النسائية والنسوية..حركة تحرر، أم أدب؟

ماذا قالت الكاتبة الكبيرة هدى وصفى حين حاورها الصحفي والباحث المحقق الأستاذ الأديب أشرف مصطفى توفيق وسألها عن النسائية والنسوية هل هي حركة تحرر أم أدب ؟
يروي لنا الكاتب الكبير تفاصيل الحوار الذي دار بينهما ويروي لنا ماذا قالت هدى وصفي عن الكتابة النسوية فيقول :
قالت لى د. هدى وصفى :
أنظر لما تكتبه المرأة لتعرف وضعها، فهناك كاتبة فلسطينية تسمى مجموعتها القصصية “أريد هوية ؟!” هوية هنا بمعنى أنثوي وليس بمعنى سياسي مرتبط بقضية ما مثلا!
كاتبات كثيرات أذكر منهن عائشة أبو النور ومنى رجب وفوزية مهران ” أنهن يكتبن حول قهر المرأة أما المرأة التي تستطيع أن تختار عملا،أوتختار زوجا !! تختار طريقا فالكتابة فيه قليلة “.
يحضرني منها الآن رواية ( وصف البلبل ) لـ سلوى بكر ففيها قصة امرأة تعيد صياغة حياتها مع شخص في سن عمر ابنها ولكن ذلك لا يعني أن المراد تم !! فالمرأة لا تعامل الكتابة بحرية مثل الرجل ومثل رواية (ذات) لصنع الله إبراهيم،لأنه حتى أفعالها المتحررة..تجد تبريرها الرخيص في أن ما حدث رد فعل لقهر وقع عليها، فالمرأة حتى في الكتابة تعامل كصدى وكرد فعل وعلينا بالطبع أن ندرك أن المرأة تحت قلم الرجل تختلف عن المرأة التى تكتبها النساء..!
حتى القوانين الموجودة تعيد في للأذهاب أفكاراً سلفية :كقبول الزوجة الثانية،وحق الرجل في منع أمرأته من العمل،والتأكيد على قيم عودة المرأة للمنزل، فالمرأة هي حاملة الثقافة والقادرة على التأثير في الصغير ومن ثم يعتمد عليها في إعادة صياغة الكون فهي التى تقول للصعير (أمنا الغولة) وهي التي تقول له (لا تخاف الظلام ).. المرأة هي الوعاء الأول للثقافة والمفاهيم التراثية ونحن لا نطالب كنساء إلا المساواة الحقيقية !!
وقالت فى صوت عال وكأنها تصيح: أن لطيفة الزيات تحكى فى سيرتها الذاتية برواية ” الباب المفتوح ” تقول :(واستسمحها وكيل النيابة بعد نهاية التحقيق في سؤال شخصي خارج عن نطاق التحقيق،وسمحت وتساءل لما تهتم بالسياسة وهي الحلوة المرغوبة من شباب الجامعة ؟ولم تكن تعرف إنها حلوة،ولم تعرف هذه الحقيقة حتى التقت بزوجها الثاني ) وتقبلت إطراءه مبتسمة وتجاوزت بلاهة سؤاله،وأدرجته كإنسان طيب ).
