلالتنظيم وتحدث عن “منقباد” وقال (جاء لى “عبد المنعم عبد الرءوف” وتحدثنا مع الموجودين فى أمر أول تنظيم سرى للضباط _ ولم يذكر إسم جمال عبد الناصر “صراحة ” – وقال السادات إنه هو الذي بدأ التنظيم عام 1938.) .
ولكن عبد اللطيف البغدادي قال كلاما مختلفا ..
وذكر أن أول تنظيم سري في الجيش كان تحت إسم “مجموعة الطيران” وليس الضباط الأحرار وكان فيه: هو،وأحمد سعودى ابو على،وحسين عزت،ووجيه أباظة، وتكونت المجموعة عام1940،وانضم لهم بالصدفة السادات لصداقته العميقة مع حسن عزت .
ولم يكن معهم “جمال عبد الناصر” لسببين (أنه تنظيم لضباط الطيران – أن عبد الناصر كان وقتها بالسودان) .
تنظيمات آخرى منافسة
وتنظيم مهم آخر قام ضمن حركة الجيش عرف بتنظيم “ضباط الجيش” ركز على دفعة “30 يونيو 1944” كان منهم أربعة تلاقت أفكارهم ومشاعرهم لإنقاذ البلاد،وقد كونها: جمال الدين منصور، وسعد عبد الحفيظ ومصطفى نصير، وعبد الحميد الكفافى، وبدأت المجموعة عام1945 بكتابة المنشورات على الآلة الكاتبة والمجموعة هي التي إبتكرت إسم “الضباط الأحرار” في منشوراتها فى أكتوبر عام 1950 وهي التي ووضعت “المبادئ الستة” التي وزعت بالبريد على شباب السياسيين.
تنظيم : مجموعة الإخوان العسكرية
أحداهما لخالد محيى الدين، والثانية لجمال عبد الناصر واندمجا، وكان “خالد محي الدين” هو ضابط الإتصال بين المجموعتين إلى أن تم الإندماج في مجموعة واحدة، وذلك عام 1950م.
وذكر أحد الضباط الإخوان “حسين حمــودة” تكوين هذه المجموعة من:“جمال عبد الناصر،خالد محي الدين،وعبد المنعم عبد رءوف، كمال الدين حسين، سعد حسن توفيق، صلاح خليفة،, وحسين حمودة..
وهى رغبة اتفق عليها “الملك، والانجليز، والوفد“،و كان الإحتلال يراها تدبير جيد مع إحتمالات الحرب،وقد رأت فى معاهدة 36 ما يجعل مصر تدخل الحرب معها وأعلن عن قبول دفعة جديدة فى الكلية الحربية من الحاصلين على الثقافة العامة فقط،بحجة أنهم سيستكملون تعليمهم فى الكلية الحربية، فالحاجة أم الاختراع.
تنظيم الطيران :
فمع بداية عام 1940م والحرب العالمية مشتعلة لم يكن للجيش المصري قرب الحدود الليبية المشتركة مع حدودنا إلا بعض قوات رمزية من الجيش والطيران في منطقة مرسى مطروح، كانت هناك مجموعة من أربعة ضباط برتبة ملازم طيار تقيم معا في شقة مفروشة بمصر الجديدة وهي قريبة من المطار الحربي مطار ألماظة، وكانت هذه المجموعة مكونة من الطيارين:”أحمد سعودي أبو علي وحسين عزت ومحمد وجيه أباظة وعبد اللطيف البغدادي” فشكلوا تنظيما سريا بين ضباط الطيران سموه “تنظيم الطيران” بهدف مقاومة الإحتلال البريطاني، وقاموا بالإتصال بجماعة الإخوان المسلمين للتعرف على مدى إستعدادها للمشاركة في مقاومة الإحتلال البريطاني،وإقترح الاخوان إدماج التنظيمين [ أي تنظيم الطيران مع التنظيم الخاص بالإخوان المسلمين(ولم يتم الاتفاق) ] .