(أنا نفسي لا اعرف بالضبط ماذا تعني «نسوية». إنني فقط أعرف بأن الناس تدعوني «نسوية» حين أعبر عن آراء ومشاعر تميزني عن ممسحة الأرجل.) ريبيكا ويست
وسألتها عن الحركة النسوية التحررية بدايتها في مصر والبلاد العربية بداية ذكورية، فقد بشر بها الطهطاوي”في تخليص الإبريز”ورسم طريقها قاسم أمين في كتابيه”تحرير المرأة”و”المرأة الجديدة”
فقالت د. هدى : الحركة النسوية المصرية كانت جزءا من استقلال الوطن ولم يكن تحرير المرأة إلا جزءا من سياق اجتماعي للاختلاف مع الغرب والخروج ضد المستعمر،واعترف بأن الدعوة بدأت ملتبسة سواء أكان ذلك بحسن أو سوء نية .. ففى 1923 خلع الحجاب الذي قامت به هدى شعراوي كان مطلبا ًاستقلالياً ضد المستعمرالانجليزي،وليس مطلباً أنثوياً بالمساواة بالرجل!! وجاء مع أحداث ثورة 1919وما تلاها، وكانت مارجو بدران من أوائل من اهتموا بتأريخ تلك المسألة وتقول إن:” المرة الأولى التي اُستخدم فيها مصطلح النسوية Feminism في مصر كانت في عام 1909 عندما نشرت ملك حفني ناصف مجموعة من المقالات عدّها كثيرون علامة فارقة في تاريخ المرأة”.وبدأ الاهتمام بصورة شبة رسمية بمسألة حقوق المرأة مع تأسيس الحزب النسائي المصري عام 1923وظهرت كتابات هدى شعراوي وزينب الغزالي بعدها.ولكن الغزالي” انفصلت عنها بسبب اختلافهما في التوجهات،وأسست جمعية السيدات المسلمات ، وقد كان للغزالي موقف سياسي ترى فيه ضرورة [أن يحكم القرآن مصر لا الدستور والقوانين الوضعية]..ولكن هناك تاريخ آخر مهم في تاريخ المرأة وهو 1972 حينما صدر كتاب “المرأة والجنس” لنوال السعداوي هنا كان من الواضح ان المرأة تريد أن تعلن أنها كائن مساو ويجب العناية به يشعر كالرجل تماماً وهذا فعل أنثوي ليس له رائحة رجولية. ولكن في العالم العربي ظهرت النسوية Feminismأشبه بالتهمة سواء من النساء أو الرجال. خذ مثلًا “عفيف فراج” حين ينتقد الكاتبة المرأة التي ترغب بتحقيق الحرية الجنسية لبطلتها دون أخذ اعتبار للواقع الاجتماعي وهو يرى أن نوال ” شيطنت العلاقة بين الرجل والمرأة فـ “الرجال والنساء مرتبطين بعلاقة أكثر عدوانية من أية علاقة يمكن أن تقوم بين إنسان وإنسان، ففي حين أن الرجال جميعًا مجرمون، فلا يمكن لأية امرأة أن تكون مجرمة، فالإجرام يحتاج إلى ذكورة .
اقرأ أيضا : عائشة أبو النور : لا أتخفى وراء بطلات قصصي
” المرأة يجب أن تقول .. يجب أن تعترض على القيود البالية ، والأسلاك الشائكة ، وطغيان الرجل واستبداد الرجولة،ثم يجب أن تعلنها:لا لضعف الأنوثة ! وأعتقد أن أنسب تسمية لهذا الاتجاه الأدبي القادم مع النسوية هو: أدب الأظافر الطويلة – أدب الخربشة ” . أنيس منصور
قلت لها : هل تتذكرين يا دكتورة أن الحركة النسوية كانت حركة هوانم وأرستقراطية ولم يكن لها جذور شعبية ؟!
قالت د. هدى : كل الحركات النضالية والثورية تبدأ كأفكار أرستقراطية عند المثقفين ولكن يستفيد منها باقي المجموع والحركة المصرية النسائية كما قلت كانت ضمن سياق اجتماعي لمحاربة الانجليز ( فدعوة تحرير المرأة ) كانت معاكسة تماماً لما هو موجود في الغرب وقتها بل إن قاسم أمين يريد أن يثبت أن الإسلام يضع المرأة في مرتبة أعلى من الغرب – ويقال ( إنه اشترك معه الشيخ محمد عبده في كتابه “تحرير المرأة”).. ولكن المرأة استجابت فيما بعد وقامت بالدور الآخر في تأكيد الدعوة لحرية المرأة .
سؤال: لماذا قيمة المرأة الفرنساوية هي التي سادت حركة تحرير المرأة ؟! سواء حينما كتب الطهطاوي أو قاسم أمين او حينما خرج كتاب نوال السعداوي ( المرأة والجنس ) وقتها قيل : إنها متأثرة بكتاب “سيمون دي بوفوار ” ” الجنس الثاني” ؟!