السادات والتجسس لصالح ألمانيا النازية
وعن طريق حسين عزت تم ضم “أنور السادات” إلى المجموعة ،وهذا التنظيم هو الذي كلف “أنور السادات وحسن عزت بالإتصال بالجواسيس الألمان ، لاسباب غامضة عللوها “بأن عدو عدوى صديقى”؟! وإنكشف الأمر وقبض على أنور السادات وحسين عزت ، وفي يوم الإثنين 29 يونيو عام 1942 إستقل احد أفراد المجموعة وهو”أحمد سعودي أبو علي” طائرة من النوع البريطاني ومعه حقيبة بها كل ما أمكن جمعه من معلومات وإتجه بها لمنطقة مرسى مطروح غرب الإسكندرية وكانت تحت سيطرة القوات الألمانية في ذلك الحين،ولم يعلم أحد مصيره.وقد تحدث السادات عن مجموعة الطيران فقسمها لمجموعتين: فقد تحدث عن أحمد سعودي ومغامراته وعن صديقه حسن عزت وعن وجيه أباظة على أنهم أفراد مجموعته هو” تنظيم السادات” التي رأسها عام 1940..وجعل الباقى لعبد اللطيف البغدادى “تنظيم البغدادى” الذى تنسب له مجموعة الطيران فى الأصل
وتضيق الدائره وتظهر علامات الاستفهام حول انور الساداتي الذى كان وثيق الصله بيوسف رشاد رئيس الحرس الحديدى وهو نفسه عضوا بالحرس وكان عليه ان يؤدى خدمات الى القصر نظير ما يتقاضاه من مرتبات شهرية على سبيل المكافأة ..
(كنت دائم التردد على يوسف رشاد وكنت اقدم له معلومات خاطئة ) .
ويذكر السادات فى كتاب”قصة الثورة” ( أن كراهية الاحتلال البريطاني لمصر كانت دافعه الأول نحو العمل السري..فشارك في تأسيس أول تنظيم سري داخل الجيش، ووضع خطة أولية لتهريب القائد العسكري الأسطوري الفريق عزيز المصري إلى العراق ليساعد ثورة رشيد غالي الكيلاني ضد الإنكليز في العراق بناء على اتفاق مع الألمان، لكنها لم تنجح، فأسند لأحد رفاقه تدبير خطة بديلة، ورغم انكشاف الأمر كله، والقبض على السادات والتحقيق معه لم يتوقف عن نشاطه ومحاولات اتصاله بالألمان للتعاون معهم ضد الإنكليز من أجل استقلال مصر..ولم يتردد في معاونة جاسوس ألماني على اصلاح جهاز اللاسلكي الخاص به..(وعندما كشفت المخابرات البريطانية أمر الجاسوس الألماني وجد كل من تعاون معه ومن بينهم السادات طريقه إلى السجن )
فمنذ زمن باكر إتصل البغدادي ومجموعة الطيران بجماعة الإخوان المسلمين منذ عام 1940 دون أن يؤدي الإتصال إلى الإندماج بين الجماعة والمجموعة وإتصل “السادات” بالشيخ” حسن البنا” .
وتؤكد المصادر ان أكثر الضباط إخلاصا للإخوان المسلمين كان هو”عبد المنعم عبد الرءوف” والذي رفض فيما بعد قى إجتماع “الهيئة التأسيسية برئاسة عبد الناصر” أن يتخلى عن ولائه للإخوان فلم يتم ضمه للجنة التأسيسية وإن كان قد ظل على إرتباط حتى قاد القوات للإستيلاء على قصر رأس التين وإخراج الملك فاروق يوم 26 ” يوليو عام 1952” وكتب مذكراته بعنوان: “أخرجت الملك فاروق”
والثابت أيضا أنه قبل نهاية عام 1949 بدأ “جمال عبد الناصر” بالإتصال ببعض الضباط الوطنيين بغرض لهم شملهم، وكان منهم “عبد المنعم عبد الرءوف” الذي قدم لجمال عبد الناصر”كمال الدين حسين وخالد محي الدين” وأصبح الجميع أعضاء بالإخوان المسلمين وكانت القيادة العسكرية بالإخوان يرأسها “الصاغ محمود لبيب”،وتم ضم عناصر جديدة إلتقوا جميعا في منزل بالسيدة زينب وفي غرفة مظلمة أقسموا اليمين على المصحف والمسدس بحضور”صالح عشماوي” ممثلا لمرشد الإخوان المسلمين وبحضور “عبد الرحمنن السندي” قائد الجهاز السري وكانت المجموعة تتكون من”عبد المنعم عبد الرءوف وجمال عبد الناصر وخالد محي الدين وكمال الدين حسين وحسين حمودة وسعد توفيق” وأقسموا جميعا على المصحف والمسدس أمام “الشيخ حسن البنا”
وبذلك تكونت أول خلية عسكرية داخل الجهاز السري للإخوان، وكان المسئول عن خلية الضباط أنور السادات – الذي كان على إتصال سابق بالشيخ حسن البنا – وبعده جاء عبد المنعم عبد الرءوف بعد دخول السادات السجن.