قالت د.هدى :
هذا يرجع للسياق التاريخي فمعروق أن “محمد علي” استعان بالجنرالات الفرنساويين بعد هزيمة نابليون وأن انجلترا اعتبرت ذلك ضدها ، وإن مصطفى كامل فعل نفس الشيء مع فرنسا وعلاقته بـــ ” جوليت أده “.. فالثقافة الفرنسية كانت جزءا من مقاومة الاستعمار الإنجليزي ،لأنه كان يعتقد أن إنجلترا وفرنسا أعداء !! ولو رجعت لثلاثية نجيب محفوظ مثلا رأيت أن ” سي السيد ” أو أحمد عبد الجواد يتمنى انتصار هتلر على انجلترا .. سياق اجتماعي ضد هذا الاحتلال الذي جثم علينا أكثر من سبعين سنة بالطبع مس هذا حركة تحرير المرأة . كجزء من حرب تحرير الوطن كله ضد المستعمر .. هذه هي البداية .
” انزعجت حيت قال لي الكاتب الراحل عباس الأسواني : أنك تكتبين مثل الرجال !! وحين أنتبه لانزعاجي .. أستطرد .. أقصد أنك تكتبين كتابة جيدة !! ” فريدة النقاش
قدمت لها صور المؤتمرات الخاصة بالمرأة من عام (1975 – 2000) وما تقدمت به المرأة من أوراق وطالبت به بيوتوبيا جسدية ..
قالت : النبرة العالية ورد الفعل الشديد دليل على مدى القهر الانثوي الذي تعرضت له المرأة فجاء ما قلته من مطالب ومن حدة .. بل إنه أصبح هناك نقد يسمى ” بالنقد النسوي ” وكانت النبرة عالية للغاية بل إن الموقف الفكري كان منقسما في هذه الفترة ولكن بدأت المسائل تقترب من التوازن مع بداية الثمانينات وبخاصة ( مؤتمر نيروبي 1985 ) والنظر للأمر بأنه ليس صراعا مع الرجل وإنما لابد من التعايش مع البشر والتقارب بين الرجل والمرأة .وبدأ ينظر لقضية المرأة في إطار ثقافي .. لتقريب الأفكار وتكييف الظروف وجعل المساواة سهلة في العلاقات بين البشر .
ولكن مع ظهور العقدة الاقتصادية ..والغنى والفقر .والشمال والجنوب ..وغضب الطبيعة وجدنا أشياء أخرى .المرأة في شمال أفريقيا تترك سيادتها في بلادها لتعمل أي شيء في بلاد أخرى .. كأعمال الخدم مثلا في آسيا فالمرأة في آسيا وبخاصة في الهند والصين في حالة يرثى لها وفي مصر ظهر الزواج العرفي بين فتيات قاصرات و كهول ..وظهرت انواع للعلاقة بين الجنسين بمفهوم الزواج اسسها اقتصادى؟ وبالتالي أصبحت المرأة تنظر لمشكلتها بشكل مختلف وبشكل متصل بمشاكل مجتمعها .وشعرت بأنها ليست وحدها في مأزق .. بل الرجل الآن هو الذي في مأزق ..أشد !! ومن هذه النظرة الجديدة جاءت العناية بالمرأة وبالثقافة .. وظهرت أفكار جديدة ( كتهذيب المتوسط ) .
قلت لها مقاطعا : أية حكاية المتوسط ؟!
قالت : إن الغرب يخاف من البحر المتوسط ففي الشمال أغنياء وفي الجنوب فقراء فأصبح الأغنياء يخافون ثورة الفقر ولهذا بدأ التدخل لتهذيبه ، فهو بحر طول عمره حروب ودماء .. وجاء ذلك في شكل تكافل اجتماعي .. عن طريق مراكز ثقافية .. وعن طريق العناية بالمرأة . وبالمرأة خصوصا
” يتهموني بالجنون يا استاذي .. يتهمونني بالجنون ” مي زيادة
قلت لها : أنت تدركين معي أن كل شيء بثمن . وأن المرأة يلعب بها الآن كاستقطاب عالمي تغلفه الثقافة !
ضحكت د. هدى وقالت : إن الغرب برجماتي لأقصى درجة إنه ينظر إلى علاقة الطفل بثدي أمه بأنها علاقة جنس ومتعة كما (قال فرويد ) فكيف لك أن تعتقد بغير ذلك .. في أمور الفلوس والاقتصاد ؟
(يتبع .. )
أشرف مصطفى توفيق
اقرأ أيضا : أشرف توفيق يقابل يوسف إدريس على سور الأزبكية