ونشب صراع بين عبد الناصر، وبين عبد المنعم وتشكـــلت خليتان..
ويروي “محمود جامع” في كتابه “عرفت السادات” أن محمود لبيب كان مريضا وذهب عبد الناصر لزيارته وسلمه محمود لبيب كشوفا بأسماء الجهاز السري والخلايا العسكرية، وقد إستخدم عبد الناصر هذه الثروة الكبيرة عندما شن الحملات ضد الإخوان فيما بعد، والطريف أن عبد الناصر في الوقت الذي كان يشرف فيه على خلية سرية لضباط الإخوان كان عضوا في تنظيم “حدتو” الماركسي بإسم حركي “موريس“. .والأرجح أن أول إجتماع لمجموعة “جمال – خالد” كان في نهاية صيف عام 1949في حين أن مجموعة البغدادي بدأت عام 1940 ومجموعة ضباط الجيش بدأت عام 1945م،وتم إندماج مجموعة “جمال– خالد” مع مجموعة الفرسان أو مجموعة ضباط الجيش. وأخذ التشكيل الجديد إسم الضباط الأحرار الذي كان من إقتراح” جمال منصور عضو مجموعة ضباط الجيش”، وأخذ التشكيل الجديد أيضا “المبادئ الستة” الذي روجت له مجموعة “ضباط الجيش” وبدأ التنظيم الجديد تحت إسم “الضباط الأحرار” وتم إطلاق إسم “اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار”، والتي أطلق عليها بعد يوليو عام 1952 إسم “مجلس قيادة الثورة”،وقد إقترح “جمال عبد الناصر” ضم زكريا محيي الدين، وحسين الشافعي في 15 أغسطس عام 1950وفي الوقت نفسه تم ضم البكباشي “عبد المنعم أمين ويوسف صديق لدورهما في ليلة الثورة..
وعلى الرغم من الإندماج بين مجموعة”جمال – خالد” فإنتشكيل الضباط الأحرار الجديد نشبت فيه صراعات “بين عناصر المجموعتين” وإجتمعت اللجنة التأسيسية لسلاح الفرسان في أغسطس عام 1952 لتسجيل الأحداث التي سبقت قبل 23 يوليو عام 1952 أي تسجيل تاريخ تنظيمها خوفا من الضياع أو نسبته إلى آخرين، ومنع مجلس قيادة الثورة نشر هذه المعلومات وتأجيل النشر إلى أجل غير معلوم .
ولم تكن تلك التنظيمات أو المجموعات السرية، هى كل المجاميع السرية بالجيش فى الفترة من ( 1938- 1952 ) ولكن كان هناك غيرها اضعف، واقل ترابط، تم القبض عليها ومحاكمه ضباطها منها (جماعة مصطفی کمال صدقي ،تنظيم سرى تكون من ضباط الجيش الذي آمنوا بالفكر الشيوعي، واتهموا في يناير 1949 في الجناية العسكرية”رقم ۳۸ لسنة 1949″بحيازة وإحراز أسلحة ومتفجرات وذخيرة، وحكم فيها على مصطفی صدقي بالسجن لمدة 5 سنوات وتدخل القصر وحصل مصطفی صدقي ومعظم المجموعة على العفو الملكي!! ) ولكن للحق فكل التنظيمات السرية بالجيش كان لها اهداف سامية واغراض مشروعة تتلخص فى مقاومة الاحتلال الإنجليزى، والتخلص من قيادات الجيش الموالية له.ولذلك سعى الملك إلى تخفيف الأحكام والعفو عن معظم الضباط المتهمون فى قضايا، فالملك فاروق كان الملك المفدى والمحبوب بالجيش.